مشاكل التعلمات وتراكم التعثرات من الملفات التي تعتبرها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أولوية خلال الدخول الدراسي الجديد.
معطيات توصلت بها هسبريس من الوزارة تفيد عزمها تنزيل برامج تستهدف تلاميذ المستويات الابتدائية، باعتبارها أساس العملية التعلمية التي يكون لها أثر يرافق التلميذ إلى سنوات الجامعة.
في هذا الصدد أقر مصدر مسؤول بالوزارة أن ثلثي التلاميذ بالقطاع العام غير متمكنين من الكفايات الأساس كالقراءة والرياضيات، بالإضافة إلى اللغات الأجنبية، وهو مؤشر أكدته عدد من الدراسات على المستوى الدولي، حيث يصنف المغرب في آخر الترتيب الدولي.
دراسة وطنية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين وصلت إلى الخلاصة نفسها، وتفيد أن 30 بالمئة من التلاميذ على المستوى الابتدائي من يتمكنون من المنهج الدراسي، في حين أن 10 بالمئة من تلاميذ السلك الإعدادي من يتمكنون من المنهج الدراسي في آخر السنة.
وقال المتحدث ذاته إن الانعكاسات المترتبة عن النقص في التعلمات تؤثر على المسار الدراسي للتلميذ، مشيرا إلى أن “المنظومة التعليمية تفقد كل سنة 300 ألف تلميذ بسبب ارتفاع ظاهرة الهدر المدرسي، وهذا يتم دون حصول التلميذ على أي شهادة، وهذه الظاهرة لديها علاقة وطيدة بالتعلمات والمستوى التعليمي للتلميذ”.
من جهة أخرى، أوضح المصدر ذاته أن نصف الطلبة الجامعيين يغادرون السنة الأولى دون دبلوم، مما يؤكد أن المشكل في القاعدة أساسا، مبرزا أن لذلك انعكاسات سلبية على المستوى الاجتماعي، خاصة عند الحديث عن التنمية والتنافسية وغيرهما، وأكد أنه لا توجد تنمية بدون تعلمات أساسية.
وتابع قائلا: “جميع الأسلاك الدراسية تعاني من مشاكل، لكن السلك الحاسم هو السلك الابتدائي، بالإضافة إلى الأقسام التمهيدية التي تهيئ التلميذ لولوج السلك الابتدائي، الذي يكتسب من خلاله التعلمات الأساسية، وبالتالي فإن الإصلاح يجب الاشتغال عليه انطلاقا من هذا المسلك”.
تراكم التعثرات
على المستوى الابتدائي، أوضح المسؤول ذاته أن هناك مشكلتين أساسيتين تعرقلان التعلم، وتقفان وراء ضعف المدرسة العمومية، على الرغم من كل الكفاءات التي يتوفر عليها المغرب من أطر مكونة وتجهيزات، بالإضافة إلى الميزانية المخصصة لهذا القطاع والإصلاحات التي تم القيام بها.
وأشار إلى تراكم التعثرات، مبرزا أن الانتقال من منهج إلى آخر ومن مستوى إلى آخر دون معالجة التأخر لدى التلاميذ يجعل المشكل أكثر صعوبة.
من جهة أخرى، أكد المتحدث ذاته أن الأستاذ “يطلب منه إنهاء المقرر، وهنا يطرح مشكل الكم، حيث نجد أن المقررات الدراسية مليئة جدا، وتتضمن بعض الدروس التي تحمل في طياتها العديد من المفاهيم التي تستلزم وقتا كبيرا من أجل فهمها واستيعابها، لكن ضرورة تغطية المقرر في وقت محدد تحول دون تقديم الوقت الكافي للتلميذ من أجل فهم الدرس واكتساب المهارات والمفاهيم الأساسية، الشيء الذي يؤدي إلى تعثر المهارات التعلمية لديه”.
استراتيجية
وحسب المسؤول ذاته، فإن الوزارة ستعمل خلال الموسم الدراسي الذي سينطلق الأسبوع المقبل على تنزيل استراتيجية تم تبنيها من أجل حل مشكل التعلمات الأساسية، وتتضمن ركيزتين أساسيتين: الأولى تتمثل في برنامج الدعم من أجل العمل على معالجة مشكل تراكم التعثرات، يطلق عليه برنامج”TARL” ، والهدف منه معالجة التعثرات المتراكمة لدى التلميذ، حيث سيتم تحديد مكامن الخلل والعمل على معالجتها بغض النظر عن مستوى التلميذ.
وفقا لذلك سيتم قياس تموضع التلميذ ومستواه، مع تحديد مكامن الخلل. كما سيتم تقسيم التلاميذ حسب المستوى، إضافة إلى أن التعلم سيتم عن طريق اللعب وضمان البيئة الآمنة، وتقوية علاقة التلميذ بالأستاذ.
وبخصوص معالجة مشكل وجوب تغطية المقررات الدراسية، سيتم ذلك عن طريق اعتماد طريقة أخرى في التدريس تسمى التعليم الناجع أو التعليم الصريح. وقد تم قياس نجاعة هذا المنهج بطريقة علمية، حيث أثبتت العديد من الدراسات الدولية أن هذه الطريقة تعد من أفضل طرق التدريس في العالم، يقول المصدر ذاته.
وأضاف أن المبدأ الذي تقوم عليه مقاربة التدريس الناجع أو الصريح يتمثل في عدم المرور إلى الدرس الموالي إلا حين التأكد من اكتساب التلميذ المهارات الأساسية، حيث يتم تسليم الأستاذ المراحل الواجب اتباعها من أجل التخفيف من المنهج المعتمد مقابل العمل على تركيز المفاهيم الأساسية. كما أن هذه الطريقة تتميز بطابعها التفاعلي، وترتكز على طابعها التصاعدي، حيث يتم التدرج من المفاهيم البسيطة إلى المفاهيم الأكثر تعقيدا.
كيفية التنزيل
المشكل المطروح على هذا الصعيد هو كيف سيتم إيصال طرق التدريس الجديدة إلى حوالي 300 ألف أستاذ، والعمل على توحيد عملية التدريس داخل الأقسام، وتنفيذ هذه الوسائل بالطريقة الصحيحة، خاصة أن لكل مؤسسة وأستاذ ظروفا خاصة وطريقة في التعليم.
جوابا عن هذا السؤال، تؤكد الوزارة على دور مشروع المؤسسة الرائدة بهدف تنزيل هذه المقاربات التربوية بطريقة سليمة وناجعة، وتعتبره إطارا لتنزيل المقاربة التربوية الجديدة لتحسين مستوى التلاميذ، وهو مشروع يتضمن كخطوة أولية 600 مؤسسة تمثل 10 بالمئة من مؤسسات المستوى الابتدائي في المغرب، وفي حال نجاح العملية سيتم توسيع المشروع بشكل تدريجي إلى غاية 2026.
ووفق هذا المشروع، فإن الأساتذة سيكونون مطالبين بالحصول على شهادة من أجل ممارسة هذه المقاربة مع التلاميذ، والعمل بها طيلة شهر شتنبر، حيث سيتم تقديم الدعم بالمجان لجميع التلاميذ داخل المؤسسة من طرف الأساتذة، الذين تم تكوينهم من قبل المفتشين الذين تلقوا بدورهم تكوينا من قبل خبراء دوليين، كما تم ضمان تحفيزات للمؤسسة والأساتذة في هذا الإطار.
وقال المسؤول بالوزارة الوصية على القطاع إن هذا البرنامج يشمل الدعم المكثف وسيستمر أربعة أسابيع، وسيستفيد منه كل التلاميذ. وفي الشق الثاني سيكون هناك دعم أسبوعي، حيث ستتم مواكبة التلاميذ الذين لم يتجاوزوا بعض المشاكل طيلة السنة، وسيتم تنزيل هذا البرنامج خارج الزمن الدراسي.
معايير
هذا البرنامج يتضمن 12 معيارا للجودة، ينبغي الوصول إليها والحصول على شارة الريادة، بعد المرور من مرحلة المراقبة من قبل هيئة خارجية للتأكد من وصول المؤسسة إلى المعايير التي تم وضعها.
من جهة أخرى، سيستفيد الأساتذة من مواكبة المفتشين عن طريق زيارة المؤسسات مرة في الأسبوع، في إطار مقاربة الأثر، حيث تم التعاقد مع مركز دولي لقياس الأثر هو مركز “Jpal”، وهي خطوة تمت بالنظر إلى حاجة المنظومة لدراسة مستقلة وموضوعية لقياس أثر المشروع على مستوى التلاميذ.
ووفق المتحدث ذاته، ستتم مقارنة المؤسسات التي تعمل وفق مشروع الريادة بداية من شتنبر الجاري مع مؤسسات لا تشمل المشروع، مع إعادة القياس في المؤسسات نفسها نهاية الموسم الدراسي للكشف عن مستوى التطور.
وجوابا عن سؤال يخص التحديات التي يمكن أن يخلقها مشكل الاكتظاظ داخل الفصول والحيلولة دون تنزيل هذا البرنامج في ظل ضعف الموارد البشرية، قال المسؤول ذاته إن “الوزارة تبذل مجهودا على مستوى التوظيف، ومشروع مؤسسة الريادة سيراعي المعايير اللازمة لمواجهة هذا الإشكال”.