recent
آخر المواضيع

هل أخطأ المستشارون في التوجيه في توجيه أنفسهم؟

Educa24
الصفحة الرئيسية

      من بين التدخلات الأساسية التي يقوم بها المستشار في التوجيه التربوي وفق المذكرة 17/022 الصادرة في 06 مارس 2017 "تقديم (...) الاستشارة  (...) للمتعلمين (...) لمساعدتهم على بلورة اختياراتهم الدراسية والتكوينية والمهنية ومشاريعهم الشخصية(...)". وتبعا لذلك، فالغاية الكبرى من كل استشارة ومساعدة على التوجيه والاختيار هي مساعدة المتعلمين والمتعلمات على الاختيارات الأنسب والأقرب لميولاتهم ورغباتهم الدراسية ومؤهلاتهم المعرفية والدراسية، وأهدافهم المهنية المستقبلية، في توافق/تناغم تام مع الشروط والقدرات البدنية والصحية والظروف/الامكانيات الاقتصادية (لأسرهم/المنح)، مع استحضار الأبعاد الاجتماعية (تمثلات representations الأسر والمتعلمين حول الشعب والمهن مثلا والجاذبية الاجتماعية-الرمزية لها)، وسمات وأنماط شخصياتهم، والحافزية النفسية-الداخلية لديهم (الرغبة)، والجانب المادي-المالي (مثل الأجرة وامتيازات المهن والوظائف) ...إلخ.

      يؤدي نجاح عملية) سيرورة( الاختيار والتوجيه الدراسيين إلى إفراز وربح موارد وطاقات بشرية ناجحة، على المستوى الفردي/الشخصي (الرضا النفسي والاقتناع الداخلي بالإنجاز)، والاجتماعي التفاعلي (المكانة والأهمية والمساهمة الايجابية في المجتمع)، والدراسي-التكوين-المهني (تناغم وتلائم الاختيار الدراسي مع التكوين ومع المهنة/الوظيفة)، والحياتي (كمشروع حياة  life projectمركب ومتكامل ومتفاعل الأبعاد تتسم فيه الشخصية بالتوازن والايجابية والقدرة على العطاء والابداع والانتاج والإيثار والتضحية والانتماء الفعلي العضوي).

       كما أن نجاح الأفراد حياتيا لا يقتصر تأثيره الايجابي عليهم وحدهم، ولا على أسرهم وعائلاتهم ومجتمعهم وحده، إنما يمتد ليشمل الوطن/الدولة/البلد ككل، لأن قوة الأوطان والدول تقاس بدرجة متانة وسلامة بناء وتصنيع ونجاح أفرادها/مواطنيها (الموارد البشرية). أكبر من ذلك، فنجاح أفراد/مواطني بلد أو دولة ما، يعني النجاح الحضاري الرمزي والتاريخي والإنساني له(ا)، لأنهم، أي أفراد/مواطني دولة ما، حالة نجاحم، سيكونون ذوات فاعلة ومنخرطة في البناء الحضاري لوطنهم، وأشخاص مشاركون بفعالية في صناعة تاريخه وأمجاده بدل أن يكونوا ضحايا  أو مهمشيه/مقصييهsubaltern/marginalised، و"مواطنون عالميون"  global citizens يخدمون قضايا الإنسان والإنسانية جمعاء، دون نعرة قوميةchauvinism  أو تعصب ديني ومذهبي، أو غلو وانحياز مبني على العرق واللغة والثقافة والجغرافيا والتمثلات الخاطئة   misrepresentationsوالأحكام/المفاهيم المسبقة prejudice/preconceptions ...

       تلك إذن بعض من جوانب وأبعاد فلسفة الاستشارة والمساعدة على الاختيار/التوجيه المناسب. وهي، بلا شك، عملية (سيرورة) جد مهمة  very important/significantفي حياة المتعلمين والمتعلمات وفي نفس الوقت مهمة task صعبة وخطيرة يقوم بها المستشار في التوجيه التربوي إلى جانب كافة المتدخلين الأخرين، مباشرين وغير مباشرين (أطر الإدارة، الأطر التربوية، الأسرة، الإعلام،  المحيط/الوسط، المناهج والبرامج)، نظرا للدقة المطلوبة فيها وحساسيتها من حيث النتائج والمآلات؛ لأن أي خطأ في الاختيار أو سوء توجيه قد يحرم الفرد من النجاح الفردي والدراسي والتكويني والمهني والحياتي ككل، وقد يحرم الأسرة والعائلة والمجتمع من "مشروع ممكن ومرغوب فيه"، بل قد يكلفها الكثير ويصبح "مشروعا عكسيا هداما" قوامه التعثر والاخفاق (الانقطاع عن الدراسة، الإدمان، التشرد، الفشل، الخمول، الصدمة، الاكتئاب، الإجرام ...)، كما أنه سيحرم الوطن/الدولة من مورد بشري يمكن الاستثمار فيه للمساهمة في تحقيق رهانات النهضة وتحديات التقدم ومستلزمات التنمية. وقد تفقد به الإنسانية جمعاء فردا ينتمي لها، كان بالإمكان أن يكون عالما، أو مفكرا، أو صانع أدوية أو أجهزة تنفس تنقد حياة ملايين البشر من كل الأعراق والأديان والأوطان، بدل أن تضيع تلك الثروة البشرية الهائلة في إدمان المخدرات وإزعاج المارة وتكسير السيارات عند انتهاء مباراة كرة القدم وإثارة الشغب والسرقة ونشر الأفكار السلبية والتيه والفقدان والاغتراب الوجودي-النفسي (فقدان معنى الحياة) والتخريب وانتاج الحقد/الحسد والاشاعات، وامتهان التحريض والتطرف والعنف اللغوي والثقافي والتعصب الديني والعرقي-الإثني...

        ومن عجائب وغرائب مشروع مرسوم رقم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي التربية الوطنية المصادق عليه يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023 أنه جاء ليقول للمستشارين في التوجيه التربوي أنكم أخطأتم التوجيه وأخطأتم الاختيار المهني، بعدما عدتم من حيث انطلقتم، بعد سنتي تكوين بمركز التوجيه والتخطيط التربوي بالرباط، وما تلا ذلك من الخسائر المادية والزمنية والاجتماعية والنفسية والمهنية الفادحة... لم تحسنوا توجيه أنفسكم ولم تحسنوا الاختيار، بعدما حرمتم من حقكم التاريخي في تغيير الإطار إلى مفتش في التوجيه التربوي (في غفلة منكم طبعا لعدم علمكم بالآتي وبعد تخلي الجميع عنكم، يا من يطلب منهم تقديم معلومات موثوقة وذات مصداقية)...

        لقد أسأتم التوجيه وأخطأتم الاختيار وخسرتم رهان مسار مهني محفز سمته الصعود والرقي الفردي والمهني، أنتم الذين يطلب منكم فعل كل الذي ذكر آنِفًا ب"جدية" و ضمير وإخلاص: القيام بمهام الاستشارة في التوجيه والمساعدة  على بلورة الاختيارات الدراسية والتكوينية والمهنية لفائدة المتعلمين والمتعلمات...لقد أخطأتم في توجيه أنفسكم يا من يقومون بمهام التوجيه وتقديم الاستشارة والإرشاد والمساعدة على الاختيار...

"(...) ملفات كثيرة وسجلات قديمة وحديثة كلها تحمل طابعاً موحداً للدماء وتوقيعات الافتراس التي قد تتباين نوعاً ما حسب مزاج ونفسية السيدة العنكبوت. ملفات وسجلات غير مرتبة وضعت عليها بعض جماجم حشرات  ثقيلة للحد من تحركها أو تطايرها إذا تسربت ريح قوة أو تحرك بيت السيدة إبان كل وقوع لفريسة ضخمة في شراكها… أو كلما لاقت مقاومة شرسة من فريسة غير عادية، وهي تصارع السيدة المميتة – القاتلة – الفتاكة من أجل النجاة، من أجل التحرر، من أجل البقاء والاستمتاع بمزيد من الحياة بعد ملامسة واحتكاك حقيقي مع الموت ! (...)"[1] 

[1] مقتطف من قصة  "سجلات السيدة العنكبوت" (حمزة الشافعي)، مجلة شرمولا الأدبية، قامشلو، سوريا.

رابط القصة النص:  https://shermola.net/?p=879 

 

حمزة الشافعي

تنغير-المغرب

google-playkhamsatmostaqltradent