تم الارتكاز في
وثيقة المنهاج الدراسي للتعليم الابتدائي (النسخة النهائية يوليوز 2021) على
مقاربة تتطور من خلالها الكفايات الاستراتيجية والتواصلية والمنهجية والثقافية
والتكنولوجية، بما يجعلها تمثل كلا يستجيب لحاجات المتعلم(ة)/ المواطن (ة).
ويُفترض في تدريس اللغة العربية حسب وثيقة المنهاج أن يخدم هذا البعد، فالاختيارات
البيداغوجية العامة ومدخل الكفايات يبين أن الكفاية النهائية للغة العربية تتمحور
حول فهم وتحليل وتركيب وتقويم نصوص مسموعة ومقروءة وإنتاج نصوص شفهية وكتابية يغلب
عليها طابع السرد والإخبار والوصف والتوجيه والتفسير والحجاج.
يقتضي التمكن من
الكفاية النهائية اعتماد مبدأ التكامل على مستوى البناء الهيكلي لحصص مختلف مكونات
المادة عبر الأسابيع الخمسة للوحدة، بحيث تتكامل مكونات مادة اللغة العربية من
خلال الربط الوثيق بين مهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة بطريقة تتآلف
فيها المهارات اللغوية، وتدعم اكتساب المتعلم لكل مهارة منها.
ولضمان البعد
الوظيفي لتعلم اللغة العربية تم التنصيص في وثيقة المنهاج على مبدأ اعتماد أنواع
الخطابات والسياقات الدالة حيث تم اعتماد أنواع مختلفة من الخطابات يتم تناولها من
خلال النصوص ومختلف الدعامات والحوامل السمعية والبصرية والسميائية بشكل منتظم
ومتدرج يأخذ في الحسبان خصوصيات كل سنة من سنوات التعليم الابتدائي والمرحلة
النمائية للمتعلمات والمتعلمين.
إن الانتقال
بتدريس اللغة العربية من كفاية التلقي إلى كفاية الإنتاج أمر مهم ومنهجي في
الأساس. ويتأسس مفهوما التلقي والإنتاج على فرضيات لسانيات النص التي تسعى المناهج
الجديدة إلى تطبيقها في الحقل الديدكتيكي. وأهم الفرضيات وجود قدرة نصية compétence textuelle لدى المتعلم(ة) تسمح له بإنتاج نصوص تحضر
فيها مواصفات الاتساق cohésion
والانسجام cohérence ، وتجعله قادرا على
إدراك اتساق الخطاب وانسجامه وذلك بعد استضمار قواعد صياغة النصوص.
إن احتكاك
المتعلم(ة) بأنواع النصوص المسموعة والمقروءة، يجعله يستضمر قواعدها عن طريق
الممارسة، وبذلك تتكون لديه قدرتان هما: قدرة التلقي وقدرة الإنتاج.
·
قدرة التلقي: تسمح قدرة التلقي للمتعلم ب:
§
فهم الموضوعات
§
إدراك البنية الكلية التي تكون وراء
وحدة الموضوع؛
§
إدراك الترابط بين البنيات الفرعية؛
§
التمييز بين النصوص من حيث أنواعها
وانتماؤها الأجناسي؛
§
قدرة الإنتاج: تسمح قدرة الإنتاج
للمتعلم ب:
§
ابتكار الموضوعات
§
وضع مخطط مجمل للموضوع المبتكر؛
§
الترتيب السليم لعناصره؛
§
بناء نص مطابق للأنواع والنماذج
النصية.
إن تدريس النص
القرائي بمؤسساتنا عرضة لصعوبات ديداكتيكية بسبب عدم إدراك أن الوظيفة الأساسية
للقراءة المدرسية هي ان تكون في خدمة الإنتاج، إن بناء النصوص قابل للتعلم،
فالعلاقة بين التلقي والإنتاج هي علاقة جدلية، لأن استضمار قواعدٍ غير كافيةٍ
لقراءةِ النصوص يَنْجُمُ عنه تَلَقٍّ غير كاف وإنتاجات قاصرة.
وتهتم المقاربة
النصية بدراسة بنية النص ونظامه وذلك بالاعتماد على الاقراء المنهجي للنصوص الذي
يستهدف التلقي والفهم بواسطة التحليل النصي للوقوف على محتويات النصوص وقصدية
أصحابها، وفي مستوى أكثر تجريدا إدراك الآليات المتحكمة في تعالق البنيات النصية.
وبمجرد فهم الكيفية التي تشتغل بها النصوص والمنطق الذي يحكم اشتغالها يمكن
استثمار ذلك في إنتاج نصوص شبيهة بها من حيث الانسجام والتماسك.
نشير إلى أن القراءة
المنهجية هي من النماذج القرائية التفاعلية التي ترى القراءة سيرورة تفاعل بين عدة
أطراف. وفي هذه السيرورة ينشط القارئ في رحلة بناء المعنى.
إن سيميولوجية
القراءة المُطَورة بالخصوص من طرف رولان بارط تَعتبر القارئ "ذاتا نصية"
تسهم بفعالية في بناء معنى النص. فالمعنى نتاج لقاء بين نصين: نص المؤلف ونص
القارئ.
أما جمالية
التلقي فقد حولت اهتمام التحليل الأدبي من ثنائية المؤلف- النص إلى علاقة القارئ
بالنص. ويرى H.Kyans
أن النص الأدبي يفترض لدى قارئه كفاية تناصية، أي إن هذا النص يفهم انطلاقا من
الثقافة النصية للقارئ.
وأثناء القراءة
يصوغ القارئ انتظاراته حول جنس النص، كما يحرك معارفه المرتبطة بقراءاته السابقة.
هذه الانتظارات والمعارف هي ما يسميه ياوس بأفق الانتظار Horison d’attente.
أما أمبرطو إيكو
فيرى أن النص في حاجة دائمة إلى تحيين، ويتم هذا التحيين عبر التعاون التأويلي Coopération Interprétative. والنص "نسيج
فراغات وفجوات في حاجة إلى ملء" والنص أيضا حسب إيكو "آلة كسولة تحتاج
إلى قارئ متعاون ليشغلها". ويتطلب هذا التعاون توفر القارئ على كفايات أدرجها
إيكو في مفهوم القارئ النموذجي Lecteur Modèle.
تشكل نظريات
التعلم رافدا من روافد القراءة المنهجية. فالبنائية تؤمن بقدرات المتعلم وفاعليته
في بناء تعلماته الذاتية، فهو ليس وعاء فارغا يتم شحنه، بل هو مركز السيرورة في
بناء المعرفة.
وفي مجال
القراءة عموما والقراءة المنهجية على الخصوص يغدو المتعلم عنصرا نشيطا يوظف
مكتسباته ومهاراته في التواصل مع النص، فيبني المعنى، ويسهم في تطوير استراتيجياته
القرائية، ويوسع رؤيته للعالم.
اهتمت نظريات
أخرى بموضوع القراءة والتلقي مستندة إلى طروحات علم النفس المعرفي، ويصطلح على هذه
النظريات بسيكولوجية القراءة. ولعل القاسم المشترك بين هذه النظريات هو تنصيصها
على دور القارئ، ومحاولتها تفسير العمليات التي يقوم بها لبناء المعنى في سيرورة
القراءة.
يتضح مما سبق أن
القراءة المنهجية ترتكز إلى أطر مرجعية متعددة ومتنوعة. وقد ساهمت هذه الأطر، سواء
ذات المنحى النقدي الأدبي أم ذات التوجه المعرفي والتربوي، في إغناء الدرس القرائي
وتطويره. ولعل هذه المرتكزات تجعل من القراءة المنهجية ممارسة تطمح إلى ترسيخ
قراءة منتجة؛ قراءة تستحضر الأطراف الرئيسة في أي فعل قرائي، أي السياق، القارئ
والنص. قراءة تؤمن بدور القارئ المتعلم الذي يسخر كل إمكاناته اللغوية ومعارفه
الموسوعية في بعث النص من جديد.