قال عبد الخالق الرشيدي، أستاذ اللغة الإنجليزية بالأقسام التحضيرية للمدارس العليا، إن “النظام التعليمي المغربي يتخبط في إشكالات جمة ولا حصر، ومن بين الإشكالات التي تواجه القطاع وتؤرق الساهرين عليه هي مسألة اللغات الأجنبية والتدريس بها خلال المرحلة الثانوية”.
وطرح عبد الخالق الرشيدي، في مقال له، السؤال “هل حان الوقت لتحل الإنجليزية مكان الفرنسية؟”، قبل أن يتطرق لعدد من العوامل التي تجعل غالبية التلاميذ المغاربة يتقنون اللغة الإنجليزية ويحبون التواصل بها، عكس العلاقة التي تجمعهم باللغة الفرنسية.
هذا نص المقال:
إن المتتبع للنظام التعليمي المغربي يلاحظ أن القطاع يواجه ويتخبط في إشكالات جمة ولا حصر لها، رغم كثرة الترسانة القانونية ورغم مجهودات الدولة في هذا المجال والتي كان آخرها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030.
ومن بين الإشكالات التي تواجه القطاع وتؤرق الساهرين عليه هي مسألة اللغات الأجنبية والتدريس بها خلال المرحلة الثانوية. بهذا الخصوص يمكن القول إن المرحلة الابتدائية التي خلالها يتم تحضير التلاميذ للمرحلة الثانوية تعرف عراقيل شكلا ومضمونا. بحيث أن غالبية التلاميذ المغاربة وخاصة المتواجدين بالعالم القروي يعانون مشاكل جمة في تعلم اللغة الفرنسية ناهيك عن التحدث بها.
وذلك راجع بالأساس لطبيعة اللغة وعدم ربط المحتوى بقدرات التلاميذ ومحيطهم والحيز الزمني المخصص للمادة. وتشير التقارير الأخيرة الواردة من الوزارة ومن دراسات أجراها طلبة مغاربة إلى عدم إتقان التلاميذ والطلبة على حد سواء للغة الفرنسية، بل يصل الأمر إلى حد عدم التمكن من المهارات الأساسية ورغم ذلك يمرون إلى المستويات الموالية مما يزيد الطين بلة ويساهم في اتساع الهوة بين تلاميذ التعليم العمومي والخصوصي ويحول دون اندماجهم في سوق الشغل.
وخلال المرحلة الجامعية تصبح الفرنسية لغة التدريس داخل أروقة الجامعة المغربية الشيء الذي يحول دون توفق التلاميذ على المستوى الأكاديمي، ويدفع العديد منهم إلى تغيير مسارهم الأكاديمي هروبا من الفرنسية التي تصبح عائقا يحول دون نجاحهم.
ولا يقتصر الأمر على هذا النحو بل تأثيره يصل مداه إلى سوق الشغل وولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود. بحيث أن التحكم في الفرنسية كتابة وتكلما ظل معيارا رئيسيا خلال مقابلات الانتقاء للحصول على وضيفة أو الولوج إلى أحد المؤسسات المرموقة ككلية الطب والمعهد العالي للتجارة وإدارة الأعمال. فباستثناء فئة قليلة من طلبة المؤسسات الخصوصية ومؤسسات البعثات تخبرنا التقارير بأن غالبية الطلبة الخريجين بل حتى المتفوقين منهم يعانون مشاكل جمة في ضبط اللغة الفرنسية.
ورجوعا إلى المرحلة الابتدائية التي نعتبرها المرحلة المفصلية نجد أن أغلب التلاميذ يمرون إلى المستوى الموالي رغم عدم تمكنهم من المهارات اللازمة في اللغة الفرنسية كالكتابة والقراءة والتواصل. وعند الوصول إلى المرحلة الثانوية بشقيها يجد معظم التلاميذ صعوبة في مسايرة أساتذة المادة لأن المرحلة الثانوية تتطلب مهارات أخرى كالكتابة باللغة الفرنسية والتعبير بها وتحليل نصوص قصية مكتوبة من طرف أدباء فرنسيين. مما يجعل معظم التلاميذ ينفرون من المادة الشيء الذي يقودهم إلى الاستغراب اللغوي وبالتالي يدفعهم إلى كره المادة الشيء الذي يستمر معهم طيلة مسارهم الدراسي.
وعلى نقيض اللغة الفرنسية، تبقى اللغة الإنجليزية لغة أجنبية يتقنها غالبية التلاميذ المغاربة، وذلك نظرا لعوامل كثيرة يمكن إجمالها في انتشارها على المستوى العالمي، وارتباطها الوطيد بالتكنلوجيا واللعب الإلكترونية التي يدمن عليها غالبية مراهقينا اليوم. بحيث تشير التقارير الوزارية والبحوث التي تم إجراؤها في هذا الصدد إلى أن جل الطلبة المغاربة يتقنون اللغة الإنجليزية ويحبون التواصل بها، بل حتى أن بعض البحوث تمت مناقشتها باللغة الإنجليزية وهو ما دفع الوزارة أخيرا إلى تعميم اللغة الإنجليزية خلال مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي.
وفي انتظار تعميمها على المستوى الابتدائي تبقى إشكالية تدريس اللغات من النقط التي يجب إعطاؤها العناية اللازمة لا أن تخضع لأجندات سياسية وإيديولوجية مؤقتة.