أدخل التصعيد المتواصل في قطاع التربية الوطنية المدرسة العمومية في نوع من “الشلل”، عقب سلسلة من الإضرابات المتواصلة عن العمل التي تخوضها الشغيلة التعليمية إعلانا “للرفض المطلق للنظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية.
وبعد أن دخل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بدوره على الخط، طُرح للنقاش من جديد الدور الذي يمكن أن تلعبه الفعاليات المدنية في إطار الوساطة، خصوصا جمعيات آباء وأولياء التلاميذ المُمثلة لحق المتعلمين.
وطُرح سؤال “الوساطة والتوفيق” حين خرجت هذه الجمعيات في مسيرات احتجاجية جمعت التلاميذ والآباء في مدن مغربية عدة، وبدا بعدها أن “النمط الاحتجاجي القديم لم يعد مجديا”، لكون الشغيلة التعليمية عازمة على البقاء في الساحة الاحتجاجية حتى تحقيق “مطالبها المشروعة”، التي تتهم فيها وزارة بنموسى بأنها “تتعنت في الاستجابة لها”، ما أفضى إلى هدر ساعات غفيرة من الزمن المدرسي منذ انطلاق السنة الحالية.
علي فناش، نائب رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعية آباء وأمهات وأولياء التلامذة بالمغرب، قال إن “مسألة الوساطة التي يخولها القانون للهيئات المدنية مطروحة للنقاش داخل هياكل الفيدرالية، التي لن تتردد مجددا في حماية الزمن المدرسي وحماية حق التلاميذ في تعليم جيد بفرص متكافئة”، لكنه استدرك بأن “هناك صعوبة اليوم في تحديد أطراف الوساطة”.
وشدد فناش، ضمن تصريح لهسبريس، على أن “الفيدرالية لعبت هذا الدور الذي يخوله لها القانون، كهيئة مدنية، سابقا في الأقاليم الجنوبية منذ عقد من الزمن، وبالتالي تلك التجربة كانت ثمارها تأكيداً للدور الذي يمكن لجمعيات الآباء المعترف بها القيام به”، مبرزا أن “الإشكال الذي نواجهه هو التشتت الذي يطبعُ الصف المقابل للوزارة، وذلك بعدما اتضح أن النقابات الأكثر تمثيلية لم تعد حاصلةً على الإجماع”.
وأكد المتحدث أن “الحوار من المفترض أن يكون مع النقابات التمثيلية، لكن ظهور تنسيقيات حاضرة في النقاش بقوة أربك هذا المُخاطب التقليدي، الذي صار يبدو غير ممثل للجميع حسب ما تقوله الشغيلة التعليمية المعنية ذاتها”، موردا أن “الوزارة بدورها صارت تجد مشكلاً في هذا الجانب، فكل حوار مع النقابات يمكن أن ترفضه بعض التنسيقيات”.
ولم يخف الفاعل المدني في قطاع آباء وأمهات وأولياء التلامذة بالمغرب أن “مسألة الوساطة حاضرة، كفعل مواطناتي، لكن علينا أولا في الفيدرالية تحديد الأطراف، لأن هذا الانفلات بلغ شكلا خطيرا ينذر بكوارث في النظام التعليمي العمومي”، مناشدا الملك محمدا السادس “التدخل لإنقاذ قطاع حيوي واستراتيجي”، مشيرا إلى أن “رئيس الحكومة بنفسه يمكنه أن يوقف هذا الاحتقان، ونحن نطرح أنفسنا كوسيط أيضا لوقفه”.
من جانبه، اعتبر بناصر البوشتاوي، من جمعية آباء إحدى المؤسسات التربوية بجهة الرباط، أن “خيار الوساطة مهم وراهني وأساسي، لكن هذه المرة الوضع لا يوحي بأنه سيكون هناك هامش لممارسة هذا الخيار، بما أن المطالب كبيرة، وبالتالي هذه الوساطة لا يمكن أن تكون على حساب حقوق الأستاذ، بل يجب أن تكون هناك أرضية تمكن من القيام بهذا الدور، بعدما صار التعليم العمومي رديفا للفوضى في السنوات الأخيرة”.
وشدد البوشتاوي، ضمن تصريح لهسبريس، على أن “الفيدرالية الوطنية لجمعية آباء وأمهات وأولياء التلامذة بالمغرب، التي تمثلنا، عليها أن تبذُل مجهوداً مُضاعفاً لكي تهيئ مجالا لاستئناف النقاش، باعتبارها ممثلاً أخلاقيا وقانونيا للتلاميذ وذويهم”، وأكد أن “كل الأطراف الفاعلين في التعليم عليهم وقف هذا الجو الاحتجاجي والتصعيدي من خلال البحث عن التوافق الذي لا يتم سوى عبر الحوار، وفعاليات هيئات الآباء يمكنُ أن تُساهم بكل تأكيد”.
وأوضح أن “الفعاليات المدنية النشطة ضمن خانة الآباء والأوليات لا بد أن تعيد النظر في وسائل عملها بعدما اتضح أن الرفض والاحتجاج والاستنكار تدابير لم تعد مجدية؛ فلا شك أن خلق آليات جديدة لحماية مصلحة التلاميذ وحماية المدرسة العمومية وضمان تكافؤ الفرص في القطاع التعليمي، حاجة تاريخية”، مؤكدا أن “لعب دور التحكيم أو الوساطة، بعد أن تقبل الأطراف المعنية ذلك، سيكون مفيداً للجميع، وأساسا للتلميذ”.