بعد الزلزال الذي ضرب مناطق عديدة من المغرب وتعليق وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الدراسة ابتداء من الاثنين، توقع الكثير من الأخصائيين النفسيين والخبراء التربويين أن تترك الفاجعة أثرا نفسيا بالغا لدى التلاميذ، خصوصا الذين يقطنون في المناطق المتضررة الأقرب من بؤرة الهزة الأرضية؛ ما يمكن أن يؤثر على تحصيلهم الدراسي.
دعوات جدية ظهرت بخصوص “عدم إغفال البعد النفسي خلال الدخول الدراسي”، لا سيما بالمناطق المنكوبة التي لم يُعلن بعد متى يمكن أن تُستأنف فيها الدراسة؛ وهناك أيضا من يواصل إطلاق دعوات لأجل “تخصيص مجموعات وخلايا للدعم النفسي والمعنوي لهؤلاء التلاميذ حين يعودون إلى المدرسة لضمان تكافؤ فرصهم التعليمية ولتحفيز قدرتهم على التجاوز وتنشيط حركيتهم وعطائهم داخل الفصل”.
تأثير حقيقي
لحسن مادي، الخبير في المجال التربوي، قال: “التحصيل الدراسي بالنسبة لهؤلاء التلاميذ مهدد؛ لأن صحتهم النفسية ستكون، بالطبع، في حالة جد حرجة بعدما فقد معظمهم عائلاتهم أو جيرانهم أو زملاءهم”.
وأضاف الخبير التربوي: “من الصعب على المستويين القريب والمتوسط أن يتخلص هؤلاء الأطفال من بقايا ما علق بأذهانهم جراء هذا الزلزال، الذي سيبقى ذكرى أليمة بالنسبة لكل واحد منهم بلا أي هامش للاستثناء”، لافتا إلى أن “هناك من فقدوا معلما أو معلمة لهم يبني معهم علاقة حميمية وتعليمية خاصة. لذلك، ثمة تخوفات حقيقية على مسارهم الدراسي، حيث إذا تأثر تحصيلهم فقد يتأثر أيضا مسارهم”.
وفي هذا الصدد، دعا المتحدث عينه، في تصريحه لهسبريس، إلى “تفعيل حصص دائمة للدعم النفسي تشمل كل هؤلاء التلاميذ المتضررين؛ لأن دخولهم الدراسي ينبغي أن يكون مصحوبا بالإنصات والمواكبة قصد إيصالهم إلى المسار الصحيح ودفعهم إلى التأقلم مع الوضع الجديد”.
وقال مادي إن “من هؤلاء التلاميذ من يشعر الآن بنوع من الإحباط، بعدما توقفوا عن الدراسة فجأة وفقدوا كل اللوازم الدراسية التي اشتروها بعد عناء”، لافتا إلى أن “أذهانهم ستكون مشتتة وكل ما يفكرون فيه هو اللحظات القاسية التي عاشوها، وسيحتاجون وقتا ليس بالهين لتحفيز نشاطهم الذهني وقدراتهم الإنتاجية والإبداعية؛ وهو ما ينبغي أن يجعل الشق النفسي حاضرا بقوة في دخولهم الدراسي”.
التشخيص في المدارس
كنزة الناجي، أخصائية في علم النفس الإكلينيكي، قالت إن “المدارس التي لم تتحطم يجب أن تكون فضاء حاليا لتنظيم ورشات ولقاءات مع هؤلاء التلاميذ لتبين حجم ضرر كل حالة على حدة”، موضحة أن “المدرسة كانت فضاء خاصا بالنسبة لهم. ومن شأن عقد حصص للدعم النفسي مبكرا، أي قبل استئناف الدراسة، أن يساعد في عملية التنبؤ والمرحلة المتطلبة للعلاج والتي تتباين طبعا من تلميذ إلى آخر”.
وأضافت الناجي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “هناك حالات لتلاميذ قد تكون في درجات متقدمة من الصدمة، بمعنى أن هذه الحالات كانت تعاني من هشاشة نفسية، وكانت الفاجعة عاملا لكي تبلغ درجات أكثر خطورة”، مسجلة أن “الأطفال يتميزون بتركيبة نفسية حساسة. لذلك، هم لا يمكن أن يستفيدوا مثلا من مكالمات هاتفية للاستماع والبوح والفضفضة؛ بل يجب ترتيب لقاءات حية ومباشرة معهم”.
وزادت شارحة: “سيكون كل التلاميذ والأطفال بلا استثناء تحت وقع الصدمة، والتعافي يصعب توقعه، بحيث ستكون الأعراض والحالات مختلفة بين نوبات الهلع والإحساس بالضغط أو القلق المرضي والشعور بالخوف وانعدام الأمان”.
وأردفت الأخصائية في علم النفس: “يجب توفير خلية لتقديم الإسعافات النفسية الأولية لهؤلاء التلاميذ، وينبغي عدم عزلهم حاليا لكونهم في مرحلة تحتاج إلى التواصل والتفاعل”، موردة: “في الفترة الحالية، يمكن أن تفكر الأطر التربوية في إقرار أنشطة موازية خارج المناهج المقررة، مع دعم المرحلة بعلم النفس المعرفي والإكلينيكي؛ فالمدرسة تعتبر مكانا آمنا بالنسبة لهؤلاء التلاميذ”.
وخلصت كنزة الناجي إلى أنه “يجب ألا نستهين بأثر هذه الصدمة على الصحة النفسية للأطفال، والتشخيص ضروري ومستعجل”.
يذكر أن وزارة التربية الوطنية، أفادت في بلاغها الصادر السبت بإنه “اعتباراً للجانب الاجتماعي والنفسي، ومواكبة للتلميذات والتلاميذ بالمناطق الأكثر تضررا، فستتم تعبئة أطر الدعم الاجتماعي من أجل الإنصات وتقديم جميع أنواع المشورة والدعم النفسي لفائدتهم من أجل مساعدتهم على تجاوز التأثير النفسي للصدمة عليهم واستئناف دروسهم بشكل سليم”.