تقديم:
يعد البرنامج الوطني لتعميم و تطوير التعليم الأولي و المبني على توجيهات الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في اللقاء الوطني حول تعميم و تطوير التعليم الأولي يوم 18 يوليوز 2018 تحت شعار "مستقبل أطفالنا لا ينتظر"،مرحلة انعطاف في مجال السياسات العمومية الموجهة لهذا القطاع ، حيث "ارتبط بمجموعة من السياقات المتداخلة، في مقدمتها اعتماد المغرب للرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030، التي جعلت من التعليم الأولي موضوعا ذا أولوية . لذلك سعى البرنامج الوطني لتنزيل الغايات والأهداف المحددة في الرؤية، إضافة إلى حرص البرنامج على اقتراح آليات لمعالجة الاختلالات و مكامن النقص التي صادفت تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمخطط الاستعجالي، بما يمكن من تجويد التعليم الأولي و تعميمه، والوقوف على أبرز الإشكاليات التي حالت دون الوصول إلى الأهداف المحددة سلفا في السياسات السابقة."[1] و ترتكز هذه الاهداف حول ثلاث محاور أساسية: "الإنصاف وتكافؤ الفرص، الجودة للجميع، و الارتقاء بالفرد والمجتمع [2] ".
وجاء
القانون الاطار 51.17 الصادر بتاريخ 09 غشت 2019 لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني
والتعليم العالي والبحث العلمي [3]
ليطور وضعية التعليم الأولي بالمنظومة التربوية ، وخاصة في تحقيق العدالة
المجالية، حيث جاء في ديباجته: " وحيث إن جوهر هذا القانون-الإطار يكمن في
إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام الجميع، تتوخى تأهيل الرأسمال البشري، مستندة إلى
ركيزتي المساواة وتكافؤ الفرص من جهة، والجودة للجميع من جهة أخرى، بغية تحقيق
الهدف الأسمى المتمثل في الارتقاء بالفرد وتقدم المجتمع. وحيث إن تحقيق الإنصاف
وتكافؤ الفرص يستوجب الاستناد إلى مجموعة من الرافعات أهمها تخويل تمييز إيجابي
لفائدة الأطفال في المناطق القروية وشبه الحضرية، فضلا عن المناطق التي تشكو من العجز
أو الخصاص.
و رغم وجود إطار
قانوني و تنظيمي محفز ، فقد سجل "وجود تفاوت في نسب استفادة الوسطين القروي والحضري،
35% و 65 % تواليا، مما يكرس وضعية التفاوت قبل انطلاقة
البرنامج"[4] ،
و"لم تستفد من التعليم الأولي في الوسط القروي سوى 27% من الإناث، في حين بلغت
نسبة تمدرس الذكور حوالي 63 %، مما يؤكد ضعف ولوج الفتاة القروية إلى خدمات التعليم
الأولي"[5].
و على غرار
الرؤية الاستراتيجية الوطنية، يجب وضع رؤية استراتيجية محلية لتعميم و تطوير
التعليم الأولي بالمجالات القروية ، لتجاوز
الأوضاع الميدانية التي تطرق إليها تقرير المجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم
السياسات العمومية في مجال التعليم الأولي بمجلس النواب ، من مؤشرات سلبية في ما
يخص تكافؤ الفرص و التمييز الإيجابي للمجال القروي . وترتكز هذه الرؤية المحلية
على رؤية موحدة للفاعلين المحليين في إطار قانوني واحد ، غايتها تركيز أقصى الجهود
لخدمة الطفل المحلي بمجموعة تراب الجماعات "القروية"[1]، بجهد جماعي واحد، تدبيرا و ترشيدا
للموارد المالية و البشرية و الزمانية.
و في ما يلي
مقترح تصميم للرؤية ، و أرضية للنقاش العمومي المحلي من أجل وضع رؤية واضحة محركها
الأساسي ،الارتقاء بالمستوى التربوي و التعليمي للاجيال القادمة بروح وطنية خالصة
، و عمل جماعي يؤطره ثلة من خيرة الفاعلين و الأطر المحلية المهتمة بمجال التعليم
الأولي.
المفهوم:
التعليم
الأولي أو التعليم ما قبل المدرسي أو التعليم التمهيدي أو التعليم ما قبل الإبتدائي،
كلها مصطلحات زمنية لمرحلة التربية والتعليم ما قبل التعليم الابتدائي أو الاساسي.
حسب المادة الاولى من النظام الاساسي للتعليم الأولي، فالتعليم الأولي هو "
المرحلة التربوية التي تتكفل بها المؤسسات التي يقبل فيها الأطفال المتراوحة
أعمارهم ما بين أربع سنوات كاملة و ست سنوات، ويهدف التعليم الأولى إلى ضمان أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع الأطفال المغاربة قصد ولوج التعليم المدرسي وتيسير نموهم البدني والعقلي والوجداني وتحقيق استقلاليتهم وتنشئتهم الإجتماعية " [2].
ولان
المدلول الواقعي لمرحلة الطفولة الصغرى يشمل كل المرحلة التي تسبق التحاق الطفل
بالمدرسة الابتدائية، فان المفهوم المتداول بشأن هذه المرحلة أكاديميا واجتماعيا
يطلق عليها تسمية "مرحلة التعليم
ماقبل المدرسي" وتشمل كل المرحلة التربوية التي يتم فيها استقبال الأطفال في
مرحلة الطفولة الصغرى بمؤسسات تربوية قبل التحاقهم بالمدرسة الابتدائية، أو قبل
بلوغهم سن السادسة [3].
وحسب
رأي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين فالتعليم الأولي هو "تربية قبل مدرسية، وحامل لمنظور مُجَدِّد كليا من حيث عمقه التربوي والبيداغوجي، وليس تعليما
بالمفهوم الصرف للكلمة، لكونه يدمج تفتح
الطفل وصقل قدراته ومهاراته وملكاته وتنشئته بما في ذلك اعتماد التعلمات في كافة الأنشطة الخاصة به" [4].
و
حسب الدليل البيداغوجي للتعليم الأولي فهو " طور تعليمي لتفتح شخصية الطفل (ة) وتطوير مهاراته وإعداده لمرحلة التعليم الابتدائي. ويستقبل الأطفال من الفئة العمرية 6- 4 سنوات )المستوى الأول 5- 4 سنوات،
والمستوى الثاني 6- 5 سنوات( " [5].
الاشكالية:
هل تستطيع الجمعيات المحلية
بالمجال القروي استثمار الاطار القانوني و
التنظيمي لجلب و استغلال الفرص بطريقة أكثر نجاعة و مردودية، من أجل تفعيل مبدأ
تكافؤ الفرص و تنزيل التمييز الإيجابي الذي يختص به المجال القروي ، في ظل
الاكراهات البنيوية التي يتميز به هذا الأخير عموما، و تفتيت للجهود و الامكانيات
البشرية و المالية .
النموذج
التنظيمي(المقاربة التنظيمية).
تعتبر الجماعة "القروية"
على الخصوص ،شكلا تنظيميا نموذجا يمكن الاقتداء به للاشتغال على ملفات استراتيجية
كالتعليم الأولي ، باعتباره محورا تلتقي فيه جهود مجموعة من المتدخلين الحكوميين،
و نخص بالذكر هنا وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و
البحث العلمي، و مجموعة من الشركاء من
مؤسسات عمومية و قطاع خاص، و على هذا الاساس
نطرح فكرة التنظيم الواحد كمخاطب وحيد بهذا القطاع على صعيد كل جماعة "قروية".
و على أساس هذه الفكرة ، يمكن القيام
بعمليات الدعم المالي و اللوجيستيكي بطريقة مباشرة و ميسرة من طرف المؤسسات
الشريكة، كمجالس الجماعات الترابية [6] والمبادرة
الوطنية للتنمية البشرية، أو من طرف المتدخلين كالمديرية الإقليمية للتربية و
التكوين، و تسهل معها عملية التتبع و المراقبة و التقييم و التقويم.
الاطار الموحد:
أصبحت جمعيات
المجتمع المدني محركا و فاعلا رئيسيا في عملية تدبير و ضمان استمرارية أقسام
التعليم الأولي، و تنشط بتراب الجماعات "القروية" مجموعة من الجمعيات
المهتمة بهذا المجال ، تحاول تسيير هذا القطاع بإمكانياتها البشرية و المالية و
التدبيرية المتاحة لها و المتفاوتة في ما بينها. و بهذا تبرز الى الوجود مجموعة من
الاشكالات الرئيسية ناتجة عن ارتفاع عدد الجمعيات المهتمة بهذا المجال نذكر منها:
1* غياب مخاطب
موحد لدى المؤسسات العمومية كالمديرية الاقليمية للتربية و التكوين باعتبارها
المشرف المباشر اقليميا على البرنامج الوطني لتعميم و تطوير التعليم الأولي، و
كذلك الجهة و الجماعات الترابية و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و مؤسسات
اخرى، باعتبارهم شركاء في تنزيل البرنامج الوطني لتعميم و تطوير التعليم الأولي.
2* تكريس لاتكافؤ
مجالي في الحق في الاستفادة من تعليم أولي مجاني ذو جودة.
3* صعوبة تقديم
الدعم و تتبعه و تقييمه و تقويمه لكل الجمعيات العاملة في التعليم الأولي.
4* صعوبة
الملائمة بين ترشيد النفقات و المردودية و النجاعة المطلوبتين، في إطار تنزيل مبدأ
الحكامة الجيدة.
و بناء على ما
سبق:
*و من أجل توحيد
الجهود المبدولة في عملية تعميم و تطوير التعليم الأولي ، و تدبير أمثل للموارد
المالية و البشرية،
*من أجل الحصول على فرص أفضل للدعم من لدن المؤسسات
العمومية و الخاصة،
*من أجل تيسير
عملية التتبع و التقييم و التقويم،
*من أجل توحيد
الجهود في العمليات المتعلقة بالمربيات ،باعتبارهن المكون الرئيسي في المشروع (الانتقاء
التكوين ، الاجر..) لضمان استقرارهن و استقرار و استمرار المشروع.
B فالمجال
القروي في حاجة ماسة الى خلق اطار جمعوي مكون من خيرة الفاعلين و الاطر المحلية المهتمة بالقطاع و المشهود لها بكفاءتها و
نزاهتها و عملها التطوعي الصرف، من اجل تدبير امثل لهذا القطاع.
خلاصة.
يعد مجال التربية و التعليم الخاص بالطفولة الصغرى مجالا استراتيجيا، يجب الاستثمار فيه بأقصى ما يمكن ، عبر استغلال جميع الفرص المحلية المتاحة، من وجود ارادة لدى جميع الفاعلين ، و شبكة من الجمعيات لا بأس بها تشتغل في الميدان، و الفرص الاقليمية و الجهوية عبر الانخراط في عمليات الدعم المالي و في مجال التكوين التي تطلقها المؤسسات المختصة. لذا وجب الاشتغال برؤية موحدة و تفعيل قيم التعاون و التضامن من أجل أطفالنا، لأن "مستقبل أطفالنا لا ينتظر".إلا أن الشروط الذاتية و الموضوعية لعمل الجمعيات بالمجال القروي، لا تؤهلها للاشغال بصفة أحادية بهذا المجال الاستراتيجي الذي يمس مسقبل أجيال بأكملها. فمقاربة العمل بالتنظيم الموحد كفيلة بجمع الجهود و تطويرها و تتبعها و تقييمها و تقويمها، و هي وسيلة للرفع من وثيرة تنزيل مبدا تكافؤ الفرص و التمييز الإيجابي بهذا المجال .
بقلم الأستاذ: *[1] رشيد تسيردي
[1] المصطلح لم يعد
مقررا دستوريا، واستعنت به لسهولة التدقيق المجالي فقط. و لأنه مازال متداولا بالقوانين
ذات الصلة.
[2] الظهير الشريف رقم
1.00.201 الصادر بتاريخ 19 ماي 2000 و القاضي بتنفيذ القانون رقم 00-05 بشأن النظام الأساسي للتعليم الأولي،و المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4798
بتاريخ 25 ماي 2000.
[3] التعليم الأولي بالمغرب، في أفق سنة 2030.منشورات
مركز الدراسات و البحوث في الشؤون البرلمانية بدعم من مؤسسة WESTMINSTER FOUNDATION FOR DEMOCRACY . PDF،
.
[4] رأي المجلس الاعلى
للتربية و التكوين و البحث العلمي،2017،ص 20،. PDF
[5] وزارة التربية الوطنية ، مديرية المناهج، الدليل
البيداغوجي للتعليم الأولي ، فبراير 2020.
[6] يقصد بالجماعات
الترابية حسب الفقرة الأولى من الفصل 135 من
دستور المملكة، "الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعت.
[1] مجلس النواب ،تقرير المجموعة الموضوعاتية المكلفة
بتقييم السياسات العمومية في قطاع التعليم الأولي PDF، أبريل 2021 .
[2] وثيقة الرؤية الاستراتيجية للاصلاح 2015-2030، المجلس الاعلى للتربية والتكوين و البحث
العلمي،PDF
[3] القانون الاطار
17-51،وزراة التربية الوطنية،2019،PDF.
[4] مجلس النواب،تقرير
المجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم السياسات العمومية في مجال التعليم الأولي.
[5] نفس المرجع.