المحكمة الدستورية
بالمغرب
مصطفى الز: أستاذ
التعليم الابتدائي وطالب باحث بسلك الماستر
مقدمة:
تولى المشرع المغربي
تنظيم القضاء الدستوري في الباب الثامن من دستور 2011، حيث ينص الفصل 129 من هذا
الدستور " تحدث محكمة دستورية..."، وقد أنشأ المشرع المغربي استجابة
للنص الدستوري المحكمة الدستورية وذلك بالقانون التنظيمي رقم 066.13 المنشور
بالجريدة الرسمية عدد 6288 بتاريخ 4 سبتمبر 2014، لتحل محل المجلس الدستوري
المعمول به سابقا.
وتتجلى أهمية هذه
المقالة في الوقوف على أهم المستجدات التي طرأت على الانتقال من المجلس الدستوري
إلى المحكمة الدستورية من خلال نص الدستور وأيضا من خلال القانون التنظيمي المتعلق
بالمحكمة الدستورية.
كما ستسمح هذه المقالة
من تحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها التعرف على طبيعة العضوية في المحكمة
الدستورية، إضافة إلى مسطرة تبديل أعضائها والتزاماتهم، كما ستمكن أيضا من التعرف
على الأطراف الذين يمكنهم الإحالة على المحكمة الدستورية، علاوة على معرفة المسطرة
المتبعة للبث أمام المحكمة الدستورية.
وموضوع هذه المقالة
يفرض دراسة تحليلية لمختلف النصوص القانونية التي تخص المحكمة الدستورية من أجل
بلوغ الأهداف السالفة الذكر، وذلك بالاعتماد على المنهج التحليلي.
وسعيا لبلوغ هذه
الأهداف فإنه سيتم تقسيم هذا الموضوع إلى عنصرين:
-
تنظيم المحكمة
الدستورية.
-
سير المحكمة الدستورية.
العنصر الأول: تنظيم المحكمة الدستورية
لقد شكل صدور القانون
التنظيمي رقم 066.13 بشأن المحكمة الدستورية منعطفا جديدا في مسار القضاء الدستوري
المغربي، وفي بناء وتدعيم أسس دولة الحق والقانون، لذلك سيتم التطرق في هذا العنصر
إلى تأليف ومدة العضوية في المحكمة الدستورية (فقرة أولى)، على أن يتم تناول مسطرة
تبديل الأعضاء وحالة انتهاء عضويتهم بالمحكمة الدستورية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: تأليف
المحكمة الدستورية والتزامات أعضائها
ينص الفصل 130 من الدستور
والمادة الأولى من القانون التنظيمي 066.13 على أن المحكمة الدستورية تتألف من 12
عضوا، يعينون لمدة 9 سنوات غير قابلة للتجديد، من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين
عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والذين مارسوا مهنتهم
لمدة تفوق 15 سنة والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة.
وينقسم هؤلاء الأعضاء
إلى فئتين:
-
6 أعضاء يعينون من قبل
الملك من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.
-
6 أعضاء ينتخب نصفهم من قبل
مجلس النواب، وينتخب النصف الآخر من قبل مجلس المستشارين.
ومن خلال استنطاق
المادة الثالثة من القانون التنظيمي 066.13 بشأن المحكمة الدستورية، أنه عند أول
تعيين لأعضاء المحكمة الدستورية، يعين ثلث أعضاء كل فئة لمدة 3 سنوات والثلث
الثاني لمدة 6 سنوات والثلث الأخير لمدة 9 سنوات.
كما يلتزم أعضاء
المحكمة الدستورية على القيام بالمهام المسندة إليهم بإخلاص وأمانة ونزاهة في
احترام تام للدستور، وكتمان سر المداولات مع عدم الجمع بين العضوية بالمحكمة
الدستورية وبمهمة أخرى كالعضوية في الحكومة ومجلسي البرلمان إلى غير ذلك من المهام
التي تم توضيحها بالمادتين 5 و6 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
الفقرة الثانية: مسطرة
تعويض الأعضاء في حالات فقدان العضوية:
فيما يخص انتهاء
العضوية بالمحكمة الدستورية فتكون في الحالات الآتية:
-
انتهاء المدة المحددة
لها.
-
وفاة العضو.
-
الإعفاء الذي تثبته
المحكمة الدستورية بعد الإحالة إليها من رئيسها أو من رئيسي مجلس البرلمان أو
السلطة الحكومية المكلفة بالعدل في حالات نصت عليها المادة 12 من القانون التنظيمي
066.13.
وتوضح المادتين 13 و 14
من القانون التنظيمي مسطرة تعويض الأعضاء بالمحكمة الدستورية.
العنصر الثاني: سير
المحكمة الدستورية
في نطاق الإصلاحات
الدستورية، التي أقرتها المملكة المغربية بموجب الدستور الصادر في 29 يوليوز 2011،
المتمثلة بالخصوص في توسيع الحقوق والحريات العامة وترسيخ المؤسسات والآليات
الكفيلة بمواصلة بناء دولة ديمقراطية حديثة، تم إحداث محكمة دستورية تحل محل
المجلس الدستوري، تتمتع بصلاحيات أوسع (الفقرة الأولى)، مفتوحة لمجموعة من الأطراف
باتباع مسطرة معينة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:
اختصاصات المحكمة الدستورية
خص المشرع المغربي
المحكمة الدستورية بمجموعة من الاختصاصات تتجلى في:
1. مراقبة الدستورية: وهي أهم اختصاص تمارسه المحكمة الدستورية، ويقصد به
التأكد من مطابقة النصوص التشريعية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان وبعض
المؤسسات الدستورية وكذا الالتزامات الدولية للدستور، وهذه المراقبة إلزامية
بالنسبة للقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الدستورية. وتكون هذه
المراقبة اختيارية فيما يخص القوانين العادية عندما تحال من طرف أطراف سيتم
تفصيلها في الفقرة الموالية.
2. مراقبة صحة إجراءات مراجعة الدستور وإعلان نتيجتها.
3. مراقبة صحة الانتخابات البرلمانية وعمليات الاستفتاء.
4. البت في الخلاف بين البرلمان والحكومة.
إضافة إلى الاختصاصات
السالفة الذكر، هناك مهام استشارية لرئيس المحكمة الدستورية بحيث يستشير جلالة
الملك رئيس المحكمة الدستورية في حالة اعتزام جلالته إعلان حالة الاستثناء، أو حل
مجلسي البرلمان أو أحدهما، أو عرض مشروع مراجعة الدستور، كما يستشار رئيس المحكمة
الدستورية من طرف رئيس الحكومة إذا ما اعتزم هذا الأخير حل مجلس النواب بمرسوم.
الفقرة الثانية:
الأطراف الذين يمكنهم الإحالة إلى المحكمة الدستورية
تمت الإشارة سابقا إلى
كون أهم اختصاص للمحكمة الدستورية هو المراقبة الدستورية، والأطراف الذين يمكنهم
الإحالة على المحكمة الدستورية هم:
-
البرلمان بعد المصادقة
على القوانين التنظيمية وقبل إصدار الأمر بتنفيذها وتكون هذه الإحالة إلزامية لهذا
النوع من القوانين.
-
المؤسسات الدستورية
(مجلس النواب، مجلس المستشارين والمجالس المنظمة بقانون تنظيمي) تحيل أنظمتها
الداخلية قبل الشروع في تطبيقها.
-
الملك، أو رئيس
الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو مجلس المستشارين، أو سدس أعضاء مجلس النواب أو
ربع أعضاء مجلس المستشارين، تحيل الى المحكمة الدستورية التزاما دوليا يتضمن بندا يخالف
الدستور.
-
أحد أطراف نزاع أمام
القضاء، وذلك إذا تم الدفع بأن القانون الذي سيطبق يمس بالحقوق والحريات التي
يضمنها الدستور.
-
رئيس الحكومة أو أحد
رئيسي مجلس البرلمان في حالة خلاف بين الحكومة والبرلمان، سواء بعدم قبول كل مقترح
أو تعديل ترى أنه لا يدخل في مجال القانون وأيضا في حالة وجود خلاف بشأن اللجان
النيابية لتقصي الحقائق.
بالنسبة للإجراءات، حيث
تتميز المسطرة أمام المحكمة بكونها كتابية، وجلساتها غير علنية، ما لم ينص قانون تنظيمي
على خلاف ذلك.
وتبت المحكمة في
الاحالات المتعلقة بمطابقة القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان
والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة، وفي غضون 8
أيام في حالة الاستعجال، وتكون مداولات المحكمة صحيحة إذا حضرها 9 أعضاء من
أعضائها على الأقل، كما تتخذ قراراتها بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين تتألف منهم. كما
تبت في حالات الدفع بعدم القبول التشريعي في أجل 8 أيام.
تصدر قرارات المحكمة
الدستورية باسم جلالة الملك وطبقا للقانون، وتتضمن في ديباجتها بيان النصوص التي
تستند عليها، كما تكون معللة وموقعة من قبل الأعضاء الحاضرين بالجلسة التي صدرت
خلالها، وقرارتها لا تقبل أي طريق من طرف الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع
الجهات الإدارية والقضائية، كما أنها تنشر بالجريدة الرسمية للملكة.
خاتمة
استطاع المشرع المغربي
أن ينشئ مؤسسة دستورية تسهر على عملية الرقابة القضائية على التشريعات، حيث تبنى
الدستور المغربي نظام المحكمة الدستورية وسمح للمرة الأولى في التاريخ الدستوري
المغربي بوجود رقابة لاحقة على دستورية القوانين التي تقع تحت بند الحقوق والحريات
في الدستور، إذا ما تم الدفع بعدم دستوريتها أثناء قضية معينة.