عبد اللطيف الزايدي
بعد تهريب النظام
الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية كمرسوم حمل رقم 2.23.819
(6أكتوبر2023) ومصادقة الحكومة عليه دون دراسة أو نقد أو تمحيص، كان هناك إجماع
على الاختلالات والتراجعات غير المسبوقة التي عرفتها جل مواده مقارنة بنظامي 1985 و2003،
وعلى رأسها الثالوث '' المظلم'' ويتعلق الأمر بالمواد الثلاث التي تناولت نظام
التعويضات والمهام والعقوبات التأديبية الخاصة بموظفي وزارة التربية الوطنية تحت
مسمى ''الموارد البشرية ''.
نظام تعويضات نعت بالمجحف
وجانب كثيرا العدالة الأجرية ،بتخصيصه تعويضات تكميلية معتبرة لأطر الإدارة''
المدرسية'' وأخرى سمينة لأطر هيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقويم، نظرا
للمهام الريادية التي أوكلت إليهم، بينما تذيل فيه مستشارو التوجيه والتخطيط
التربوي والممونون والمساعدون التربويون أسفل سلم التعويضات بمقدار هزيل لا يناسب
مكانتهم داخل المنظومة التربوية ولا أدوارهم المفصلية ولا مسارهم التكويني
المتميز، أما الغريب في هذا الركن هو إخراج الأستاذ، كفاعل أساسي في العملية
برمتها، صفر اليدين دون تعويض يذكر.
هناك رابط قوي وجدلي بين
التعويضات والمهام المنوطة بكل إطار و هذا أمر نراه منطقيا إلى حد كبير، إلا أن
تحديد هذه المهام وتدقيقها يجب أن يخضع
لمداخل أساسية وهي: طبيعة التكوين الذي يتلقاه الإطار وحجم خبرته في الميدان
ومستواه الدراسي والأكاديمي، و هو ما لا نلمسه في رزنامة المهام التي تم ''
تفصيلها'' على المقاس في النظام الأساسي'' المجمد'' ،التي أثقلت كاهل الأستاذ
بمهام إضافية كانت تطوعية يقوم بها خارج أوقات العمل النظامية عدا مهمته الأساسية
:التعليم ، بينما انفردت هيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقويم وهيئة الإدارة
المدرسية، إلى حد ما، بالمهام الأساسية التي يمكن أن نسمها ب '' الرقاباتية '' و
المكرسة للتصور المقاولاتي للمدرسة العمومية الذي يبتغي تحويلها إلى مصنع يعتني
فيه المشغل بالمشرفين ويرفع '' علاواتهم '' على حساب العمال '' الأجراء ''
المضطهدين والمطالَبين بتحقيق مردودية أكبر لرفع رواتبهم و نيل شارة ''الريادة''.
حذفت هيئة التوجيه
والتخطيط التربوي في ظل هذا النظام وتم إلحاق أطرها بهيئتي التربية والتعليم وهيئة
الإدارة المدرسية، وقزمت مهامها بل قرصنت في منأى عن مقتضيات القانون الإطار 51- 17 والنصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة
به، و دون أي اعتبار لرأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول مشروع
مرسوم بشأن التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي الذي
اعتمد على مقاربة ظرفية، انتقائية وتجزيئية ،و في ضرب صارخ للتصور الذي ارتأته
رافعات الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 منهجا لمنظومة التوجيه والتخطيط
التربوي بالمغرب كبوصلة لجميع المشاريع الإصلاحية الكبرى لورش التعليم. الكل
يجمع أن المكان الطبيعي لأطر التوجيه والتخطيط التربوي هو هيئة التفتيش والمراقبة
التأطير والتقويم، خاصة بعد الرفع من شروط ولوج مركز التوجيه والتخطيط التربوي
بالنسبة للفوج الحالي (2022-2024) التي تعد الأعلى في تاريخ مراكز التكوين
الوطنية، ودون أن نسهب أيضا في قيمة تكوينهم وطبيعته الأكاديمية أو أدوارهم
الريادية الإشرافية والتأطيرية داخل المنظومة، فمن شأن ذلك كشف المؤامرة الخطيرة
التي حيكت بليل وتولد عنها خلل كبير في تقسيم الهيآت وانتقاء أطرها وإتلاف أرقامها
السرية حتى يستعصي اختراقها.
إن إلغاء العقوبات
التأديبية تطلب فقط عشر رطل من الحبر في أولى لقاءات اللجنة الثلاثية التي ضمت
وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ووزير التشغيل والوزير المنتدب
المكلف بالميزانية والنقابات المحاورة ،كبادرة حسن ''نية'' غير مكلفة ماديا
،صاحبها اقتطاع ملايين الدراهم من أجور المضربين ،ونكاد نجزم أن إعادة النظر في
الهيئات والمهام ونظام التعويضات بما يضمن العدالة الأجرية ،وأخذا بعين الاعتبار
المسارات التكوينية، دون محاباة أو تفضيل لفئة عن أخرى ،سيتطلب فقط ما تبقى من ذلك
الرطل مع استحضار حجم المسؤولية الملقاة على عاتق اللجنة الثلاثية والنقابات
المحاورة ومستقبل المدرسة العمومية ''المجتمعية''.
ثالوث المهام ونظام
التعويضات والعقوبات، إضافة إلى الإبقاء على نظام التعاقد في التوظيف وعدة مواد
أخرى شملت الترقية وتقييم الأداء المهني و التحفيز كل هذه المواد خيبت آمال
وانتظارات نساء ورجال التعليم، وساهمت بشكل كبير في خلق دينامية نضالية حضارية تجاوزت الزمن
السياسي لهذه الحكومة وأثارت حفيظة أمهات وآباء وأولياء التلاميذ ،وتسببت في هدر
زمن مدرسي للمتعلمين يقدر بملايين الساعات لا يمكن استدراكه ، الشيء الذي سجل غياب
رؤية حكيمة ومسؤولة لورش إصلاح التعليم ببلادنا وأظهر ارتباكا واضحا في تدبير هذا
الملف من طرف الوزارة الوصية.
فهل كان منتظرا من هذه التحولات
الجذرية، التي اشتغل عليها مهندسو هذا المرسوم بمعية ممثلي النقابات المحاورة
الأربع طيلة سنتين وفق منهج غير سليم، أن ترفع منسوب الرضا الوظيفي لدى نساء ورجال
التعليم وتنعكس على مردوديتهم داخل الفصول الدراسية؟ وما مصير البرامج العشرين
للإطار الإجرائي لخارطة الطريق التي تسعى إلى إحداث التغيير من داخل الفصول
الدراسية، وتعزيز وتحصين المبادرات المحلية، وكذا تهييئ شروط إرساء النموذج الجديد
للمدرسة العمومية ذات جودة في ظل هذه الصحوة؟ تساؤلات كثيرة ومشروعة ستجد، حتما، طريقا
لأجوبتها بين دروب الأيام القليلة القادمة.