تدبير وقت الفراغ لدى المدرسين: دراسة حالة مدرس بمدينة المحمدية –المغرب-
Teachers spare time Management A case study, of a teacher in Mohammedia, Morocco
الحسن ايت الحسن/إشراف أ.د. الحسن حيرا/ جامعة الحسن الثاني، المحمدية، المغرب
Mr. LAHCEN AIT LAHCEN/ University Hassan II, Mohammedia, Morocco
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 63 الصفحة 101.
ملخص:
يعكس السلوك الترفيهي إلى حد كبير طابع القيم السلوكية والاجتماعية السائدة في المجتمع، ولذلك فإن دراسته يمكن أن تشكل مدخلا من المداخل الرئيسية في دراسة المجتمع، ذلك أن سلوك الأفراد في وقت الفراغ يمكن من إدراك المحاور الأساسية لتطوير مؤسسات التنشئة الاجتماعية ومعالجة مشاكله. ولهذه المسألة أهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بشريحة اجتماعية تربي الأجيال وتؤدي دورا هاما في الحياة الاجتماعية وفي بناء المجتمع وهي فئة المدرسين.
الكلمات المفتاحية: وقت الفراغ- الشغل – المجتمع – تنشئة اجتماعية – مدرس.Abstract:
Recreational activities of individuals largely reflect the dominant character of the values and behavior in society, and therefore working on this subject can constitute one of the main entry points in its study. That is to say, the behavior of individuals in their free time, enables us to comprehend the basic axes of developing socialization institutions and addressing their problems. This issue is of particular importance when it comes to a social component that educates generations and plays an important role in social life and in building society, which is that of the teachers.
Key words: Free time – society – socializing – teacher.
تمهيد :
تعتبر مسألة تدبير الوقت وتنظيم وثيرة الحياة الاجتماعية من الأمور التي لم تخل منها المجتمعات العتيقة، حيث كان كل وقت أو زمن يعرف بعمله الخاص حسب الفصول وطلوع الشمس وغروبها ( وقت دائري). إلا أن مرحلة الثورة الصناعية أفرزت تنظيما جديدا للأزمنة الاجتماعية وبرزت أزمنة جديدة في الحياة الاجتماعية ومن أهمها زمن الفراغ واللا شغل، فماذا يقصد بوقت الفراغ؟ وكيف يدبر من طرف المدرسين الذين ينعتون في المغرب بأنهم لا يشتغلون إلا قليلا وأن مهنتهم تتميز بكثرة العطل؟ و ما دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في التربية على تدبيره؟
للإجابة على هذه الأسئلة، اعتمدت على المنهج الكيفي عوض المنهج الكمي الذي يهتم بإعطاء أرقام إحصائية، وتتصف نتائجه بالشمولية أكثر ما تهتم بالعمق ومواقف وأراء الفاعلين، ولا تفصح تماما عن مضمون الدوافع الأساسية لأفعال المبحوثين، وتتصف بمجموعة من الخدع السوسيولوجية كما سماها [1]( Claud Javeau). عكس المنهج الكيفي الذي يعطي الألوية لوجهة نظر الفاعلين الاجتماعين ومواقفهم تجاه أفعالهم. ومن بين الأدوات المستعملة في المنهج الكيفي أداة دراسة الحالة والتي اعتمدتها في دراستي لما لها من أهمية في سبر أغوار الحالة المدروسة وبالتالي الظاهرة، كما أني أراها الأداة المناسبة لإنجاز البحوث الاجتماعية من أجل الوصول إلى العام من خلال الخاص، كما تعتبر من أهم التقنيات الوصفية التي تزود الباحث ببيانات كيفية معمقة عن الحالة المدروسة. استعنت بأداة المقابلة، وبتقنية الملاحظة؛ ملاحظة الحالة نفسه من خلال تعاير وجهه وحركاته ووقفاته عن الكلام أثناء المقابلة، ملاحظة أنشطته في مجموعة من الأمكنة كالمقهى ومنزله الذي زرته مرارا. استعملت كذلك سيرة حياة المبحوث للوقوف على مختلف المشاهد والمنعطفات التي مر بها وعاشها (الأسرة ، المدرسة، المهنة، الأصدقاء …)
أنجزت المقابلة الرئيسة بخصوص هذه الدراسة مع الحالة في منزل قروي حيث يخلو(أع) بنفسه في أوقات فراغه و يهرب من ضجيج المدينة والأبناء. دامت المقابلة الرئيسة حوالي ثلاث ساعات متقطعة لكي لا يمل المبحوث، حاولت فيها عرض أسئلة المقابلة واستفسارا لحالة عن كل ما يتعلق به شخصيا وكذلك عن الموضوع قيد الدراسة للإحاطة بجميع جوانبه.
في المرحلة الثانية من البحث وخلال مراجعتي لمعطيات المقابلة، حاولت تحديد مجموعة من المنعطفات التي ميزت اهتمام الحالة بوقت الفراغ ثم قمت بتقسيم حياته إلى مراحل. عدت من جديد إلى (أع) ليتحدث عن سيرة حياته حسب المراحل والمنعطفات التي حددتها من قبل بعد أخد موعد معه. اتفقنا أن نذهب إلى دار أبيه بالبادية مرة أخرى حيث الهدوء خاصة والجو ربيعي، قمنا بإعداد الشاي ثم جلسنا نتحدث قليلا عن العمل وظروفه لأطلب منه مجددا أن يتحدث لي عن حياته في مرحلة الطفولة ثم مرحلة الدراسة في الإعدادي والثانوي ثم مرحلة التعليم العالي والمهنية.
- وقت الفراغ ظاهرة اجتماعية
1.1 تعريف وقت الفراغ
يقصد بوقت الفراغ الزمن الذي يخلو فيه الإنسان من الشغل، أي الوقت الذي يخلو فيه الشخص إلى الراحة من أعباء المسؤوليات اليومية، أما تعريفه كظاهرة اجتماعية فقد اختلفت التعريفات. فمن السوسيولوجيين من ربط تعريفه بالشغل مثل «ثورستين فيبلن»( Veblen) [2]، فبالنسبة له:
«وقت الفراغ هو الوقت الذي لا ينتج فيه الإنسان، ويعتبر الشغل غير منتج في حالتين: عدم وجود شغل له قيمة و خلو ذلك الوقت من العائد الذي يمنح القدرة على شراء اقتناء مستلزمات الحياة».
أما السوسيولوجي الفرنسي «جوفر دومازدييه» (Dumazedier) والذي يعود له الفضل في استقلالية علم اجتماع الفراغ أو الترويح عن سوسيولوجيا الشغل فقد عرف الترفيه بأنه «مجموع الأنشطة التي يقبل عليها الشخص بملء إرادته، من اجل الاسترخاء أو التسلية أو زيادة في معلوماته أو إقامة علاقات اجتماعية وفق قدراته وطاقته، وذلك بعد القيام بواجبات العمل والأسرة والمجتمع»[3]. من خلال التعريفين يمكن أن نستنتج أن وقت الفراغ يمكن تعريفه تعريفا كميا وكيفيا؛ فكميا هو الوقت المتبقي من اليوم بعد أداء جميع الواجبات الأسرية والعملية والاجتماعية، أما كيفيا فهو الوقت الذي يتحرر فيه الشخص من أي التزامات وواجبات حيث يستطيع القيام بأنشطة ترفيهية شخصية مسلية نابعة من رغباته وميولا ته.
2.1 وقت الفراغ وليد المجتمع الصناعي
إذا كانت المجتمعات العتيقة والقديمة لم تكن تهتم بوقت الفراغ، أو لم تفكر في كيفية استغلاله وكان متداخلا مع الأزمنة الاجتماعية الأخرى ومندرجا ضمن الحياة الاجتماعية، وكان أساسا مخصصا لأنشطة تقوي روح الجماعة والتضامن بين أفرادها وكانت الاحتفالات الموسمية والدينية أحد تمظهراته، فإن وقت الفراغ في وقتنا الحالي أصبح سمة من سماته الأساسية[4]. فإذا كان زمن العمل قد احتل مكانة مركزية بالنسبة لباقي الأزمنة الاجتماعية الأخرى في بداية الثورة الصناعية وحوله انتظمت هذه الأزمنة، و كان يشكل المصدر الرئيسي لجميع الأنشطة الاجتماعية ومصدر المداخل المادية والمكانة بل وللهوية الاجتماعية، فإنه في العصر الحالي فقد هذه المكانة وبدأت وظائفه في الانهيار والتلاشي أمام باقي الأزمنة الاجتماعية ومن أهمها زمن الترفيه؛ أصبح العامل لا يقض سوى 14 % من وقته في العمل حيث ارتفع زمن الترفيه وحددت ساعات العمل وكثرت العطل السنوية والأسبوعية[5]، بل هناك من تنبأ بنهاية العمل[6] ببروز الآلات الذكية وتطور قطاع الخدمات وتحويل الأيدي العاملة إلى مستهلكين مهتمين أكثر بوقت فراغهم ومكانتهم الاجتماعية من خلال الأنفاق.
انقسمت الدراسات التي اهتمت وتناولت الفراغ والترويح في صلته بالتطور التاريخي للمجتمعات الإنسانية أساسا إلى قسمين[7]؛ فهناك من الدراسات من ترى أن الفراغ يوجد في كل الحضارات عبر جميع العصور ومن بينها دراسات ( Sebastien De Grazia(1962) ) الذي أكد أن الفراغ كان من سمات جميع الشعوب، لكن ما يتغير هو العلاقة التي تربط العمل بالترويح حسب آليات الإنتاج، فالوقت الحر كان دائما موجودا والاعتقاد بأنه وليد الثورة الصناعية هو نوع من قصر النظر.
ويذهب أصحاب الاتجاه الآخر خاصة السوسيولوجيين الفرنسيين من مثل Joffre ) ( Dumazedier إلى أن الفراغ والترويح كقيمة اجتماعية هو وليد المجتمع الصناعي، حيث اكتسب الفراغ سمات جديدة وأصبح ظاهرة اجتماعية. في دراستي هذه سأقتصر فقط على بعض المقاربات التنظيرية التي انصبت على تناول أنشطة الوقت الحر والترويح خاصة وليدة الثورة الصناعية. ومن أهم هذه الدراسات نجد :
نظرية الحق في الكسل أو الاسترخاء لصاحبها «بول لافارغ»(Paul Lafargue )[8] : «الحق في الكسل» كرد على كتاب «لوي بلان» «الحق في العمل»، أبرز «لافارغ» سنة 1880 أن تقديس العمل والإعلاء من شأنه والذي سماه ب«جنون حب العمل» هو مجرد غطاء إيديولوجي يهدف إلى الرفع من مرد ودية الطبقة العاملة إلى الحد الأقصى وتحويلها إلى مجرد آلة منتجة ومراكمة لخيرات تستمتع بها الطبقة البرجوازية بمباركة من الكنيسة. إن نظرية «لافارغ» ليست ضد العمل ولكنها ضد الإفراط فيه وتقديسه وتنادي بالتقليص من مكانته في حياة الأشخاص.
نظرية الطبقة الترويحية« لثورستوين فيبلين»(Thorstein Veblen)[9] .إذا كانت سوسيولوجيا الترفيه (la sociologie des loisirs) حاليا تعتبر كميدان خاص في السوسيولوجيا فإن جذورها يمكن إرجاعها إلى «ثورستوين فيبلين» الذي استعمل هذا المصطلح أي الترفيه « le loisir»- أو « leasure » باللغة الإنجليزية – لأول مرة سنة 1899في كتابه « Theory of the leasure class » حيث عالج العلاقات الطبقية في المجتمع الرأسمالي ليس من منظور الإنتاج وامتلاك آلياته وفق التحليل الماركسي ولكن من منظور الاستهلاك، وهو الذي أبدع مصطلح «استهلاك التباهي» « la consommation ostentatoire» الذي يميز الطبقات المترفة عن الطبقات العمالية التي لا تملك الإمكانيات المادية التي تمكنها من الاستهلاك والترفيه.
نظرية الترفيه والحضارة التقنية«لجورج فريدمن» ( Georges Friedmann) [10]. في مجموعة من المؤلفات أهمها « ou va le travail humain ? 1950 »، و « le travail en « miettes 1956 ، و « sept études sur l’homme et la technique 1966 » تحدث «فريدمن» عن التقنية والآلات التي غزت المعامل ووسائل النقل والتواصل والتي حولت وتحول شروط عيش الإنسان، حيث أصبحت كل الأماكن تقنية « milieux techniques » مما أثر على طريقة اشتغال المؤسسات وسلوك الأشخاص إنه «تأثير الحضارة» « fait de civilisation » بتعبير «مارسل موس». إن غزو الآلة لحياة الإنسان أدى إلى تقليل ساعات العمل التي كانت تصل إلى 60 ساعة في الأسبوع وأيام العمل إلى خمسة أيام في الأسبوع مما أدى إلى ظهور إنسان جديد انه «إنسان ما بعد العمل» ». .« l’homme-d’après-le-travail
إذا كان (جورج فريدمن) عالج بروز ظاهرة الوقت الحر بعلاقتها مع العمل الذي غزته التقنية من منطلق سوسيولوجيا العمل، فإنه يمكن اعتبار (جوفر دومازيديه)(1915-2002)قد عالجها ضمن حقل جديد للسوسيولوجيا وهو سوسيولوجيا الترفيه حيث اهتم أكثر بالعلاقة العكسية بين الترفيه وتأثيره على العمل.
نحو بروز حضارة للترفيه،« لجوفر دومازديي» (Joffre Dumazedier)[11] . يعتبر «دومازدييه» من أهم مؤسسي سوسيولوجيا الترويح في فرنسا من خلال مؤلفه «نحو حضارة للترفيه؟» « vers une civilisation de loisir ? » وهو نتاج لدراسات ميدانية حول أنشطة الأشخاص خارج أوقات الشغل، ويوضح أن المجتمعات التي كانت مبنية على «حضارة الشغل» « civilisation de « travail ستنتقل إلى مجتمعات تتأسس على حضارة للترفيه( civilisation de loisir ). أوضح «دومازدييه»أن مكننة العمل أنهت «شقاء العمال» « peine des hommes » حيث أصبحوا يتمتعون بساعات الراحة والترفيه خلال الأسبوع (وقت حر يومي)، وقت حر أسبوعي (نهاية الأسبوع )، وقت حر سنوي (العطلة السنوية)، ووقت حر في نهاية الحياة العملية (فترة التقاعد). لم يعد الترفيه فقط حقا بل أصبح قيمة اجتماعية يأخذ مكانة كبيرة في حياة الأشخاص على حساب العمل.
- تدبير وقت الفراغ لدى الحالة
لا يمكن اعتبار الترفيه ظاهرة معزولة، بل هي ظاهرة مرتبطة بمجموعة من العناصر يجب تحليلها في سياق أوسع ومن عدة زوايا : زاوية المجتمع والقيم السائدة فيه وكذلك من زاوية الفرد نفسه، فكيف يدبر (أع) الوقت الحر؟
يعكس السلوك الترفيهي إلى حد كبير طابع القيم السلوكية والاجتماعية السائدة في المجتمع، ولذلك فإن دراسته يمكن أن يشكل مدخلا من المداخل الرئيسية في دراسة المجتمع، ذلك أن سلوك الأفراد في وقت الفراغ يمكن من إدراك المحاور الأساسية لتطويره ومعالجة مشاكله. ولهذه المسألة أهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بشريحة اجتماعية مربية للأجيال وتؤدي دورا هاما في الحياة الاجتماعية وفي بناء المجتمع وهي فئة المدرسين.
تعتبر فئة المدرسين من أهم موظفي الدولة -عددا- في المغرب حيث يمثلون ما يقارب 50 ℅ من العدد الإجمالي للموظفين[12] وينعتون بأنهم الفئة التي تملك أكبر قدر من الوقت الفارغ حيث يشتغلون على الأقل نصف يوم وتمتاز مهنتهم بكثرة العطل، لكن من خلال كلام الحالة يتضح العكس فالوقت الحر غير موجود وإن وجد فهو غير مفكر في تنظيمه «الوقت الفارغ موجود …ولكن بلا برنامج».
يقول «بوريس سيريلنكي»(Boris CYRULNIKI) [13]« إذا أنشأنا حضارة للترفيه دون معنى، سوف نصبح أكثر عدوانية […]إنني أراهن أن الذين سيستفيدون من هذه الأخلاق الجديدة للسعادة سوف تكون لديهم حياة مزدوجة منظمة حول مشروعين : مشروع اجتماعي(السعي وراء الرزق) ومشروع شخصي ( الخوض في مغامرة جميلة»،« فالسعادة» إذن تستوجب التوفيق بين العمل والوقت الحر الذي يعرفه (أع) ب«الوقت الفارغ عندي في مدة معينة وأن تكون جميع القيود مقطعة »، من خلال هذا التعريف يتضح أن الحالة واع بالوقت الحر وبدوره في حياته ويعرفه تعريفا كميا وكيفيا لكن لماذا لا يستطيع تدبيره؟
ليست كل أوقات عدم الشغل الرسمية يمكن أن ترى على أنها وقتا «حرا»، فبالنسبة للحالة في فترة معينة من حياته خاصة بعد زواجه وإنجابه لأطفال أصبح يقضي وقت فراغه من الشغل الرسمي في البحث عن «طرف الخبز»[14] لتوفير المال لاقتناء شقة وتربية الأبناء وذلك باشتغاله في مدارس خصوصية، «أصبحت مثل حمار الناعورة»[15]يقول(أع). في ظل الضغوطات وإكراه الحياة اليومية المتسمة بارتفاع تكاليف الحياة الأساسية ونظرا لتدني الأجرة أصبح الموظفون (الطبقة المتوسطة) يبحثون عن موارد إضافية بديلة لتغطية مصاريف العائلة، ونتيجة هذا يكون من الصعب التفكير في تنظيم وقت الفراغ كما يجعل تعويد وتربية الأبناء عليه أصعب.
يعود تدبير الزمن بصفة عامة والزمن الحر بصفة خاصة بالأساس إلى التنشئة الاجتماعية حول دور الوقت في الحياة اليومية للفرد والمجتمع، فالملاحظ في مجتمعنا المغربي غياب العقلانية في تدبير المجال والزمن. إن تدبير الوقت ليس مشكل (أع) فقط بل مشكل المجتمع، فمجموع المشاكل التي نلاحظها في الإدارات العمومية والمدارس وداخل العائلة تعود إلى سوء تدبير الوقت حيث تتداخل الأزمنة الاجتماعية في ما بينها، وهذا ما يتجلى في تحديد المواعيد بين الأشخاص أو عند قضاء غرض إداري في مؤسسات الدولة حيث يغيب مفهوم تنظيم أو تدبير الوقت .
تظهر أهمية الوقت في أي مجتمع من خلال ما يمارسه أفراده من أنشطة ومدى قدرتهم على الاستفادة منه، فقد نجد أن بعض المجتمعات تعتبر الوقت من ذهب وتعطيه قيمة وتربي أفرادها على احترامه ولاستفادة منه، وهذا ما يتجلى في ضبط المواعيد وعدم هدره في ما لا يفيد، وما وصلت إليه من ازدهار وتقدم كما هو الشأن بالنسبة للبروتستانت في ألمانيا كما أوضح ماكس فير في كتابه الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية. وترى بعض المجتمعات الأخرى أن الوقت ليست له أهمية قصوى مثل مجتمعنا وهذا ما يتبين حتى في بعض الأمثال« من يريد الربح فالعام طويل » .
إن التربية على تنظيم الوقت- ووقت الفراغ خاصة – مسألة تعود بالأساس إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية الرسمية كالأسرة والمدرسة ودور الشباب والجمعيات، فهذا الزمن الاجتماعي يمكن اعتباره الزمن الفاصل أو المتواجد بين الزمن العائلي والمدرسي، فالتمثل السائد تجاه الفراغ والترفيه في المجتمع على انه «وقت خاوي» أي فارغ من أي نشاط أو انه سبب «البلية»[16] فلأنه مغيب في التنشئة الاجتماعية. إذا كانت الأسرة الخلية الاجتماعية الأساسية المكلفة بتزويد الطفل بمجموعة من القيم كاحترام الوقت وتدبيره، فإن هذا الدور أصبح في مجتمعنا ثانويا في ظل سعي الآباء إلى توفير المسكن والغداء وعودتهم مرهقين تحت ضغط الإكراهات الاقتصادية، حيث يقول (أع) : «في الدار لا وجود لتدبير الوقت »، ولأن السياسة التربوية مقصرة في هذا الباب فتجد الطفل المغربي يدرس طيلة الأسبوع دون أي نشاط ترفيهي داخل المؤسسة التعليمية زد على ذلك كثرة الفروض المنزلية التي ترهقه وترهق معها الأسرة فلا يسمع الطفل في البيت إلا «سير تقرا» وذلك لاعتقاد الآباء أن النجاح الاجتماعي يمر عبر النجاح المدرسي .
إذا كان وقت الفراغ يعتبر في الحس المشترك سببا «للبلية» كما أسلفت الذكر فلأن وظائفه لم تأخذ بعين الاعتبار في السياسة التربوية حيث لا تساعد برامج التعليم المغربي الطفل على الاستفادة من الأنشطة الترويحية، بل تدخل في تعارض معها ، « النظام المدرسي مريض كثرة الدراسة بدون معنى » كما ورد على لسان الحالة، فرغم أن من بين أهداف أنشطة الحياة المدرسية في النظام التربوي المغربي تمكين المتعلمين من حسن تدبير أوقات الفراغ[17] فإن الملاحظ أن هذه الأنشطة شبه غائبة في الزمن المدرسي أو تكون مناسباتية فقط ولا يستفيد منها جميع المتعلمين لغياب أطر خاصة في التنشيط حيث يتطوع فقط بعض المدرسين لذلك مما يجعل الفضاء المدرسي سجنا بالنسبة للمتعلم وللمدرس كما يقول(أع) : « أضحت المدرسة مثل سجن ».
في دراسة قام بها «عبد الفتاح الزين» تحت عنوان «الوقت الحر لدى الأطفال وطرق استغلاله : تجربة أندية الأطفال بالمغرب»[18]، أوضح أهمية تدبير وقت الفراغ لدى الأطفال وعلاقته بالنجاح المدرسي ومحاربة الهدر المدرسي؛ بين من خلال بحث ميداني أهمية مساعدة الأطفال في التحكم في ميزانية وقتهم لإنجاح عملية تمدرسهم، ودور الأسرة في ذلك من خلال دراسة نموذجين : نموذج النجاح المدرسي مقابل الفشل المدرسي، حيث خلصت الدراسة إلى أن الفشل الدراسي ليس مسألة شخصية تتعلق بالطفل أكثر ما هي مسألة تتعلق بالتنشئة وتربية الطفل على التحكم في تدبير وقته وفهم التعارضات المختلفة القائمة بين الأزمنة الاجتماعية المختلفة.
«سير تلعب في الزنقة» إنها العبارة التي يسمعها الطفل داخل البيت المغربي والتي جاءت على لسان(أع) أثناء سرده لسيرة حياته في طفولته. فالفضاء العام الذي يرسل إليه الطفل و الخالي من أية تجهيزات ومرافق تحتوي الطفل لقضاء وقته الحر، وتغييب أنشطة مدرسية تساعد المتعلمين على الاندماج في الحياة الاجتماعية- خاصة التربية البدنية التي تراجع دورها في المؤسسات التعليمية وبالتالي عدم تعويد الناشئة على ممارسة الرياضة التي يمكن مزاولتها في الفضاءات العامة دون مقابل مادي، فنجد غياب هذه المادة في التعليم الابتدائي وتخصيص ساعتين لها في الأسبوع بالنسبة للتعليم الإعدادي رغم أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين في الدعامة 12 المادة 131 نص على الزاميتها من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي[19] ، كما أن اعتقاد الأسرة أن توفير الغداء والمسكن والملبس هو المطلوب فقط منها، ألا يمكن أن يكون كل هذا سببا فعلا في ظهور مجموعة من المشاكل الاجتماعية؟ فيصبح الوقت الحر ضد المجتمع وليس لصالح المجتمع.
- وقت الفراغ منتج استهلاكي
إذا كان «فيبلن» تحدث عن طبقة الترفيه في أمريكا سنة 1899 كما أسلفت الذكر، فإنه يبدو رغم «دمقرطتة» الولوج إلى التربية وبروز الترفيه الجماعي « loisirs de masse »- أن الاستفادة من الخدمات الترفيهية يظل ممكنا لبعض الطبقات الاجتماعية دون الأخرى، «أصحاب الوقت الحر هم الأغنياء» كما قال (أع)، لقد أبرز تطور الترفيه كظاهرة اجتماعية عدة تغيرات وتأثيرات ايجابية وسلبية في المجتمعات المعاصرة على صعيد العلاقات الاجتماعية، فلم تعد حضارة الترفيه أمرا خياليا بل أصبحت حقيقة يومية- وليست فقط استثناء– فقد تغيرت التمثلات الاجتماعية حول الترفيه وأصبح المحور الذي تتمحور حوله باقي الأزمنة الاجتماعية، «أصبح الوقت الحر مهما في حياتي» كما قال (أع). لقد غير الوقت الحر علاقة الإنسان بالشغل بل وقواعد الانتماء الطبقي فاستهلاك وسائل الترفيه في الوقت الحر من طرف الأشخاص أصبح علامة اجتماعية مميزة للانتماء الطبقي «نحن لسنا مثل الأطباء والمهندسين» كما قال (أع). إن الانتماء أصبح انتماء لفئة أو طبقة اجتماعية استهلاكية لترفيه معين كعلامة على المكانة أو المستوى الاجتماعي للفرد الذي يعتقدأ يسعى إلى تحقيق ذاته وتفرده إلا انه في الحقيقة يعيش استلابا واستغلالا من طرف الإشهار ووسائل الأعلام، إنها «فردانية» موجهة من طرف المجموعة حيث يعتقد الفرد أنه يستهلك من أجل الترفيه لكن في الحقيقة يستهلك ليوهم نفسه بمكانة اجتماعية ما ومحاولة «حجب» الفوارق الطبقية الموجودة بين الفئات الاجتماعية.
«الوقت الحر يجب أن تقتنيه بالمال» يقول( أع)، يبدو إذن من كلام الحالة أن الاستفادة من الوقت الحر يخضع لمنطق اقتصاد السوق الذي نجح في تحويل هذا الوقت إلى سلعة تباع وتشترى. كل شيء يمكن أن يصبح موضوعا للاستهلاك بما في ذلك الوقت الحر الذي تحول إلى زمن لإنتاج قيم التمييز الاجتماعي [20]، لقد أصبح الفرد مشاركا في مجتمعه لا بالعمل بل باستهلاكه للمنتجات ومن بينها وسائل الترفيه في الوقت الحر، فالمشاركة أصبحت مشاركة في نوع الاستهلاك وفي نوع الفضاءات الترفيهية التي يقضي فيها الفرد وقته الحر، لقد تحول الوقت الحر إلى بضاعة لا يمكن إدراكها إلا بالمال، لا يكف إذن تواجد وقت فارغ أو حر ولكن لابد من توفر المال لاقتناء الخدمات الترفيهية من أجل نسخ مظاهر الآخرين والتباهي بأن الفرد تمتع بوقته الحر من خلال المبالغ المدفوعة. لقد أصبح الترفيه في المجتمع المعاصر كتلك «العاهرة» التي لا تهمها المتعة في ممارسة الجنس أكثر ما يهمها المبلغ المالي المؤدى مقابل الخدمة.
أوضح البحث الوطني الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط حول الاستهلاك والأنفاق عند الأسر المغربية(2013-2014)[21] أن 10 ℅ من المغاربة الأغنياء ينفقون في الترفيه 105 مرة أكثر من 10% من الذين يتواجدون في أسفل هرم مستوى المعيشة حيث يخصص الأغنياء حوالي 3,5 ℅ من ميزانيتهم للترفيه بينما لا يخصص الآخرون إلا 0,4 ℅ من ميزانيتهم. لم يعد الترفيه إذن مجالا محايدا بل علامة مميزة للأفراد وللفئات الاجتماعية، فالاستفادة من الوقت الحر يختلف من طبقة إلى أخرى، فالأغنياء إذن هم الذين لهم الوسائل للاستفادة من الوقت الحر فلا يكف إذن تواجد وقت الفراغ فقط لكن لابد من تواجد المال لشراء هذا الوقت. فهل إذن طبقة الترفيه ما تزال قائمة؟. ولأن الدراسة لم توضح ما هو نوع الأنشطة الترفيهية التي يقوم بها هؤلاء الأغنياء، فهل تواجد المال يعني فعلا ترفيه »فعالا»؟
لم يعد الترفيه مجالا أو حقلا مستقلا، حقلا للحرية حيث نعبر عن اختياراتنا ولم يعد الفرد يمضي وقت فراغه حسب حريته الشخصية، فليست الحاجة إلى الترفيه من أجل الترفيه ولكن أصبح الوقت الحر مجالا رمزيا يحدد فيه الفرد انتماءه الطبقي. ﺇنه مجتمع المظهر فلكي توجد يجب أن تكون محط نظر كما قال(بوخريص)[22]. ولكي تكون محط نظر إذن يجب أن تستهلك في وقت الفراغ ولكي تستهلك يجب أن تبحث عن موارد مالية أسهلها بالنسبة للموظف هو القروض الاستهلاكية، «القرض البنكي ولد الحرام يسهل عليك كل شيء… » يقول (أع)، إن الإقبال على القروض الاستهلاكية البنكية والإغراءات التي تقدمها الأخيرة حولت الوقت الحر إلى وقت استهلاك لم يعد فيه الفرد حرا بل مستلبا «يستهلك » وقته «الحر» من أجل المظهر الذي أصبح أساس العلاقات الاجتماعية في مجتمع التباهي و«الزواق»[23]. أصبح الفرد في مجتمع «الزواق» يسعى إلى نيل رضي وموافقة المجتمع أكثر ما يسعى إلى الاستفادة من وقته الحر كفرد، فرغم أنه يعتقد انه حرفي قضاء وقته الحر إلا انه يبقى خاضعا للنمط الذي يفرضه «مجتمع الاستهلاك» الذي طغى «بدكتاتوريته» على نمط عيش الأشخاص.
إن الحديث عن الترفيه كمجال للتمايز الاجتماعي بين الأفراد والفئات الاجتماعية يظهر جليا في نوع المنشاءات الترفيهية التي يختارها الشخص أو تفرض عليه سواء في نهاية الأسبوع أو في العطل، فكيف ذلك؟
1.3 فضاء الترفيه
لقد أثرت حضارة الترفيه على فضاء المدن بل وأصبح الوقت الحر من أهم «مستهلكي» المجال حيث أصبحت بعض المدن تتميز وتنعت بكونها مدن سياحية لاستقطابها كل من يرغب في قضاء العطل والترويح عن النفس، بل وأصبح اقتصاد بعض الدول مبنيا على مدا خيل السياحة الداخلية والخارجية وأصبح الترفيه قاطرة للنمو الاقتصادي ومن أهم المشغلين لليد العاملة[24]، لكن بعض المدن تكاد تنعدم فيها هذه الفضاءات. في مدينة المحمدية وحسب أقوال الحالة هذه المرافق قليلة جدا في ظل زحف الأسمنت حيث تكاد تنعدم ملاعب القرب ودور الشباب وقاعات السينما[25] وقاعات الرياضة المدعمة من طرف الدولة. إن تغييب مؤسسات الترفيه في المدينة من طرف المسؤولين لا شك أنه سيكون عبئا ماديا للأسر التي ترغب في استغلال وقتها الحر« كل شيء يجب أن تشتريه » يقول (أع)، كما يمكن أن يصبح هذا الوقت كما أسلفت الذكر مصدرا للمشاكل الاجتماعية.
في غياب المرافق الترفيهية في المدينة تصبح المقهى الفضاء الذي يتوجه إليه (أع)؛ لقد أصبحت «القهوة»[26] من أهم المشاءات الترفيهية التي لا تخلو منها المدن[27]، فرغم كثرة المقاهي وقرب بعضها من بعض إلا أنها لا تخلو من الرواد الذين يقضون في المتوسط ساعة و45 دقيقة يوميا في هذا الفضاء حسب نتائج البحث الوطني لاستعمال الزمن من طرف المغاربة[28]. إن الذهاب إلى المقهى لا يعني فقط استهلاك المشروبات (قهوة، شاي، عصير…) بل فضاء للترفيه عن النفس والتواصل الاجتماعي بين الأفراد، كما طور أصحابها الخدمات بتوفير الجرائد اليومية بالمجان وشاشات التلفاز العملاقة التي تجلب خاصة عشاق مشاهدة المباريات الكروية من جميع الفئات العمرية وبثمن يكاد يناسب الجميع وبدون وقت محدد .[29]
يقول (أع) : « اهرب من المنزل إلى المقهى ». إن الهروب من المنزل إلى المقهى ليس في الحقيقة هروبا من المشاكل ولكن هروبا من المسؤولية العائلية التي يتنصل منها الرجال حيث يقضي الحالة في المتوسط وحسب ملاحظتي طيلة الأسبوع ما يقارب 13 ساعات بمعدل ساعة واحدة في اليوم العادي وأربع ساعات في نهاية الأسبوع، يقضيها (أع) كما قال في القراءة إلا أنني أثناء البحث لم ألاحظه يقرءا، كما أنه لا يتوفر على مكتبة في منزله توضح اهتمامه بفعل القراءة.
في غياب إذن مرافق للترفيه في المدن تبقى المقهى المفر الوحيد لعديد من الأشخاص لقضاء وقت فراغهم اليومي أو نهاية الأسبوع. لكن في العطل كيف و أين يقضى هذا الوقت؟
2.3 الترفيه في العطل.
في العطل خاصة الصيفية فتلك قصة أخرى يقول (أع) :« لكي تسافر فتلك قصة أخرى»، حيث تزيد مصاريف التنقل ومكان الاصطياف في ضل غياب تخطيط وتوفير ميزانية خاصة، وفي ظل النقص الحاد في المنشاءات الترفيهية الخاصة بموظفي التعليم « مخيمات التعليم قليلة جدا…» يقول (أع). تحاول مؤسسة محمد السادس للتربية والتعليم توفير بعض المخيمات الصيفية لكن أغلبها في المؤسسات التعليمية لينتقل المدرس من القسم أثناء السنة الدراسية إلى القسم لقضاء العطلة، كما أن الفنادق التي تعاقدت معها المؤسسة تكون أثمنتها مرتفعة في العطل…).
في غياب ميزانية محددة للترفيه وتخطيط مسبق ونقص في أماكن الترفيه يصبح الوقت الحر عبئا على الأسرة ومصدر قلق وإحساس بالدونية، إنها ثقافة «الحكرة»[30] التي أصبحت شائعة في المجتمع المغربي والتي تعبر بها بعض الفئات عن الاحتقار وعدم الاستفادة من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، كما أن هذه «الحكرة» يحس بها المدرسون من خلال عديد النكت التي تقال عنهم وكذلك عدم توفر هذه الفئة على امتيازات عديدة من بينها مرافق الترفيه. يقوم الحالة لتفادي الإحراج أمام الزملاء والعائلة بالذهاب إلى نفس المدينة تقريبا كل سنة لزيارة الأقارب دون تنويع الوجهات التي تتطلب مصاريف مهمة حيث يقول: « دائما نفس الفيلم ».
ابرز بحث أجري لصالح جامعة الحسن الثاني بالمحمدية[31] أن ثقافة السفر مازالت ضعيفة عند المغاربة حيث أوضحت الدراسة أن 85 ℅ من المغاربة يقضون عطلهم عند أقاربهم بينما فقط 17℅ يقضونها في الفنادق و 15 ℅ يكترون اقامات سكنية. ﺇن ثقافة السفر ليست ضعيفة لدى المغاربة ولكن القدرة الشرائية هي الضعيفة في ظل تحول وقت الفراغ والترفيه إلى بضاعة تستلزم مبالغ مالية للتنقل والكراء.
إن غياب ثقافة الوقت الحر وقلة الفضاءات الترفيهية يجعل أنشطة الترفيه تنحو نحو الترفيه السلبي « loisirs passifs » الذي تتميز أنشطته خاصة بالجلوس في المقهى أو أمام التلفاز أو شاشة الحاسوب واستهلاك المنتجات من أجل التباهي والتظاهر لإقناع الآخرين بالمكانة الاجتماعية، أو «قتل» الوقت، «إلى أين ستذهب؟ المقهى أو التلفاز » يقول (أع)، وهذا ما أوضحه كذلك البحث الوطني حول استعمال الزمن في المغرب حيث خلص البحث إلى أن المغاربة يقضون في المتوسط ساعتين و14 دقيقة يوميا أي ما يعادل 33,6 ℅ من زمنهم الحر في مشاهدة التلفاز ولا تمثل الرياضة والقراءة سوى دقيقتين لكل منهما وهذا ما يؤثر على الأطفال كذالك حيث يقضون ما يعادل 3 ساعات من يومهم في مشاهدة التلفاز أي ما نسبته 43,6 ℅ من وقتهم الحر، بينما تمثل القراءة 0,3 ℅ أي دقيقة واحدة للمطالعة. إن تراجع معدلات القراءة عند الكبار وكذالك الأطفال يعني تراجع دور النشر وإقفال دور السينما والمسارح مما يجعل الوقت الحر وقتا سلبيا و فارغا من المعنى ومن الوظائف التي وجد من أجلها (الاسترخاء التسلية وتطوير الشخصية بالمعرفة والمشاركة الاجتماعية). إن تطوير الوقت الحر حسب «فريدمن»[32] يجعل من الترفيه قيمة ثقافية بالمعنى الشامل للكلمة إذا اهتمت المؤسسات السياسية بالقطاع الثقافي. ناذرا ما نجد أنشطة ترفيهية ذات معنى ولها أبعاد ثقافية منفتحة على المجتمع بل تبقى أنشطة منغلقة على أصحابها مما لا يسمح لها بلعب دور الانفتاح على الغير والاطلاع على مشاكل المجتمع.
خلاصة :
لقد أنتج التطور التقني حقيقة اجتماعية ألا وهي وقت الفراغ الذي غالبا ما نقابله بالشغل فنظن أنه وقت فقط للراحة من تعب هذا الأخير، لكن من خلال الدراسة اتضح أن هذه الفكرة لم تعد صالحة في مجتمعنا خاصة الحضري، فلم يعد الترفيه ظاهرة معزولة عن السياق الاجتماعي للمجتمع بل بالعكس غدا ظاهرة تبنين باقي مؤسسات الاجتماعية من أسرة ومدرسة ومؤسسة الشغل وكذلك الفضاء العام . إن تدبير الوقت الحر يعود بالأساس إلى المؤسسات الاجتماعية الأساسية من أسرة ومدرسة التي يغيب عن برامجها هذا الزمن المهم في حياة المتعلمين، كما تغيب الدراسات التي تبحث في المعنى الذي يعطونه لهذا الوقت و الترابطات التي يقيمونها بين وقت الدراسة ووقت العائلة والوقت الحر، ألا يمكن لمثل هذه الدراسات أن تساهم في تطوير المنظومة التعليمية في المغرب؟ ألا يمكن للوقت الحر أن يصبح ضد المجتمع إذا استمر تغييبه عن البرامج التعليمية وعن البرامج السياسية والثقافية؟
كما تبين من البحث أن وقت الفراغ كجميع الموارد فهو غير موزع توزيعا عادلا بين فئات المجتمع فهو يتأثر بالرأسمال المادي والثقافي للأفراد وكذلك التنشئة الاجتماعية، و أصبح علامة للانتماء إلى فئة معينة، كما غدا شكل جديدا للاستلاب بعدما كان الشغل كذلك، حيث فرض مجتمع الاستهلاك والمظاهر نمطا للترفيه على الأفراد من خلال الأعلام والإشهار فلم يعد الفرد يختار أنشطة الترفيه التي أصبحت منمطة تنفي شخصية الفرد وحريته كما تتميز بكونها أنشطة دون معنى تنحوا نحو الترفيه السلبي تغلب عليها مشاهدة التلفاز والجلوس على المقاهي.
يعتبر هذا البحث محاولة لتسليط الضوء على طريقة تدبير وقت الفراغ من طرف حالة مدرس بالثانوي الإعدادي بمدينة المحمدية(المغربية)، بالرغم من أنه أجاب على بعض الأسئلة التي تخص هذا المشكل من مثل غياب التربية على تدبير وقت الفراغ من طرف مؤسسات التنشئة الاجتماعية و صعوبة تدبير هذا الزمن من طرف المدرس نظرا لتدني الأجرة وضعف في المنشاءات الترفيهية الخاصة بهذه الفئة إلا انه يصعب تعميم نتائجه خاصة وأن المدرسين تختلف وضعيتهم المادية حسب ترتيبهم في السلم والمادة المدرسة وسلك التدريس وكذلك النوع الاجتماعي. لكن يمكن الجزم بأن هذا الزمن الاجتماعي مازال غير مهتم به من طرف الأسرة والمدرسة كما أن هناك قصور من طرف الدولة في توفير فضاءات ترفيهية لفئة المدرسين.
إن إعطاء الأهمية لهذا الزمن الاجتماعي أصبح ضروريا من طرف الدولة وذلك بتوفير منشاءات ترفيهية خاصة بفئة المدرسين و إدراج مبالغ مالية في الأجرة خاصة بالأنشطة الترفيهية(الرياضة-القراءة…). يجب على الوزارة الوصية على قطاع التعليم العمل على جعل المدرسة فضاء للترفيه للمتعلمين والمدرسين معا لقضاء وقت الفراغ وذلك بتوفير أنشطة ترفيهية (المسرح، الرياضة، الرسم …) ودعم الأندية التربوية داخل المؤسسات التعليمية. يجب على جمعيات المجتمع المدني ودور الشباب إدراج الأنشطة الترفيهية في برامجها، كما يجب على المنعشين العقاريين الاهتمام بتوفير فضاءات الترفيه في الأحياء التي يشيدونها.
قائمة المراجع:
1 – الزين عبد الفتاح: سوسيولوجيا الوقت الحر والتنشيط الثقافي، منشورات قافلة الكتاب، الرباط، 1999،.95 صفحة.
2- بنعبد العالي عبد السلام: البوب- فلسفة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2015، 159 صفحة.
3- “ريفكن جيرمي “: نهاية العمل، (ترجمة : خليل راشد الجيوسي)، دار الفرابي، بيروت ،2009 ، 453صفحة.
4 – وزارة التربية الوطنية المغربية، دليل الحياة المدرسية، منشورات ادكل، الرباط، دجنبر2008، 175صفحة.
5- BUSCH Marie-Charlotte : la sociologie du temps libre, paris : Mouton, 1975, 411p.
6- BAUDRILLARD Jean : la société de consommation éditions Denoël, paris , 1970, 317p, (collection FOLIO/ESSAIS).
7- FRIEDMANN Georges :« le loisir et la civilisation, technicienne », Revue internationale des sciences sociales, 1960, volume 7, N°4, pp.551-563.
8- TEBOUL René : culture et loisirs dans la société du temps libre, édition de l’aube, paris, Mai 2004, 207p, (la collection monde en cours).
9- دراسة الزين عبد الفتاح على الرابط : <http://www.association-oeuvres-sociales-commune-agadir.com/wp-content/uploads/2010/09/alwakt-lhor.doc>
10- موقع وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة https://www.mmsp.gov.ma/ar/decline.aspx?m=8&r=52
11- موقع مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين:
http://www.fm6education.ma/portal/index.php?pa=26&p=83> >
12- موقع المندوبية السامية للتخطيط: < http://www.hcp.ma/file/183550 <
13- جريدة :Aujourdui’hui.ma <http://aujourdhui.ma/focus/le-voyage-un-loisir-toujours-pas-enracine-dans-les-moeurs-des-marocains-enquete-42077>
14- Abdel-Malek Anouar : « La sociologie du « temps libre » et le devenir de l’homme Thèses préliminaires». In: L’Homme et la société, N. 4, 1967. pp. 153-164.[en ligne] <www.persee.fr/doc/homso_0018-4306_1967_num_4_1_1033
15-Aurélie Gonnet :« ClaudeJaveau, Des impostures sociologiques », Lectures [En ligne], Les comptes rendus, 2014, mis en ligne le 02 avril 2014, consulté le 29 avril 2017. URL :< http://lectures.revues.org/14236>
16- COULANGEON Philippe : « loisirs », Encyclopedia Universalis [en ligne], consulté le 27 avril 2017. URL :< http://www.universalis.fr/encyclopedie/loisirs/> 17- Extrait de : Sue, Roger : Temps et ordre social – Sociologie des temps sociaux, Paris, Presses Universitaires de France, 1995 (2ème édition), 313 pages, pp. 11-32. |
[Enligne] <http://classiques.uqac.ca/collection_methodologie/sue_roger/sue_roger.html>
18- CAZENEUVE Jean, « Dumazedier Joffre, Vers une civilisation du loisir ? ». In: Revue française de sociologie,1962, 3-4.pp.455-456, [en ligne],< http://www.persee.fr/doc/rfsoc_0035-2969_1962_num_3_4_6151>
19- Fiche de lecture sur « vers une civilisation du loisirs » [En ligne] <storage.canalblog.com/17/51/230993/9298529> .
[1]Aurélie Gonnet :« ClaudeJaveau, Des impostures sociologiques », Lectures [En ligne], Les comptes rendus, 2014, mis en ligne le 02 avril 2014, consulté le 29 avril 2017. URL :< http://lectures.revues.org/14236>
[2]– Abdel-Malek Anouar : « La sociologie du « temps libre » et le devenir de l’homme Thèses préliminaires». In: L’Homme et la société, N. 4, 1967. pp. 153-164.[en ligne] <www.persee.fr/doc/homso_0018-4306_1967_num_4_1_1033
[3]– BUSCH Marie-Charlotte : la sociologie du temps libre, Mouton, paris , 1975, p.62
[4]– COULANGEON Philippe : « loisirs », Encyclopedia Universalis [en ligne], consulté le 27 avril 2017. URL :< http://www.universalis.fr/encyclopedie/loisirs/>
[5] – Extrait de : Sue, Roger :Temps et ordre social – Sociologie des temps sociaux, Presses Universitaires de France Paris, 1995 (2ème édition), pp. 11-32. |
[Enligne] <http://classiques.uqac.ca/collection_methodologie/sue_roger/sue_roger.html>
[6] – “ريفكن جيرمي “: نهاية العمل، (ترجمة : خليل راشد الجيوسي)، دار الفرابي، بيروت، 2009، ص37.
[7] – TEBOUL René : culture et loisirs dans la société du temps libre, édition de l’aube, paris, 2004, p .15.
[8] – الزين عبد الفتاح: سوسيولوجيا الوقت الحر والتنشيط الثقافي، منشورات قافلة الكتاب،الرباط، 1999، ص 42.
[9]– TEBOUL René : Op.cit, p53.
[10]– FRIEDMANN Georges : « le loisir et la civilisation, technicienne », Revue internationale des sciences sociales, 1960, volume 7, N°4, pp.551-563.
[11]– CAZENEUVE Jean : « Dumazedier Joffre, Vers une civilisation du loisir ? ». In: Revue française de sociologie,1962, 3-4.pp.455-456, [en ligne],< http://www.persee.fr/doc/rfsoc_0035-2969_1962_num_3_4_6151>
– [12] انظر الإحصائيات على موقع وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة : https://www.mmsp.gov.ma/ar/decline.aspx?m=8&r=52
[13]- Fiche de lecture sur « vers une civilisation du loisirs » [En ligne] <storage.canalblog.com/17/51/230993/9298529>
[14] – يقصد «بطرف الخبز» في الدارجة المغربية العمل للحصول على المال لاقتناء الأغذية ومن أهمها الخبز الذي يعتبر عنصرا أساسيا في التغذية عند المغاربة ، بل تسعى الدولة إلى ضمانه وبثمن مناسب لضمان الأمن الاجتماعي.
[15] – يقصد «بحمار الناعورة »في الدارجة المغربية ذاك الإنسان الذي يشتغل دون توقف حيث يدور في منحى واحد من العمل إلى المنزل.
[16] – «البلية» في الدارجة المغربية يقصد بها الخروج عن الطريق السوي والتعاطي للمخدرات.
[17]– وزارة التربية الوطنية المغربية: دليل الحياة المدرسية، منشورات ادكل، الرباط ، دجنبر2008، ص27.
[18]– انظر الدراسة على الرابط التالي : <http://www.association-oeuvres-sociales-commune-agadir.com/wp-content/uploads/2010/09/alwakt-lhor.doc>
[19]– انظر نص الميثاق على الرابط : < http://www.flshm.ma/Docs/mita9%20arab.pdf <
[20]– BAUDRILLARD Jean : la société de consommation, éditions Denoël, paris, 1970, pp.248,249.
[21] – انظر نتائج البحث على الرابط : <http://www.hcp.ma/file/183550>
[22]– مذكور في : بنعبد العالي عبد السلام: البوب- فلسفة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء ، 2015، ص 135.
[23]– اقصد “بالزواق” هنا المظاهر الخارجية التي تثير الانتباه .
[24]– انظر الموقعTanmia.ma على الرابط: <http://www.tanmia.ma/lindustrie-des-loisirs-est-le-vecteur-du-developpement-de-leconomie-africaine/>
[25]– في مدينة المحمدية توجد فقط دارين للشباب : دار الشباب ابن خلدون بالعالية ودار الشباب المغرب العربي بالقصبة ولا توجد قاعة سينما.
[26]– “القهوة” في الدارجة المغربية تشير إلى المقهى.
[27]– يقال في الدارجة المغربية للتعبير عن كثرة المقاهي: “بين قهوة و قهوة كاينا قهوة”
[28] – انظر الدراسة على الرابط التالي : > http://www.hcp.ma/file/160328/>
[29]– تتراوح أثمان المشروبات في المقاهي في مدينة المحمدية من 6 دراهم إلى 12درهم حسب موقع المقهى في حي شعبي أو في شارع رئيسي أو على شاطئ البحر.
[30] – “الحكرة” تعني الاحتقار من لدن الآخرين.
[31]– انظر البحث على الرابط : <http://aujourdhui.ma/focus/le-voyage-un-loisir-toujours-pas-enracine-dans-les-moeurs-des-marocains-enquete-42077>، المجلة لم تشر إلى الجهة التي أنجزت البحث.
[32]- TEBOUL René : Op.cit.p.57.
منقول عن موقع مركز جيل البحث العلمي: