في إحدى
الإعداديات يعمل أستاذ في الإدارة التربوية بعد تخرجه من مسلك تكوين أطر الإدارة
التربوية، هذه الإعدادية تبعد عن مركز المدينة بأكثر من ستين كيلومترا بالرغم من
كونها تنسب للمديرية الإقليمية للمدينة التي يقطن فيها الإطار الإداري.
في تلك
المؤسسة يربط الإداري علاقات جيدة مع العاملين بالمؤسسة لا سيما الحراس الذين
يعملون مع شركة الأمن للتي كلفتها المديرية الإقليمية بتشغيلهم لحراسة مرافق
المؤسسة وممتلكاتها.
وبالطبع
سيضطر هذا الإطار الإداري بسبب بعد المؤسسة عن مسكنه الأساسي للمبيت في القرية
التي تتواجد فيها المؤسسة حتى يتمكن من توفير بعض مصاريف التنقل وينال قسطا من
الراحة بعد التعب الذي ينال منه بسبب التنقل بين مسكنه ومقر عمله.
الغريب في
هذه الحالة هو أن هذا الموظف، والذي هو إطار إداري مسؤول ومعتمد لدى وزارة التعليم
ولدى الجهات الإدارية المتفرعة عنها يضطر في كثير من الأحيان إلى الاعتماد على
السيد الحارس العامل بالمؤسسة في تدبير بعض أمور حياته الضرورية، والتي يقوم بها
هذا الأخير بفرح وعن طيب خاطر، حيث يقوم بالتسوق من السوق الأسبوعي كل الضروريات
من المواد الغذائية والخضر والفواكه واللحم… ومن ماله الخاص، ولا يعني ذلك أن
الموظف يستغل الحارس ماديا ومعنويا، لا.. فالحارس يقوم بهذا العمل عن طيب خاطر
وبسرور وفرح، لكن الاستغراب نابع عن كونه يشتري كل هذه المواد من ماله الخاص على
أساس أن السيد الموظف سيعيد إليه ماله كاملا ومصحوبا بالشكر والتقدير والاحترام.
والسيد
الموظف مسؤول على أهل بيته الذين ينتظرون منه أن يوفر لهم ضرورياتهم من مأكل ونشرب
ومسكن وملبس… وهذا حقهم، والراتب الذي يتقاضاه السيد الموظف بالكاد يوفر حاجيات
أسرته الصغيرة المكونة من ثلاثة أبناء وزوجة، أي خمسة أفراد، كما هذا لا يعني أن
السيد الموظف يتقاضى راتبا هزيلا مقارنة مع السيد الحارس.
لكن السيد
الموظف ينتظر منذ سنتين تعديل وضعيته المالية المتعلقة بالرتبة والتي من شأنها أن
تحسن ولو نسبيا من حالته المادية وتقلل من اعتماده على غيره في تدبير شؤونه
المالية، وينتظر منذ تعيينه الجديد في منصبه بالإدارة التربوية تسوية وضعيته
الإدارية والمالية مما سيمكنه من تدبُّر شؤونه الأسرية والمالية بشكل أفضل.
ويبقى
الانتظار هو الأمل الوحيد لمثل هذه الحالات، ويبقى السيد الموظف لدى الوزارة مضطرا
للاعتماد على السيد الحارس في تدبير بعض شؤونه المالية.
أليس هذا
من غرائب الزمان وبدائعه، موظف معتمد لدى وزارة من وزارات الدولة يعتمد في كثير من
الأحيان على رجل الأمن بالمؤسسة بسبب راتبه الهزيل، حيث يشتري السيد الحارس كل ما
يحتاجه الموظف وينتظر لمدة حتى يتمكن الموظف من دفع ما يجب عليه للسيد الحارس،
وبالطبع لا يظهر له ضعفه المادي ويتظاهر بالنسيان والاشتغال بشؤون المؤسسة.
تزداد
الغرابة في كون السيد الحارس يمتلك بقرة حلوب يقوم بحلبها كل صباح ويبيع حليبها
لينفق هو الآخر على أسرته وأهل بيته ويوفر بعض المال الذي يشتري به حاجياته
الأسرية وحاجيات الموظف، وذلك لأنه هو الآخر ينتظر أجرته الهزيلة والتي لا تتجاوز
ثلاثة آلاف درهم لمدة تترواح بين ثلاثة إلى أربعة أشهر، وذلك لأن الشركات التي
تعتمدها الإدارة المسؤولة لتوفير الأمن بالمؤسسات التربوية والتي تشغل رجالا مثل
السيد الحارس للقيام بهذه المهمة لا تدفع لهم مستقاتهم إلا بعد المدة المذكورة.
تخريج
المعادلة إذن هو أن البقرة توفر الحليب للحارس، والحارس يبيع حليب البقرة كل صباح،
ويطعم أسرته من مداخيل الحليب الذي تنتجه البقرة، ويوفر للسيد الموظف حاجياته
الضرورية من نفس المداخيل، وينتظر الحارس أجرته الشهرية كما ينتظر الموظف تسوية وضعيته
المالية والإدارية.
فعلى البقرة إذن ألا تتوقف عن إنتاج الحليب، حتى يتمكن الحارس من توفير حاجياته وحاجيات الموظف، في انتظار أن تلد لنا البقرة الأكبر عجلا جميلا يكون سببا في إنتاج حليب تمكن مداخيله تسوية الوضعية المالية والإدارية للموظف، حيث أن الحليب الذي تنتجه هذه الأخيرة لا يوفر ما يوفره حليب بقرة الحارس وإن كان إنتاجها قليلا، وعلى الحارس الصبر والتحمل، كما يجب على الموظف تحمل معروف وجميل الحارس، وتحمل حاله والتستر عليه مع تحليه بالصبر في انتظار الفرج الموعود.
بقلم الأستاذ: خالد بنعيسى