وإذا كانت الديمقراطية السياسية والاجتماعية تحتاج لكلفة مالية لضمان استمرارها في أداء مهامها في ضمان الاستقرار الاجتماعي، فإن هذا الدعم العمومي السخي لا بد أن تتم حمايته بإخراج قانون ينظم النقابات ويضع المكبر على تدبيرها المالي والديمقراطي. لقد مرت 12 سنة على اعتماد الدستور الحالي النقابات كفاعل اجتماعي دستوري وما زلنا ننتظر إخراج القانون رغم أنه لا وجود لمؤشرات في الأفق.
والأكيد أن النقابات غير متحمسة لإصدار قانون بمثابة دركي يحاسبها عن تدبيرها المالي وانتظام مؤتمراتها وشروط العضوية فيها، لأن ذلك سيقضي على مصالح تجار العمل النقابي الذين حولوا النقابات إلى دكان يبيع خدمات الوساطة للمنخرطين.
والحقيقة التي يعلمها النقابيون قبل غيرهم أن العمل النقابي أصبح مليئا بالريع والزبونية والمحسوبية، فلن تجد نقابة واحدة لا تحصل على المئات من رخص التفرغ والتدخلات في الحركات الانتقالية الجهوية والوطنية والحصول على مناصب المسؤولية في الإدارات المركزية مقابل الصمت. لكن أكبر معاقل الاختلالات هي ما يتعلق بالتدبير المالي حيث ما زالت محصنة في وجه المحاسبة والمساءلة.
والغريب في الأمر أن النقابات ظلت لعقود محصنة ضد افتحاصات قضاة مجلس الحسابات ولا تخرج بشأنها تقارير سنوية كما يجري مع الأحزاب السياسية والجماعات الترابية، ما جعلها مكونات خارج القانون لا تطولها المحاسبة، والدليل أنه نادرا ما تسقط رؤوس نقابية بسبب سيف المساءلة.
واليوم لا بد للقانون أن يحارب هذا الريع النقابي المتنامي، ويضع حدا لشيوخ عمروا لعقود على رأس النقابات حتى حولوها إلى محارات فارغة، ويوقف هذا التجريف الذي أصبح خطرا على الثقة في المؤسسات.