إن المرحلة الراهنة تقتضي الوقوف بشموخ للصدح بقول الحق، ولو لم يعجب ذلك بعض ” المتنطعين”، ممن يرون في الأمر خنوعا وخيانة أو ماشابه ذلك…
إن المرحلة الراهنة تقتضي، التحرك بقوة لوضع حد لحمَّى الاحتجاجات والمسيرات عبر الانصات بامعان لمطالب المحتجين والمحتجات الذين رفعوا ولازالوا يرفعون شعار ” اسقاط النظام الأساسي الجديد”….أو حتى ممن يطالبون بتعديلات شاملة تروم تحقيق الزيادة في الأجور وضمان الكرامة…
هو صراع الدِّيَّكة إذن، القائم بين الوزارة والنقابات ومعها التنسيقيات، صراع يأمل من ورائه المتعلم المغلوب على أمره أن يأتي يوم، وتنعم فيه المدرسة العمومية بالاستقرار والحيوية والنشاط بعيدا عن المزايدات والصراعات والتطاحنات، ضمانا لحقه في التمدرس، وصيانة لكرامة التركيبة الإداريةو التربوية، كفضاء تربوي تغلب فيه المصلحة الفضلى على المصالح الشخصية…
هو صراع الدِّيَّكة إذن، الذي سيساهم بلاشك في نزوح فئة كبيرة من المتعلمين نحو الدروس الخصوصية سواء بالمؤسسات أو المراكز أو البيوت بأسعار خيالية، مما سيؤدي لا محالة إلى إقبار المدرسة العمومية….
خوفٌ يسود بين كافة المهتمين والفاعلين والمتدخلين من أن يؤدي صراع الديكة هذا إلى اقبار المدرسة العمومية، في ظل تنامي الاتهامات بين الوزارة والنقابات، تراوحت ما بين التلاعب بمصير المتعلمين والمتعلمات واستخدامهم كذروع في هذا الصراع، وبين النقابات التي اتهمت الوزارة بالتعسف وتهريب النظام الأساسي والانقلاب على الاتفاقات وغلق باب الحوار والقرارات الارتجالية…
في خضم ” صراع الديكة هذا”، وجد البعض ضالتهم، خاصة من الأساتذة المضربين، الذين لم يجدوا أي حرج في الجهر بممارستهم للدروس الخصوصية جهارا نهارا وليلا، فيما آخرون قاطعوا التعامل والتفاعل مع المذكرات والمراسلات والاجتماعات داخل المؤسسات التعليمية، وكذا عدم تفعيل أنشطة الحياة المدرسية وما شابه ذلك، لكن في المقابل، تجدهم حريصين على تطبيق مضامين المذكرات التي تعنيهم شخصيا من قبيل مذكرات الحركة الانتقالية، أو كالتي لها علاقة بالترقيات الداخلية، في صورة تنم عن ازدواجية في التعامل مع طبيعة الاحتجاج….
مُعضلة الساعات الإضافية التي يرى البعض فيها سرطانا ينخر القطاع، حتى إن الدولة لربما وقفت عاجزة أمام تقنين هذا المحظور الذي يُمارس في أماكن غيّر لائقة وأحيانا في أزمنة ليلية، وفي الغالب من طرف أساتذة غير مؤهلين للتدريس النظامي ومن دون تأمين للتلاميذ، كما تمارس فيه أحيانا ما يشبه بالتمويه التربوي حينما يقدم الأستاذ نفسه على أنه من المقربين من قرار الامتحانات وأنه الأقرب لمعرفة محتوى الامتحان النهائي، من الابتدائي إلى الثانوي…
الحالة هاته، أشبه بتهريب المرضى من المستشفيات العمومية صوب المصحات الخاصة بدعوى انهيار المنظومة الصحية العمومية، وهي الصورة التي تنطبق على مايبدو برأي محللين، على واقع المدرسة العمومية ومحاولة البعض النيل منها لصالح المدرسة الخصوصية، علما أن الدراسات أثبتت أن المتعلم بالمدرسة النظامية وعلى الرغم من تلقيه جرعات إضافية من الدروس الخصوصية في مختلف المواد، (يبقى) مستواه الدراسي أقل بكثير مقارنة بمتعلم زمن ثمانينات القرن الماضي الذي كان يكتفي بالدروس النظامية فقط مع قنينة شاي محكمة الاغلاق بقطعة جزر و”كسْرة” خبز يابسة…
المرحلة دقيقة وحرجة ومؤلمة وتتعلق بهضم حقوق العباد، سواء تعلق الأمر بحقوق المدرسين أو المتعلمين وآبائهم وأولياء أمورهم…هؤلاء الذين رفعوا شعار ” وليداتنا في خطر”، من بينهم من سارع إلى حجز مقعد لابنه بمدرسة خاصة، أو اكتفى بتطعيمه ساعات إضافية بإحدى مراكز الدعم التربوي الخاصة المؤدى عنها طبعا، في محاولة منه لتعويض ما فات من دروس نتيجة التوقفات بسبب الاضرابات…فيما أبناء الفقراء مآلهم الشارع في انتظار انفراج سحابة الاحتجاجات…
فيما آباء وأولياء أمور آخرون عبروا بالقول: ” نحن لا نُعارض احتجاجات الأساتذة ومطالبتهم بحقوقهم المشروعة، لكن ذلك لايجب أن يكون على حساب أطفالهم… وكأنهم يقولون لهم: ” احتجوا وانتفضوا بعيدا عن أبنائنا…”.. مرجعيتهم في ذلك بأن أصول الإضراب تقتضي بقاء المُضرب في مكان عمله دون مزاولة نشاطه، وعلى الإدارة إدخال التلاميذ إلى الأقسام، وفي حال لم تجد هذه الإدارة بديلا للأستاذ المُضرب، حينها تقوم باخراجهم مع اجبارهم على العودة للمدرسة في اليوم الموالي…..
لكن واقع الحال اليوم يثبت العكس، حيث إن جل المضربين والمضربات لا يلتحقون بمؤسساتهم التعليمية وهذا في نظر كثيرين خرق سافر لمبدأ استمرارية المرفق العام…
فيما آباء وأولياء أمور آخرون كان لهم رأي آخر، حين قالوا بأن الإضراب الحقيقي هو أن يمتنع الأستاذ المُضرب عن الأكل والشرب مثلما يفعل المواطن البسيط لنيل حقوقه المشروعة، وبالموازاة مع ذلك يواصل عمله بشكل طبيعي داخل فصله، وإن اقتضى الحال يحتج مع أسرته وصغاره أمام مؤسسته كما يفعل كثيرون في مواجهة إداراتهم، بدل أن يستغلّ تلامذته في صراع قائم الله وحده يعلم مستقره ومستودعه..
متى سيضع ” صراع الديكة” أوزاره، ويعلو صوت الحكمة، وترد الحقوق إلى أصحابها؟
إلى متى سيجد جمهور المتعلمين والمتعلمات من أبناء المغاربة وخاصة الفقراء منهم والبسطاء فرصة لمعانقة مؤسساتهم التعليمية، بدل تركهم تائهين عُرضة لخطر المخدرات والعنف المدرسي وشبح الهدر المدرسي؟