تفصح هذه المقالة عن نفسها بوصفها فضاء بحثيا يتغيى المساهمة في الرفع من جودة
التدبير البيداغوجي والتواصل الديداكتيكي داخل الفصل الدراسي، ضمن هذا الأفق ترسم
المساهمة حدودها، مدفوعة بمقاربة القضايا التالية:
المدرس - المتعلم – المعرفة، وفي تفاعلها تنتج ثلاث صيرورات يكون فيها أحد
العناصر مقصيا من التفاعل ليلعب دور الضمير المستتر.
الصيرورة الأولى: يكون فيها التفاعل مثمرا بين المدرس والمعرفة بينما يكون
المتعلم متلقيا سلبيا.
الصيرورة الثانية: يكون فيها التناغم بين المدرس والمتعلم لافتا بينما المعرفة
في الظل.
الصيرورة الثالثة: يلغى فيها دور المدرس ليدخل المتعلم في علاقة مواجهة مباشرة
مع المعرفة.
إلا أن الأبحاث التربوية الحديثة تتجه إلى توسيع شبكة التفاعل بين جميع
المكونات. يتعلق الأمرإذن بإعادة توزيع للأدوار داخل المثلث الديداكتيكي على النحو
الآتي :
المدرس: ليس مالكا للمعرفة وموزعا لها على الآخرين، بل هو وسيط بين مصادر
المعرفة واهتمامات المتعلمين وحاجاتهم، وذلك بما يوفره من شروط سيكوبيداغوجيية
وسوسيوبيداغوجية تسهل عملية اتخاد قرار التعلم.
المتعلم: تنحو المقاربة بالكفايات إلى الانتقال من الاهتمام بنقل المعارف
جاهزة إلى المتعلم إلى الاهتمام بتمهيره -من المهارة-، وذلك بتمكينه من مفاتيح
البحث عن المعارف/الحلول في سياقات مغايرة.
المعرفة: إن مقولة المعرفة من أجل المعرفة أصبحت تنتمي إلى التاريخ، ليصبح
الرهان منصبا على المهارة والاستخدام النفعي للمعرفة حتى يتمكن المتعلم من مواجهة
وضعيات تعليمية أو معيشية بعدة معرفية ملائمة من داخل هذا الوعي. إذن فإن مكونات
النسق / المثلث الديداكتيكي تتفاعل فيما بينها لتولد ثلاث علاقات أساسيةبينها كالآتي(*) :
العقد الديداكتيكي: تعد التعليمات / الإرشادات الموجهة من طرف المدرس إلى
المتعلمين إحدى أصول العقد الديداكتكي.
والعقد هو مجموعة من القوانين التي تحدد موقع المدرس وموقع المتعلم من المعرفة،
كما تحدد مستويات المسؤولية الموكولة لكن منهما وقد نشا هذا المفهوم في سياقات
عملية تتغيى عقلنة العمل التربوي، وذلك بـ:
اشتراك المتعلم في إعداد المحتوى التعلمي مع استبعاد مفاجأته بالدرس.
الانطلاق مما يعرفه المتعلم للوصول إلى ما ينبغي له معرفته.
تبني طرائق التدريس الفعالة في التنفيذ.
اعتماد أساليب التقويم الحديثة والابتعاد عن أساليب الاختبارات التقليدية.
تبني طرائق التدريس الفعالة في التنفيذ.
اعتماد أساليب التقويم الحديثة والابتعاد عن الأساليب والاختبارات التقليدية.
تمثلات المتعلمين للمعرفة:
يتعلق الأمر بكيفية امتلاك المتعلم للمعرفة، فالمتعلم لا ينتقل من اللامعرفة إلى
المعرفة، بلمن تمثل إلى تمثل آخر يكون أكثر تطورا وفعالية. وغالبا ما يعترض هذا التطور
عوائق نفسية أو بيداغوجية (**) أو سوسيوثقافية.وإجمالا، هناك موقفان من التمثلات
:
موقف سلبي يقصي استثمار التمثلات، معتبرا إياها أخطاء ليس لها أي سند علمي.
موقف إيجابي يعتبرها نظاما تفسيريا لدى المتعلم، من هنا يتوجب استثمارها على أساس
الحيثيات الآتية:
الأخطاء مؤشر دال على رغبة المتعلم في التعلم.
التعامل الايجابي مع الاخطاء باعتبارها منطلقا لبناء المفهوم المستهدف.
الوصول من خلال عمليات متدرجة الى تركيز المفهوم العلمي الصحيح
.
النقل الديداكتيكي: هو نقل المعرفة من فضائها العلمي الخالص إلى فضاء الممارسة
التربوية لتناسب خصوصياتالمتعلمين النفسية
وتستجيب لحاجاتهم عن طريق تكيفها وفق الوضعيات التعليمية – التعلمية.
ويتم التخطيط لعبور المعرفة من مجال التخصص الى مجال التعليم كالآتي:
موضوع المعرفة ← الموضوع الواجب تعليمه ← موضوع التعليم.
موضوع المعرفة: يحيل على بيئتها العلمية الخالصة حيث التجريد والتعقيد والتحول
المستمر، إنها معرفة مفتوحة.
الموضوع الواجب تعليمه: موضوع يتسم بالمعرفة المغلقة لأن المنهاج الدراسي يسيج
حدوده.
موضوع التعليم: يتمثل في المعرفة المتداولة داخل فضاء القسم حيث مضامينها
مستوحاة من المعرفة الواجب تعليمها.
وتتم عملية النقل الديداكتيكي عبر ثلاث إجراءات أساسية، يلزم المدرس إيلاءها
الأهمية اللازمة عندما يواجه موضوعا دراسيا معينا:
أ- انتقاء المعرفة وتبسيطها لجعلها قابلة للتداول بين المتعلمين ومناسبة
لمستواهم الإدراكي.
ب-اختيار لغة واصفة مفهومة من لدن المتعلمين (تقليص الكلفة الذهنية والوجدانية
لدى المتعلم).
ج- عرض المحتوى التعلمي على المتعلمين: والتي ينبغي أن تراعي مبدأين اثنين:
المبدأ الأول: الانتقال بالمتعلم من المعلوم إلى المجهول.
المبدأ الثاني: اعتماد مبدأ التدرج في الصعوبة مرورا بالمعرفة البسيطة
فالمركبة ثم المعقدة.
إن هذه المعالجة الديداكتيكية تنبني على تدرج محكم لعملية التعلم، وعلى تبسيط
مناسب يوفر للمتعلم فرصة إثراء خبرته وهيكلتها مع امتلاك جرأة الاجتهاد والابتكار،
مما يؤسس للتكوين الذاتي والاستقلالية في اكتشاف المعرفة ضمن جغرافية أحواض
التكوين الممكنة (المكتبات العامة، نوادي الانترنيت، الإدارات العمومية...)
خلاصة وتركيب:
من المؤكد إذن، أن إدماج هذا التصور في سياق الممارسة الديداكتيكية، يقتضي لزوما
بناء نموذج تفاعلي يتيح إمكانية التفاعل بين محيط المتعلم وبين المعرفة المستهدفة،
مما يمكن من توقع أن المواصفات الجديدة المرتقبة من المدرسين تنحو إلى تفعيل دور
المدرس ذو الحس الاستراتيجي، الذي يتساءل مع ذاته دائما عن الطريقة التي كان عليه أن
يسلكها دون تلك التي سلكها إلى حد الآن، مما يفتح تجربته دائما على الممكن.
وهذا النموذج، هو النموذج المستقبلي للمدرس في إطار الانفجار المعرفي والثورة
التكنولوجية الحديثة للإعلام والتواصل. ---------------------- (*)هذا التقسيم مستمد من كتابmandet: approche didactique des
apprentissages gamille
(**) مثال العائق البيداغوجي:حين يتمثل المتعلمون الفعل المبني للمعلوم، حيث الفاعل هو الذي يقوم بالفعل، يصبح أحيانا هدا التمثل عائقا بيداغوجيا
لتمثل الفعل المبني للمجهول، حيث ينوب المفعول به عن الفاعل.