أستغرب الإسهال الكبير في تحليل نتائج حزبنا العتيد، لكن لا أحد قدم
تحليلا عميقا، لما يعيشه أعضاء الحزب، بعد هذه النكبة التي لا تنسى. إنما الحزب
مجموعة أفراد، تضبطهم قوانين وقيم معينة.
لكي تعرفوا تداعيات نكبة حزبنا العتيد سأحكي لكم قصتي.
أنا أستاذ الاجتماعيات بالثانوي التأهيلي، منذ سنة 2000. ولجت مهنة
التدريس بشغف كبير، لكن مع مرور الزمن، بدأت أشعر بالملل، ثم أنني أصبحت في حاجة
إلى موارد مالية جديدة. أنا متزوج من أستاذة وأب لبنت تدرس في فرنسا.
انتميت إلى المشروع الإسلامي، منذ سنة 1990، وكنت في المساهمين في بناء
الحزب، وكنت أنتظر فرصتي، لأستفيد من منصب في البرلمان، لانني أريد أن أسهم في
الدفاع عن المرجعية الإسلامية، والدفاع عن حقوق المواطنين والمواطنات.
أعترف لكم، أن حزبنا انتشرت فيها ظاهرة الكولسة، وظللت متمسكا بقيمنا
التي تربينا عليها في الحركة الإسلامية لسنوات. أتذكر يوم كان الأخ او الأخت، إذا
انتخب يبكي، ويفر من المسؤولية فراره من الأسد. لكن الآن، وقع تحول قيمي كبير،
وجدنا أنفسنا في مواجهة فئة غير ملتزمة بما تربينا عليه. كنت أتذكر ما كان يقوله
عبد الله باها رحمه الله: "يجب أن نواجه التخربيق بالمعقول". ظللنا
نواجه تخربيق المكولسين بالمعقول، ولكن وجدنا أنفسنا في الهامش، فاضطررت إلى
أواجهه بالفعلة نفسه، أتفنن في الكولسة، وأشكل حلفا مواليا طيلة سنوات، بطرق تعزز
العلاقات الأخوية، كدعوة الإخوان إلى ولائم بين الفينة والأخرى، لنتدارس آفق
المشروع ومستجداته.
كان لهذه الخطة نتيجة فعالة، استطعت أن أترأس لائحة المرشحين في
دائرتي في الانتخابات التشريعية، التي فاز حبزنا فيها ب 125 مقعدا. وكنت من ضمنهم.
هنا، ظهر لي أن الذين يسوقون قول باها هم أخطر المكولسين، يريدون إقناعنا
بالمعقول، أي، أن نظل أغبياء وهم يفعلون ما يشاؤون.
كنت مصرا على السمت الديني، وأن أتظاهر بالتعفف عن المناصب، لأنني في
حرب مع المكولسي، وكما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة".
وكما ورد في الأثر: "لست بالخب ولا الخب يخدعني".
وقع تحول كبير في نمط العيش داخل أسرتي، وأصبحت طلبات زوجتي وبنتي
تتضاعف، لأنني أصبحت برلمانيا.
غيرت منزلي، واشتريت فيلا صغيرة، وانخرطت في الديون، لأنني وضعت خطة
لأكون برلمانيا لثلاث ولايات على الأقل، فهناك إخوان من أمثال: المقرئ الإدريسي
أبو زيد، هو من البرلمانيين الذي راكم تجربة خمس ولايات. قلت لنفسي: لن أطمح
كثيرا، فقط ثلاث ولايات، سأحاول من خلالها تغيير نمط عيشي. اشتريت سيارة فاخرة،
بنتي أصبحت تدرس في أشهر المعاهد بفرنسا. أتفنن في تأثيث الصالون، وتاثيث بيت
النوم...
نجحت في التدبير المالي في الولاية الأولى، من 2016 إلى 2021. كنت
أتحدث مع زوجتي ذات يوم، وقلت لها مازحا: هل تقبلين بالزوجة الثانية؟، فاجأتني
قائلة: لا مشكلة، والله سأقبل. لم أصدقها، ظللت أردد عليه السؤال نفسه، فأكدت لي
نفس الإجابة، لأنها تعرف حقا أنني في حاجة لزوجة ثانية.
قبل انتخابات 8 شتنبر 2021، في شهر غشت، خطبت فتاة في أواسط
الثلاثينات، على أمل عقد الزواج في أكتوبر. ما شجعني على ذلك، أن قياديا داخل
حزبنا وعدني، بأن الأمانة العامة ستعتمد اختيار القواعد. نجحت خطتي في تدبير
الكولسة، لمواجهة البانضية، الذي لا يعرفون حقيقة مشروعنا الحضاري، في مواجهة
التحكم والدفاع عن الوطن والأمة. نحن الحمد لله، ايدينا نظيفة، ولن نتواطأ مع
الفساد، ولن نسرق سنتيما واحدا، لكننا نحب الحياة، ومن حقنا أن نستمتع بذلك، في ما
يرضي الله.
صباح يوم 9 شتنبر 2021، ظللت أنتظر وزير الداخلية لفتيت، ليعلن نتائج
الانتخابات. كانت حسابات فيسبوكية تابعة لمناضلين في الحزب، تنشر أخبارا سارة
لاكتساح الحزب في مجموعة من المدن، من المستحيل، أن يكذب إخواننا. كنت مسرورا
أنتظر أن تكون النتائج على الأقل 70 مقعدا، لنحتل المرتبة الأولى.
ها هو لفتيت قد ظهر، وجلست أنتظر عدد مقاعدنا. حين سمعت 12 مقعدا،
والمرتبة الثامنة، تمددت على الأرض،ووضعت يدي على رأسي، وأنهار الدموع، تجري على
خدي. كنت أردد: انهار مشروع زواجي. انهار مشروع حياة ثرية.
ظللت أستمتع للكثير من التحليل، لكن لا احد يتحدث عن المشاريع الفردية
لأبناء الحزب. أتساءل بحزن: كيف سأسدد ديوني؟ ماذا أقول للفتاة التي خطبتها؟ كيف
سأدبر مصاريف بنتي في فرنسا؟.
أعترف لكم، أنني نسيت مقرر مادة الاجتماعيات، بل إنني لا أريد الرجوع
للثانوية التي أشتغل فيها، كيف يمكن لبرلماني، أن يتنازل طبقيا، وينتمي لرجال
التعليم. فررت من هذه المهنة، فإذا بالخصوم يتحالفون ضدنا ليرجعوننا إلى مهننا
الأولى. كيف سأدرس التلاميذ، وأنا كنت برلمانيا، واعيش في عالم يوفر لي امتيازات
لا حصر لها؟ من المستحيل أن ارجع لشم غبار الطباشير.
أعترف لكم، أن علاقتي بالمرأة التي خطبتها توطدت، وتعلقت بها، وأصبحت
مجنونة بحبها لي، ونظل ندردش عبر الوتساب كل ليلة، لتربية حبنا في الله. هل وزارة
الداخلية تريد تدبير هذه العلاقات العاطفية المبنية على سنة الله ورسوله؟.
أستغرب من تحليلات تتحدث عن نهاية الإسلام السياسي، إن أخطر ما
يتهددنا، هي انهيار مشاريعنا الفردية.
أعترف لكم، أنني بدأت أتذكر نصيحة الأستاذ باها رحمه الله، وقلت: هل
سلط الله علينا من يعاقبنا نتيجة لتخربيقنا؟. فعلا، قبل هذه الانتخابات، استقال
عشرون مناضلا، وكاد ينشق الحزب محليا، لأنني استطعت أن أهزم البانضية بأسلوبهم في
الكولسة.
لا أنا التزمت بالمعقول، ولا أنا فزت في الانتخابات، أي ألم هذا؟!
أصبحت هذه الأيام مواظبا على الجلسات التربية، وأقرأ الورد القرآني،
وألازم السبحة، وأكثر من ذكر الله، لانني لو لم افعل قد أصاب بالجنون، خاصة أننا
نحن أبناء الحزب، لا نسرق المال العام، بل نلتزم بما يحدده القانون، فما جمعناه من
المال قليل جدا، وإذا أراد الواحد منا أن يرقع وضعه المعيشي يلزمه ثلاث ولايات على
الأقل.
أداوي انهياراتي النفسية، بقراءة كتاب دع القلق وابدأ الحياة لديل
كارنيجي، أحاول أن أضمد جراحاتي النفسية. وأنشر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
على صفحتي الفيسبوكية، لأساعد إخواني لتجاوزي هذه الكارثة النفسية المدمرة.
ما زدني كآبة، أن الأخت التي تقدمت إلى خطبتها، أرسلت لي رسالة،
تخبرني، بأنها لا تريد الزواج الآن. ظللت ذلك اليوم، متسكعا في شوارع مدينتي
كالأحمق، كان يلزمني فقط، أن تكون ملابسي ممزقة، وشعر كث متسخ..
أصبت بسرحان ذهني، عقلي مرفوع إلى المساء، ولا أستطيع حسما شيئا في
ذهني. لا أستطيع أن ارجع إلى الوراء، ولا أستطيع أن اتقدم إلى الأمام.
أعترف لكم أنني في ورطة، لأنني ربطت الانتقال من طبقة اجتماعية إلى
أخرى بامتهان السياسية.
لا أستطيع أن أظل هكذا، أنتظر لأكثر من عشر سنوات ليعود حزبنا إلى
البرلمان.
سأغادره عما قريبا، وأربط علاقة سياسية، مع من كنا نسميهم في صراعنا
السياسي، باحزاب البؤس.
اعترافات برلماني راسب بقلم ذ. مصطفى بوكرن