إن الفجوة بين التطور الكمي
والنوعي للتكوين في مركز التوجيه التخطيط التربوي وطريقة استعمالهما لتحسين جودة
التعليم -التي تنشدها الوزارة بدءا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين... ووصولا
إلى خريطة الطريق 2022/2026- واتفاق 14 يناير بين الوزارة الوصية والنقابات الأكثر
تمثيلية جعلت المستشار(ة) المتدرب(ة) في التوجيه والتخطيط التربوي يعيش حالة صعبة
على جميع المستويات؛ حيث أصبح عاجزا عن تحقيق رغباته النفسية والاجتماعية
والتكوينية والمادية... فشكلت قضيته قضية محورية في أيامنا هذه، وتحتل مكانا ضمن
القضايا البارزة في هذا المقال: "أي مستشار في التوجيه التربوي تريده وتكونه
الوزارة؟" "ما واقعه وموقعه في المنظومة التربوية؟" "ما
مصيره؟"...أسئلة تبدو متطابقة تماما للقضية التي على أساسه أُسّست تنسيقية
متدربي مركز التوجيه والتخطيط التربوي فوج 2022/2024.
نريد باد ذي بدء أن نجزم كل الجزم
بأنّه بالتعليم فقط يُمكن إيجاد الحلول لعديد من المعضلات التي تواجهنا اليوم، ومن
بينها الأوبئة التي جعلت العالم كله يعيش خوفا شديدا على حياته من أعداء لا ترى.
ولعل الجهل -وما أدراك ما الجهل- هو أكثر خطورة وفتكا من كورونا وغيرها؛ لأنه يقود
إلى الفقر والكراهية وعدم قبول الآخر ورفض مبادئ التعددية، ولهذه الأسباب وغيرها
نقول: إنه ليس أمامنا إلا العلم والتعليم باعتبارهما أسباب تطور المجتمعات وتحضرها
كما يقال: "أولها التعليم وثانيها التعليم وثالثها التعليم".
وانطلاقا من القرار الوزاري رقم
062.19 الصادر في 07 أكتوبر 2019 يعتبر التوجيه التربوي المدرسي والمهني والجامعي سيرورة
تربوية ملازمة للعملية التعليمية التعلمية، كما أنه حق من الحقوق المكفولة
للمتعلمين وواجب من واجبات مؤسسات التربية والتعليم والتكوين، والأسرة وباقي
مكونات المجتمع كل من موقعه واختصاصاته ومجالات تدخله[1]. هذا وتستهدف خدمات التوجيه
المدرسي والمهني والجامعي جميع المتعلمين بصفتهم:
Ø
تلاميذ مختلف أسلاك مؤسسات التربية والتعليم، بمن فيهم
المستفيدين من برامج التربية غير النظامية؛
Ø
متدربي مؤسسات التكوين المهني بمختلف أسلاكه؛
Ø
طلبة مؤسسات التعليم العالي؛
Ø
كما تستهدف هذه الخدمات كل شخص غير متمدرس راغب في
الاندماج مجددا في سيرورة التربية والتكوين في إطار تيسير شروط التعلم والتكوين
مدى الحياة.[2]
واستنادا إلى كون التوجيه المدرسي
والمهني مدخلا من مداخل تحسين جودة التّعلمات كغاية لمشروع المؤسسة طبقا لمقتضيات
المذكرة رقم 087.21 المشار إليها في كل من القانون الإطار، والظهير الشريف رقم
1.19.113، والقرار الوزاري رقم 062.1، والمذكرة الوزارية رقم 105.19، والمذكرة
الوزارية رقم 106.19، والمذكرة الوزارية رقم 087.21،؛ أعدت الوزارة وثيقة تأطيرية
بهدف تيسير ودعم وتأطير المؤسسات التعليمية في ما يتعلق بدمجه مشروع المؤسسة، وذلك
بما يضمن ارتقاءها بوظيفتها التوجيهية وربطها بباقي وظائفها بُغية تجويد
التّعلمات، عبر تطوير معارف ومهارات وكفايات المتعلمين وقدراتهم على تنمية
مساراتهم الدراسية والمهنية والحياتية في إطار مشاريعهم الشخصية، وتجويد البيئة
المدرسية والتربوية بجعلها حاضنة ومواكبة لهذه المشاريع، ومنفتحة على محيطها
الاجتماعي والتكويني والمهني والاقتصادي بما يدعم هذه المشاريع[3]. وليس هذا فقط، بل عمدت
الوزارة إلى إصدار مذكرة مباراة الولوج إلى مركز التوجيه والتخطيط التربوي في فاتح
يوليوز 2022 بشروط انتقائية صارمة إن لم نقل شبه تعجيزية، وهي أن يكون المترشح:
o أستاذا(ة) للتعليم
الابتدائي/ التعليم الثانوي الإعدادي / التعليم الثانوي التأهيلي/ المبرزين
للتعليم الثانوي التأهيلي؛
o حاصلا على الإجازة في
الدراسات الأساسية أو الإجازة المهنية أو ما يعادلهما؛
o مرسما وذا أقدمية لا
تقل على 15 سنة من الخدمة الفعلية في قطاع التربية الوطنية؛
o مرتبا على الأقل في
الدرجة الأولى من إطاره (السلم 11)؛
o أستاذا(ة) من الأطر
النظامية للأكاديميات مرسما وحاصلا على إحدى الشواهد المذكورة وله أقدمية لا تقل
عن 15 سنة من الخدمة الفعلية بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين[4].
هذا الأمر جعل الذين وفقهم الله عز
وجل متفائلين ومتحمسين رغم كل الإكراهات التي لا ينكرها إلا جاهل أو جاحد في ظل
التضخم الذي يعرفه الاقتصاد العالمي على وجه العموم والاقتصاد المغربي على وجه
التحديد، ناهيك عن التشتت الأسري وما له من عواقب وخيمة على فلذات أكبادهم على
المدى المتوسط والبعيد.
ولكن ما إن وقع اتفاق يوم 14 يناير
2022 المشؤوم والمشهود -في الآن نفسه- حتى يوم صارت فيه الأحلام والمتمنيات سرابا،
واليأس والإحباط حديث كل مستشار(ة) متدرب(ة)، وانطفأت شمعة التفاؤل "فيا
ليتني بقيت مدرسا(ة)؟!". هذا الأمر أدى حتما
إلى ظهور هواجس وانشغالات وهموم حول ماهية ومآل المستشار(ة) في التوجيه والتخطيط
التربوي ضمن منظومة تربوية تسعى جاهدة إلى الإخلال بكل الالتزامات التي جاءت في كل
من خارطة الطريق وقبلها في كل من قانون الإطار، والرؤية الاستراتيجية وتقرير
المجلس الأعلى لمهن التربية والتكوين حول "مركزية التوجيه التربوي والمهني في
مشروع المؤسسة المندمج والمشاريع الشخصية لتجويد التعلمات"، وذلك انطلاقا مما
جاء في الاتفاق المشؤوم بين الوزارة الوصية والنقابات الأكثر تمثيلية، وهو اتفاق
سيطمس بالكامل هوية المستشار(ة) في التوجيه والتخطيط التربوي وذلك بتقزيم دوره
التأطيري والتكويني... في انتظار الإجهاز الكلي المُتعمَّد على الهيئة برمتها عبر
إدراج المستشار في التوجيه التربوي ضمن هيئة التدريس التي ينتمي إليها قبل اجتياز
امتحانين شاقين وواقعيين ولهما مصداقية قلّ نظيرها، والتكوين الأكاديمي ذات الجودة
والمقدم من طرف دكاترة وخبراء متخصصين ومتمكنين... ليصبح المستشار في التوجيه-خصوصا-
في حلقة مفرغة ضمن مسلسل "بداية ونهاية". وليس هذا فقط، بل يجد نفسه مُلزَما
باتباع نفس المسطرة الجهنمية (إن صحّ التعبير) لاجتياز مباراة ولوج مركز التوجيه
والتخطيط التربوي من جديد، ولكن هذه المرة كمفتش متدرب في التوجيه/ التخطيط
التربوي، لتبقى حياته بين الامتحان بشقيه الكتابي والشفوي والتكوين لمدة أربع
سنوات. فأي توجيه هذا؟ وأي تخطيط هذا؟ وأي ابتزاز هذا؟ وأي منطق هذا؟ وأي تدبير
هذا؟ وأي تكافؤ للفرص هذا؟ وأية عدالة هذه؟ وأي إصلاح هذا؟ ... إذا استحضرنا ماهية
ومآل كل من المتصرفين التربويين والمفتشين التربويين... والإشكالية الحقيقية
المطروحة في هذا السياق: هل سيجتاز المتصرف التربوي امتحانا آخر (كتابيا وشفويا
وبعد سنوات معينة وبنفس المعايير) لولوج المركز الجهوي للتربية والتكوين -مسلك
متصرف-مفتش تربوي يؤطر ويراقب المتصرفين التربويين؟ وهل المفتش التربوي كذلك
سيجتاز امتحانا (كتابيا وشفويا وبعد سنوات معينة وبنفس المعايير) لولوج مركز
المفتشين التربويين من جديد، ولكن هذه المرة مسلك مفتش تربوي يؤطر ويراقب عمل
المفتشين التربويين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟................
وستثير هذه التفاوتات واللاعدالة
مشاكل كبيرة ومتعددة، منها الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية... وستُقيّد
نظرة واجتهاد وانخراط المستشار في التوجيه والتخطيط التربوي، لأن "الحاجز
الأساس للمهمات الصعبة، الذي على البشرية مواجهته(...)، هو الطابع غير القابل
لتسيير المجتمع في تنظيمه الحالي (...) أكيد أن التطور البشري مذهل، لو اعتبرنا
تراكم المعارف العلمية والتحكم في التكنولوجيا والقدرة الصناعية، بالرغم أن
العناصر المذكورة تتطور بطريقة فوضوية، وترفع من حدة الانقسام بين المجتمعات
المختلفة. ومع ذلك، فإن هذا التقدم لم يرافقه لا تطور موازي للإبداع ولا إنجازات
اجتماعية أو سياسية"[5]. إذا، فلماذا هذا الخوف
القائم بسبب غياب الشجاعة لتطور مجتمع مدرسي مغاير تطبعه المساواة؟ ولماذا
القائمين على منظومتنا التربوية بما في ذلك النقابات المتحاورة تحض على التمسك
والدفاع عن بعض الهياكل الموجودة كوسيلة لبقائهم الشخصي، في مقابل تنكر تشتيت
وتجميد وتبخيس وقتل هياكل أخرى (المستشار في التوجيه والتخطيط التربوي) مع العلم
أن هناك بونا شاسعا بين مدخلات ومخرجات لفوج 2022/2024. ولماذا لم تكن الشجاعة
الكافية للوزارة لفتح مباراة ولوج مركز التوجيه والتخطيط التربوي في وجه التوظيف
الجديد، شأنها في ذلك شأن مباراة توظيف الأساتذة أطر الأكاديميات الجهوية للتربية
والتكوين (السلك الابتدائي، السلك الثانوي الإعدادي والتأهيلي، أطر الدعم الإداري
والتربوي والاجتماعي)؟؟؟ مادام سنوات العمل والتكوين ينتظر لولوج مسلك مفتشي
التوجيه والتخطيط التربوي... ليبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة صريحة هو: لماذا
الوزارة فكرت جيدا في المدخلات التعجيزية والاستثنائية لفوج 2022/2024 دون تكليف
نفسها عناء التفكير في مخرجاته؟ أم أن الأمر يتعلق بكم من حاجة قضيناها بتركها؟ أم
أن الوزارة وقفت عند الآية الكريمة التي يقول فيها عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا
تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}[6]، متجاهلين لتتمتها ولسبب
نزولها.
في ظل كل هذا، سيدرك كل متتبع فاطن
عاقل لمنظومتنا التربوية الحيف والظلم الذي لاحق وسيلاحق مستشاري التوجيه والتخطيط
التربوي، خصوصا فوج 2022/2024 الذي له خصوصيات فريدة من نوعها بسبب مدخلاته
الاستثنائية، إن لم يتم تدارك الأمر من خلال النظام الأساسي الجديد عبر إنصافه
بإعادة القيمة الاعتبارية له انطلاقا من تفعيل دوره الفاعل وفق ما نصت عليه جميع
المقررات والمذكرات والمخططات الوزارية والنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة
التربية الوطنية:
ü
يقوم المستشار في التوجيه التربوي بعمليات الإعلام والتوجيه
المدرسي والمهني وتحيين ونشر المعطيات والمعلومات المتعلقة بالآفاق التعليمية
والمهنية، ويكلفون بدراسة واستثمار الملفات المدرسية والقيام بالمقابلات والفحوص
السيكولوجية لفائدة المتعلمين[7]؛
ü
يساهم المستشار في التخطيط في إعداد وتنفيذ وتقييم مخططات
التربية والتعليم، والمشاركة في جميع العمليات المرتبطة بها كالإحصاء المدرسي
وتحليل المعطيات التربوية وبرمجة البنيات والإشراف التقني على وضع الخريطة
المدرسية[8].
لكن الانخراط في هذه المهام بجد
واجتهاد رهين بتحقيق العدالة والإنصاف أسوة بباقي الأطر السالفة الذكر، وذلك من خلال
النقط الآتية:
v
التخرج بالدرجة الممتازة مع احتفاظ من ولج المركز بهذه
الدرجة بأقدميته فيها؛
v
التخرج بإطار مفتش في التوجيه وإطار مفتش في التخطيط
التربوي؛¬
v
معادلة دبلوم المركز بشهادة الماستر بما يخوله للأطر
مواصلة تكوينهم الأكاديمي والمهني في مجال تخططهم بمؤسسات التعليم العالي الوطنية
والدولية؛
v
مراجعة الهندسة البيداغوجية للتكوين بمركز التوجيه
والتخطيط التربوي وتعديل القرار 730.90؛
v
إقرار تعويض عن التكوين أسوة بأفواج ما قبل 2007.
وخلاصة القول، إن الاهتمام
بالتنمية البشرية ضرورة ملحة لتقدم المجتمع، ولا يمكن لأن مجتمع أن يؤدي دوره
الفاعل في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية دون أن تكون له مؤسساته التي تعنى
ببناء الفرد في كافة النواحي، ولعل المؤسسات التربوية هي المعنية الأولى بمجال
التوجيه التربوي والمهني، فالعمل التربوية يتطلب مراعاة الجوانب النفسية
والاجتماعية والتي تعد مرتكزات رئيسية في التنشئة السليمة، فعدم تلبية تلك الجوانب
سيؤدي إلى سوء التكيف وظهور مشكلات عديدة
تؤثر بالفرد وبحياته المستقبلية وبالتالي سيؤثر ذلك في المجتمع ككل[9].
لائحة المصادر والمراجع:
1
القرآن الكريم
2عبد الله الطراونة،
مبادئ التوجيه والإرشاد التربوي -مشاكل الطلاب التربوية، النفسية، السلوكية،
والاجتماعية، دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2008.
3
القرار الوزاري رقم 062.19، الصادر في 07 أكتوبر 2019 بشأن التوجيه التربوي
المدرسي والمهني والجامعي، المادة 3.
4 المذكرة الوزارية رقم 015.22، الصادرة في 09
مارس 2022 بشأن تأطير دمج مكون التوجيه المدرسي والمهني ضمن مشروع المؤسسة.
5 المذكرة الوزارية رقم 055.22، الصادرة في 01
يوليوز 2022 بشأن مباراة الدخول إلى مركز التوجيه والتخطيط التربوي -مسلك
المستشارين في التوجيه التربوي ومسلك التخطيط التربوي- دورة 2022.
7 المهدي المنجرة، قيمة
القيم، مطبعة النجاح الدار البيضاء، الطبعة الثانية 2007.
8 النظام الأساسي الخاص
بموظفي وزارة التربية الوطنية، هيأة التوجيه والتخطيط التربوي.
[1] القرار الوزاري رقم 062.19، الصادر في 07 أكتوبر 2019
بشأن التوجيه التربوي المدرسي والمهني والجامعي، المادة 3.
[2] القرار الوزاري رقم 062.19، (المرجع نفسه)، المادة 4.
[3] المذكرة الوزارية رقم 015.22، الصادرة في 09 مارس 2022 بشأن
تأطير دمج مكون التوجيه المدرسي والمهني ضمن مشروع المؤسسة.
[4] المذكرة الوزارية رقم 055.22، الصادرة في 01 يوليوز 2022
بشأن مباراة الدخول إلى مركز التوجيه والتخطيط التربوي -مسلك المستشارين في
التوجيه التربوي ومسلك التخطيط التربوي- دورة 2022.
[5] المهدي المنجرة، قيمة القيم، مطبعة النجاح الدار
البيضاء، الطبعة الثانية 2007، ص 193.
[6] القرآن
الكريم، سورة المائدة الآية 101.
¬ في حالة غياب جرأة القائمين على
القطاع لتوحيد المستشارين والمفتشين في إطار واحد عبر وضع إطار مستشار في التوجيه
والتخطيط التربوي في طور الانقراض.
[7] النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، هيأة
التوجيه والتخطيط التربوي، المادة 48.
[8] النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية،
هيأة التوجيه والتخطيط التربوي، المادة57.
[9] عبد الله الطراونة، مبادئ التوجيه والإرشاد
التربوي -مشاكل الطلاب التربوية، النفسية، السلوكية، والاجتماعية، دار يافا
العلمية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2008، المقدمة.