عرف النظام الأساسي لموظفي قطاع
التربية الوطنية الصادر شهر أكتوبر 2023 حركة احتجاجية غير مسبوقة في قطاع التربية
الوطنية، حيث انتفض أساتذة القطاع ضده وخاضوا احتجاجات مسترسلة مطالبين بإسقاطه مع
مطالب أخرى رافقت ذلك، وقد طفت على السطح عددا من النقاشات السطحية والساذجة
المنتشرة بكثرة حول مواضيع تقزيم العطلة السنوية ومدلول عبارة “قطاع التربية”
وعبارة “الموارد البشرية”، والإشارة إلى تحديد ساعات العمل من قبل السلطة
الحكومية، إلخ.
يجدر بنا أن ننوه باعتراف الحكومة
بضرورة تجويد النظام الأساسي وتعديل مواده، وهو اعتراف ضمني بالتقصير المصاحب لبعض
مواد هذا النظام، وقبل الحديث عنها والمقترحات الخاصة بتعديلها، فإننا نسجل
إيجابيات هذا النظام الأساسي، وأخص بالذكر أمرين اثنين، أولهما: إقرار الدرجة
الممتازة لعدد مهم من أطر القطاع، ثانيهما: محاربة التفيئة والتفرقة في الجسم
التعليمي من خلال إدماج أطر الأكاديميات مع زملائهم في نفس النظام ووحدة المسار.
أما الملاحظات الموجهة إلى النظام
الأساسي المذكور، فيمكن الحديث عنها من خلال النقاط الآتية:
1 ــ بالنسبة للباب
التاسع، الخاص بالعقوبات التأديبية، أقترح حذفه كليا بمادتيه 64 ــ 65، لأن إثباته
في النظام الأساسي يعد مخالفة دستورية، ويمكن لهذا الباب أن يكون سببا لإسقاط
النظام الأساسي قضائيا، وهذا ما لا أحبذه لما تضمنه من إيجابيات قد ننتظر أمدا
لإرجاعها.
ويتجلى العيب القانوني في هذا الباب من
عدة وجوه:
أ ــ العقوبات تندرج ضمن التشريع،
والتشريع من اختصاص القانون، وليس من اختصاص المراسيم، والنظام الأساسي صادر
بمرسوم، فهل يعقل أن يتولى المرسوم التشريع؟ وهل يعقل أن يتضمن المرسوم عقوبات تصل
إلى حد العزل من العمل أو توقيف الأجرة أو غيرهما من العقوبات؟
ب ــ ينص الفصل 71 من الدستور الصادر
سنة 2011 أن القانون هو الذي يختص بالتشريع، والنظام الأساسي ليس قانونا، وهو مجرد
مرسوم لا يمر عبر البرلمان ولا يناقش أو يصادق عليه هناك.
ج ــ ينص الفصل السابق من الدستور على
القوانين التي لها حق التشريع، وذكر منها “النظام الأساسي للوظيفة العمومية”، مما
يدل على أن العقوبات التي تطبق على الموارد البشرية في قطاع التربية الوطنية ينبغي
اللجوء في شأنها إلى قانون الوظيفة العمومية 1958.
د ــ يعد الفصل 72 من الدستور واضحا في
موضوعنا، إذ تقول مادته: “يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص
القانون”، والمجال التنظيمي هو مجال اشتغال النظام الأساسي، لذلك لا يجوز له أن
يشمل العقوبات، لأنها تشريع، والتشريع من اختصاص القانون.
هـ ــ بالعودة إلى الفصل 4 من النظام
الأساسي العام للوظيفة العمومية، فإننا نجد في فقرته الثانية التسوية بين رجال
التعليم وموظفي هيأة كتابة الضبط بقطاع العدل في شأن إصدار قوانين أساسية خاصة
بالقطاع، وبعد العودة إلى النظام الأساسي لهيأة كتابة الضبط الصادر سنة 2011، نجده
خاليا من باب العقوبات، فلماذا غابت العقوبات في النظام الأساسي لكتاب الضبط وحضرت
في النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية؟
بناء على ما سبق، نقترح على الحكومة
ضرورة المبادرة والإسراع إلى إلغاء باب العقوبات بمادتيه من النظام الأساسي صونا
له من العيوب القانونية.
2 ــ نص النظام الأساسي
على تسقيف السن بالنسبة لمن يريد الحصول على وظيفة بالقطاع، وحصر ذلك في سن 30،
بخلاف النظام الأساسي الخاص بموظفي هيأة كتابة الضبط، فإن المادة 33 منه جعلت
التسقيف في 40 سنة، مع فتح باب الاستثناء، وهذه المادة نرى وجاهة تعديلها بما يتلاءم
مع هيأة كتابة الضبط على اعتبار أن منتسبي الهيأتين منضوون تحت مظلة قانون 1958
الخاص بالوظيفة العمومية.
3 ــ تنص المادة 52 من
النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية على التقييم السنوي للأداء
المهني، وبنت ذلك على معايير ومؤشرات، منها “المشاركة في تحسين مردودية المؤسسة”،
وهذا غير سائغ على الإطلاق، إذ كيف ندرك بناء على مؤشر ملموس مشاركة الأستاذ في تحسين
مردودية المؤسسة، وبناء على هذا العسر التطبيقي، فإننا قد نسوي بين جميع أساتذة
المؤسسة على اعتبار أنهم جميعا مسهمون في ذلك ومشاركون فيه، كما أن المؤسسات
التعليمية تستقبل التلاميذ الذين يفدون عليها من روافد متعددة مصحوبين بتعثرات
تعليمية متفاوتة، فكيف يتحمل مسؤوليتهم أساتذة المؤسسة المستقبِلة؟
بناء على عسر أجرأة هذا المؤشر ولا
معقوليته، فإن إلغاءه لا يخلو من وجاهة في ورش التعديل الذي وعدت به الحكومة.
4 ــ ضمت المادة 15
مجموعة من المهام التي يتولاها أطر هيأة التدريس، وهي في الجملة مهام كان هؤلاء
الأطر مكلفين بها سابقا، لكن بعضها كان إلزاميا، وكان البعض الآخر تطوعيا، أما
حشرها مجموعةً في مادة واحدة في هذا النظام فإنه أحدث نوعا من القلق خشية أن تكون
كلها إلزامية، ورغم أن وزير القطاع عبر في إحدى خرجاته الإعلامية إلى أن ما كان
تطوعيا سيبقى كذلك، فإنه؛ رفعا للبس والتخوف؛ يستحسن أن يتم تقسيم هذه المادة إلى
مادتين، الأولى خاصة بالمهام الإلزامية، والثانية خاصة بالمهام التطوعية.
وإذا تمت الإشارة إلى إلزامية بعض
المهام، تلغى المادة 69 تلافيا للتكرار.
5 ــ من التعديلات التي
أطمح إلى تحقيقها في النظام الأساسي، حذف مدرسة الريادة وما يتعلق بها، لأنها مجرد
مشروع وزيرٍ قد يتغير بتغير الوزير، مثل مشروع مدارس التميز التي ألغاها الوزير
محمد الوفا رحمه الله، ومن المعيب أن يكون مشروع كهذا منصوصا عليه في نظام أساسي.
هذه أهم التعديلات العاجلة التي لا
تتطلب ميزانية تذكر، ولا تتطلب تفكيرا عميقا، وأعطف عليها بتعديلين آخرين رئيسين:
أولهما: من غير السائغ أن تشتغل
الموارد البشرية أكثر من ثلاثة عقود ولا تحصل على الترقية إلى مرتين، من الدرجة
الثانية إلى الدرجة الأولى، ومن الدرجة الأولى إلى الدرجة الممتازة، في حين أن
الترقية الثالثة هي العنصر الأهم في تحفيز الموظف وتشجيعه وإخراجه من البلوكاج
المادي، لذا كان من الضروري إدراج الدرجة الاستثنائية في النظام الأساسي، لأنها
متوافق عليها في حوار مجتمعي سابق، ولا تحتاج إلا إلى الأجرأة والتطبيق.
ثانيهما: تعرف الأرقام الاستدلالية
المنصوص عليها في النظام الأساسي نوعا من الجمود، وغير خاف على الحكومة أهمية
خلخلة تلك الأرقام ومدى انعكاسها على الوضعية المادية للموظف، لذلك، يستحسن إدخال
تعديلات على تلك الأرقام كما وقع في النظام الأساسي لموظفي هيأة كتاب الضبط.
وفي الختام، أرى أن اعتراف الحكومة على
لسان رئيسها بضرورة إخضاع النظام الأساسي للتجويد لدليل على أحقية أطر القطاع في
حركتهم الاحتجاجية، لذا، لا أرى مسوغا منطقيا للاقتطاع من الأجور، ما دام أن
الإضرابات كانت بسبب التقصير الواقع من الوزارة وشركائها أثناء فترة التشاور
والصياغة، وإذا عوقب المحتجون بالاقتطاع بدعوى مباشرة فعل التغيب، فإنه يجب معاقبة
المقصرين الذين تسببوا في ذلك التغيب والاحتقان، والقاعدة تقول: المسبب كالمباشر.
لهذا التوجيه، ولعدم وجود قانون منظم للإضراب، فإن الحكومة ملزمة أخلاقيا بعدم
الإقدام على الاقتطاع من أجور المضربين، تعبيرا منها على حسن النية، إذ من غير
المعقول أن تطالب المحتجين بحسن النية دون أن تبادر هي إلى حسن نية مقابل.
مقال لكاتبه
عبد الله الجباري بتاريخ 17 نونبر 2023