يبدو أن “التدبير التّرابي لملف التّعليم” لم يكن “خبراً سارّا” بالنّسبة للشّغيلة التّعليمية، التي أعربت عن تحفظها منذ أمس على ما اعتبرته “دخولا من طرف وزارة الدّاخلية على خطّ ملف يعرف تعثراً على مستوى وزارة التّربية الوطنيّة، وأيضاً على مستوى الحكُومة، بعد تشكيل اللّجنة الثلاثيّة لمواكبة الموضوع”. ورغم أن إمساك “ولاة المملكة” بخيط الملف يبقى في إطار اختصاصاتهم وصلاحياتهم القانونية فإنه “أثار امتعاض” مكوّنات “التّنسيق الوطني”.
فعاليات رسميّة ومدنيّة تنادي بحماية حقوق التّلاميذ وتزكي تدخّل الولاة، دافعةً بحقيقة أن القطاع التعليمي يعدّ “شأنا جماعيّا بامتياز”، بيد أن المكوّنات الفئويّة التي تواصلت مع هسبريس بهذا الخصوص لم تنكر أن “تدخّل وزارة الدّاخلية سيساهمُ في مُفاقمة الغضب في صفوف رجال ونساء التّعليم، لكونه سيواصل وضع المخطّطات والحلول التّرقيعية دون أخذ إذن رجال ونساء التعليم، باعتبارهم الفئة المعنية بشكل مباشر بهذا الملف”، بحسبها.
في هذا الصدد، قال عبد الوهاب السحيمي، عضو تنسيقية الأساتذة حاملي الشهادات، إن “وزارة التّربية الوطنيّة تريد تصحيح أخطائها التي اقترفتها بأخطاء أكثر فداحة ستدخل الملف التعليمي في نفق لا مخرج منه على ما يبدو”، مردفا: “الاتجاه إلى الحل ليس صعبا، لكن ليست هناك نية للخروج من الاحتقان، خصوصا أننا سمعنا أنه سيتم الاعتماد على طلبة لكي يعوضوا الأساتذة في المدارس، وهذا يبين أن الحل الترقيعي هو الذي تراه الوزارة مناسبا من خلال الاستعانة بوزارة الداخلية”.
وأفاد السحيمي، في تصريحه لجريدة هسبريس، بأن “الوصفة التي تقدمها وزارة الداخلية لا يمكن أن تعوض 280 ألف رجل وامرأة تعليم، ولن توفر لهم التكوين المخول لهم ممارسة التدريس عوضا عن الأساتذة”، مؤكدا أن “هذه المقاربة التعويضية التصعيدية وتدخل وزارة الداخلية يورطان أكثر وزارة التّربية الوطنية؛ ما يزيد من احتقان رجال ونساء التعليم الذين يتضح أنهم ليسوا عازمين على التراجع عن ملفهم المطلبي إلى حين الاستجابة للانتظارات بوضوح”.
وقال المتحدث ذاته: “نحن نرفض تدخّل الولاة، حتى لو كانت الصّلاحيات القانونية تخول لهم ذلك، لكونها ستفضي إلى المزيد من التصعيد في صفوف شغيلة تعليميّة”، وزاد موضحا: “لا نحبّذ أن تصطفّ وزارة الداخلية ضد الأساتذة، لأن ذلك سيساهم في تنامي الإحباط لدى المعنيين، فالملف رسميا مازال في يد وزارة التربية الوطنية، ولم يسحب منها، لهذا نعتبر أن تدخل وزارة أخرى يمكن أن تضفي بعدا آخر على المسار الاحتجاجي”.
من جانبه، اعتبر زهير هبولة، عضو المكتب الوطني لـ”التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية المقصيين من خارج السلم”، أن “وزارة التّربية الوطنية تبقى لها الصّلاحية في تنصيب الأطراف التي تعتبرها مساهمة في حل هذا الملف، في ظلّ المقاربة التّشاركية الخاصة بها”، مؤكدا أن “التنسيق الوطني لقطاع التعليم من الجهة الأخرى لا يرحّب نهائيّا بتدخّل هذه الوزارة، لكونها من النّاحية العمليّة لا علاقة لها بملف التعليم ولا بالنظام الأساسي”.
وأضاف هبولة، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “وزارة الدّاخلية سبق أن استمعت فعلا للتنسيقيات في فترة سابقة، لكن الحوار هذه المرة مع التّنسيقيات الفئويّة المكوّنة للتنسيق الوطني يجبُ أن يكون بشكل رسمي مع الحكومة أو مع وزارة التّربية الوطنيّة، باعتبارها الوصيّة على القطاع، والمخول لها حل هذه الإشكالات العالقة”، مسجلاً أن “الأخبار التي تروج عن استدعاء الوزارة مطرودين من التّنسيقيات هو إشارة أخرى إلى عدم نية الوزارة فك الاحتقان”.
وشدد عضو “التنسيق الوطني لقطاع التعليم” على أن “الشغيلة التعليمية مازالت متمسكة بمطالبها العادلة، وإنهاء الإشكال رهين بالاستجابة العاجلة حفاظا على سلامة وسير الموسم الدّراسي”، موضحا أن “دخول وزارة الداخلية وإشهار أوراق الحلول الترقيعية لن يُطفئ غضب الأساتذة الذين تعرّضوا لإهانات متواصلة، والحل لن يكون بيدي الولاة والعمال، ولكن يوجد في إرادة سياسية حقيقية يجب أن نلمسها في خطابات المسؤولين المباشرين عن هذا القطاع”.
يشار إلى أن وزارة الداخلية وجهت مذكرة مستعجلة للولاة والعمال، من أجل مباشرة التدخل في ملف الإضراب الذي نجم عنه شلل المؤسسات التعليمية، مع ما نتج عنه من هدر غير مسبوق للزمن المدرسي. وتبعا لذلك عقد العمال لقاءات مع الجهات الفاعلية الرّسمية وجمعيات الآباء والأولياء لأجل إيجاد صيغ لتجاوز هذا الاحتقان.