في خضمّ استمرار فئة واسعة من الشغيلة التعليمية في التعبير عن رفض النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية، كشف مصدر مقرب من وزير التربية الوطنية أن الأخير يرفض تحميل مسؤولية “الوضعية المتردية” للمدرسة العمومية للأساتذة، ويؤكد على ضرورة “توفير الظروف ووسائل العمل والتكوين لهم، وفي الآن نفسه توضيح حقوقهم وواجباتهم”.
وفي وقت يرفض الأساتذة المهامّ التي جاء بها النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية، كشف المصدر ذاته أن النظام الذي اضطرت الحكومة إلى “تجميده” تمهيدا لمراجعته في إطار الحوار مع النقابات جاء لتحديد أدوار الأساتذة، والأعمال التي يمكن القيام بها في إطار تقديم دروس الدعم للتلاميذ (الساعات الإضافية)، خارج ساعات العمل، بشكل تطوُّعي ودون إلزام، إضافة إلى الأنشطة الموازية، كالمسرح… في أفق إدماجها في النظام التعليمي.
وفي وقت يتخوف الأساتذة أن تكون المهامّ المسنودة إليهم بمقتضى النظام الأساسي خطوة لـ”التحكّم في مصائرهم” من طرف مديري المؤسسات التعليمية، وتسهيل فصْلهم، بناء على التقارير التي يرفعونها إلى الوزارة، أفاد المصدر المقرب من وزير التربية الوطنية بأن الأخير لا يسعى إلى التضييق على الأساتذة أو وضعهم في وضعية هشة إزاء الإدارة، قائلا: “إذا افترضنا أننا فصلْنا أستاذا فإن المتضرر الأول هو التلاميذ. والوزارة تسعى إلى الرفع من عدد الأساتذة للحد من اكتظاظ التلاميذ في الأقسام، وتجويد التعليم”.
وبخصوص اعتماد التوظيف الجهوي للأساتذة، عن طريق الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، تفيد المعطيات المتوفرة بأن دافعَ الوزارة إلى هذا الخيار له علاقة بتفادي تنقيطٍ سلبي، بسبب ارتفاع كتلة الأجور، من طرف وكالات التنقيط الدولية التي تضع المؤشرات المالية للدول.
وبينما تقول تنسيقيات الأساتذة إن نسب المشاركة في الإضراب الذي تخوضه الشغيلة التعليمية مرتفعة جدا، قدّر المصدر المسؤول في وزارة التربية الوطنية عدد الأساتذة المضربين عن العمل بـ100 ألف، من أصل 300 ألف، مضيفا: “هناك إضرابات لكن المؤسسات التعليمية تعمل”.
وتعلق وزارة التربية الوطنية أملا على الحوار مع النقابات لإقناع الأساتذة بالعودة إلى الأقسام، في وقت لم تقرر بعد طريقة استدراك التلاميذ ما ضاع من الزمن الدراسي، إذ تطرح عدة خيارات، منها تقديم دعم للتلاميذ خلال العطلة البينية المقبلة داخل المدارس من طرف أساتذتهم، بشكل تطوعي.
مدرسة الريادة… قاطرة إصلاح التعليم
من جهة ثانية، يَعقد وزير التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة آمالا كبيرة على “مَدرسة الريادة” كقاطرة لإخراج المدرسة المغربية العمومية من الأزمة التي تتخبط فيها، ويعكسها المستوى المتدنّي جدا للتلاميذ، بحسب التقييمات الرسمية الوطنية، والتقييمات الدولية.
وكشف المصدر الذي تحدث إلى هسبريس أن وزير التربية الوطنية يَعتبر مشروع “مدرسة الريادة” الذي انطلق بداية الموسم الدراسي الحالي “خطا أحمرَ لا يمكن التراجع عنه”، وأنه يتابع، شخصيا، تفاصيل تنزيله، وسيدافع عنه بشدة طالما بقي في منصبه، “لأن المشروعَ أعطى نتائج”.
ويبلغ عدد المؤسسات التعليمية المنخرطة في مشروع “مدرسة الريادة” 628 مؤسسة، يدرُس فيها 320 ألف تلميذة وتلميذ، ويدرِّس بها 11 ألف أستاذة وأستاذ، ويشرف على إدارتها حوالي 1000 من الأطر التربوية.
وذهب المصدر ذاته إلى القول إن “مدارس الريادة” “غيّرت حتى صورة مهنة الأستاذ، مع البرهنة على أن المؤسسة التعليمية العمومية يمكن أن تقدم تعليما ذا جودة ربما أفضل من بعض المدارس الخاصة”، وأشار إلى أنها “تضاهي المدارس الخاصة، سواء من حيث التجهيزات، حيث جُهّزت بالوسائل الرقمية من سبورات، وحواسيب للأساتذة، أو من حيث طُرق التدريس المعتمدة، حيث تم اعتماد طرُق حديثة مثل إدماج الألعاب في التدريس لفهم الدروس بطريقة مبدعة، والتعلّم عبر الأنترنيت… إضافة إلى إشراك آباء وأمهات التلاميذ في تتبع المسار الدراسي لأطفالهم”.
وتقوم وزارة التربية الوطنية بمنح دفاتر الأنشطة “livrets d’activités” لجميع التلاميذ المتمدرسين في مدارس الريادة، حيث توفّر، كل أسبوع، 320 ألف نسخة منها.
وأجرت الوزارة تقييما لمستوى تلاميذ مدارس الريادة، أشرفت على إنجازه أطر من خارج المنظومة، وشمل مواد اللغة العربية والفرنسية والرياضيات، وأظهرت نتائجه أن “التلاميذ تحسّن مستواهم بشكل كبير، وتطوّر بما يعادل سنة إضافية”، بحسب المصدر ذاته.
وسبق لوزير التربية الوطنية أن وصف مستوى تعليم التلاميذ في المؤسسات التعليمية العمومية “العادية” بـ”الكارثي”، إذ أظهرت نتائج تقييم أنجزته الوزارة أن 23 في المائة فقط من تلاميذ المستوى السادس ابتدائي يتمكنون من قراءة نص باللغة العربية من ثلاثين كلمة بشكل سلس.
وتتميز طريقة التدريس في “مدرسة الريادة” عن الطريقة المعتمد في باقي المدارس العمومية، علاوة على استعمال التكنولوجيا الحديثة، بتغليب التفاعل بين الأستاذ والتلاميذ على التلقين، حيث يُقدم الأستاذ العرض، ويفسّر للتلاميذ كيفية إنجاز التمرين، ثم يطلب منهم إنجازه بشكل جماعي، ثم بشكل فردي، للتأكد من فهمهم واستيعابهم الدرس. ولا يتم الانتقال إلى الحصة الموالية إلا بعد التأكد من أن 80 في المائة من التلاميذ استوعبوا الدرس.
وتحدّد وزارة التربية الوطنية الانتظارات المأمولة من “مدرسة الريادة” في نهاية السنة الدراسية بشكل دقيق، من أجل تقييم النتائج المحققة، ومعرفة مكامن التي الخلل التي تنبغي معالجتها في حال لم تتحقق كل الانتظارات المتوقعة.
وجوابا عن سؤال لهسبريس حول الكلفة المالية لـ”مدرسة الريادة”، أفاد المصدر الرفيع من وزارة التربية الوطنية بأن هذا الأمر لن يطرح إشكالا، “فقد لا تتجاوز كلفة تجهيز مؤسسة مائة ألف درهم”؛ مشيرا إلى أن الوزارة تضع رهن إشارة مديري هذه المؤسسات ميزانية سنوية تقدر بما بين 50 إلى 100 ألف درهم، لتدبير احتياجات المؤسسة، فضلا عن تخصيص تحفيز مادي للأساتذة بقيمة عشرة آلاف درهم سنويا.
وتعتزم الوزارة تعميم “مدرسة الريادة” في مستوى التعليم الابتدائي، في غضون ثلاث أو أربع سنوات، بمعدّل 2000 مؤسسة تعليمية إضافية في السنة، على أن يُشرع في بدء التجربة في سلْك الثانوي الإعدادي ابتداء من السنة المقبلة.