recent
آخر المواضيع

رفع أجور موظفي "الصحة والتعليم" ينذر بسنة اجتماعية ساخنة في 2024

Educa24
الصفحة الرئيسية


سنة استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى عاشتها قطاعات حكومية بالمغرب، كان عنوانها البارز احتجاجات رجال ونساء التعليم التي شلت المدرسة العمومية لقرابة الثلاثة أشهر ضد النظام الأساسي الجديد، توجت بزيادة تاريخية وعامة في الأجور بلغت 1500 درهم بعد مفاوضات طويلة جمعت الحكومة مع النقابات التعليمية؛ الأمر الذي يرى فيه البعض فتحا للباب على مصراعيه خلال 2024 أمام تنامي وتيرة الاحتجاجات الفئوية المطالبة بالزيادة في الأجور سيرا على خطى موظفي قطاعي التعليم والصحة.

وتذهب التوقعات إلى أن الحكومة مقبلة على سنة اجتماعية ساخنة، يرتقب أن تخوض فيها النقابات “حروبا” و”معارك” عديدة من أجل تحقيق مطالب ومكاسب أعضائها في عدد من القطاعات؛ من أبزرها قطاع الجماعات الترابية وموظفي عدد من القطاعات والمؤسسات العمومية الأخرى الذين باتوا مؤمنين بأن “ملحمة” الأساتذة وتنسيقياتهم قد عبّدت الطريق أمامهم لتحقيق المكاسب والمطالب التي ظلت تراوح مكانها لسنوات.

وبعد التعليم، جاء الدور على قطاع الصحة، الذي تم التوصل فيه بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والهيئات النقابية القطاعية إلى التوافق حول تحفيز كل مهنيي الصحة عبر الزيادة في الأجر الثابت في أفق الوصول إلى اتفاق نهائي في أجل أقصاه نهاية يناير 2024؛ وهو الأمر الذي يعزز التكهنات والتوقعات بخصوص الحراك المتوقع أن تعرفه قطاعات عديدة للمطالبة بالزيادة العامة في الأجر.

إجراء يحسب للحكومة

في تعليقه على الموضوع، اعتبر إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن الزيادة في الأجور “خطوة تحسب لهذه الحكومة كونها تواصل الرفع من الأجور العامة وتغيير الأنظمة الأساسية لكل فئة على حدة”، لافتا إلى أن الحكومة السابقة كانت قد “قامت بهذا الأمر مع القضاة ثم الأطباء، وهذه الحكومة بدأت مع الأساتذة الجامعيين والآن مع أساتذة التربية الوطنية والممرضين وتقنيي الصحة، ومن المتوقع أن تتسع لتشمل فئات أخرى”.

وأضاف حمودي مبينا، في تصريح لهسبريس، أن هذا التوجه “إيجابي؛ لأن هناك تراجعا في القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصا بالنسبة للطبقة الوسطي. وهذا أثر سلبا على الفئات الدنيا من المجتمع والكثير من الفئات التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى التي انحدرت في السنوات الأخيرة نحو الفقر، بسبب تراجع القدرة الشرائية والتضخم وارتفاع الأسعار”، مؤكدا أن الوضع الاجتماعي أصبح “هشا بالنسبة للكثير من فئات المجتمع”.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن الرفع من الأجور بالوتيرة التي نراها اليوم “قد يعيد بعض التوازن إلى الفئات المختلفة”، وأكد أنه في ظل الوضع الاجتماعي الحالي “حان الوقت لرفع الحد الأدنى من الأجور إلى 5000 درهم، وحتى هذا الرقم لم يعد كافيا في المدن الكبرى”. كما اعتبر أن الفئات مثل رجال التعليم وموظفي قطاع الصحة “رفع أجورهم غير كاف، ولابد أن يشمل الرفع من الأجور موظفي الجماعات المحلية وحاملي السلاح، وكل هذه الفئات تترقب وتنتظر ماذا ستفعل معها الحكومة بهذا الخصوص”.

وذهب حمودي إلى أن ما تحقق لرجال ونساء التعليم “إيجابي جدا؛ لكن سيظل ناقصا إن لم تشمل الزيادة العامة في الأجور باقي الفئات والموظفين والمستخدمين في الدولة والقطاع الخاص”، مشددا على أنه “لابد من رفع الأجور، وهذا يحتاج إلى تبني سياسة عامة؛ لأن الوضع الاجتماعي تدهور بشدة في السنوات الأخيرة، ومن شأن الزيادة في الأجور أن تضمن السلم الاجتماعي”.

واستدرك قائلا: “لكن أخطاء الحكومة قد تؤدي إلى زعزعة السلم الاجتماعي”، مبرزا أن الطريقة التي دبرت بها الحكومة ملف النظام الأساسي مع رجال ونساء التعليم “لم تخل من أخطاء رغم الزيادات المعتبرة في الأجور؛ لكن أدت إلى ما نشاهده وما نعيشه حتى الآن، بحيث نكاد نتحدث عن دورة دراسية بيضاء”، مشددا على أن الحكومة “يجب أن تستفيد من أخطائها حتى لا تؤدي إلى بلوكاج في قطاعات أخرى، سواء في الجماعات المحلية أو في قطاع الصحة”، مؤكدا أن الوضع الاجتماعي “لا يحتمل مزيدا من التدهور، كلما استمعت الحكومة جيدا إلى المتضررين من هذه الأوضاع كلما كان ذلك مفيدا للسلم الاجتماعي. أما المناورات القصيرة فلن تفيد أحدا، لا الحكومة ولا المجتمع”.

سنة اجتماعية ساخنة

من جهته، اعتبر المحلل السياسي إدريس قسيم أن إقدام الحكومة على الرفع من أجور موظفي التعليم والصحة سيفتح “شهية قطاعات وفئات أخرى من أجل المطالبة بالزيادة في الأجور”، مؤكدا أن هناك اعتبارين أساسيين من شأنهما أن “يحفزا ويشجعا هذه المطالب: أولها الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة للطبقة المتوسطة المتضررة والمنهكة بالزيادات الكبيرة والمستمرة للأسعار وهي مشكلة أساسا من فئة موظفي القطاع العام. أما الاعتبار الثاني، فيتمثل في كون هذه الاستجابة لـ”مطالب التعليم والصحة قد تذكي مشاعر الغضب وقد تثير بالتالي انتباه الفئات غير المستفيدة والتي ظلت أجورها مجمدة منذ عقود وأن السياق العام مناسب للضغط على الحكومة، خاصة أن الخطاب الذي توظفه يرتكز على اتهام الحكومة بالتمييز والحيف والمطالبة بالعدالة الأجرية”.

وأضاف قسيم، في تصريح لهسبريس، أن التحرك اللافت لفئة المتصرفين ولموظفي الجماعات الترابية يدخل “في هذا السياق وهي كتل قطاعية كبيرة أعلنت فعليا عن برامج وتحركات احتجاجية”، لافتا إلى أن هذه العوامل من شأنها أن ترفع “وتيرة الاحتجاج ومنسوب المطالبة الاجتماعية الذي سيتنقل بالتأكيد للشارع؛ وهو ما ينذر بأن سنة 2024 ستكون سنة ساخنة اجتماعيا”.

وتابع المحلل السياسي ذاته موضحا: “أعتقد أن الحكومة مطالبة اليوم بالقيام بإجراءين ضروريين: الأول التسريع بفتح حوار اجتماعي موسع يبحث في سبل تجاوز حالة الإنهاك التي تعاني منها الطبقة المتوسطة والنظر في المطالب الموضوعية”. كما دعاها إلى تفادي “مقاربة التجزيء والتفييء في التعاطي مع هذه المطالب، وتبني مقاربة حكومية شمولية تتجاوز الإجراءات والحلول القطاعية”.

تحدي التنسيقيات

من جانه، رأى سعيد بركنان، المحلل السياسي، أن هذا الاحتجاج الذي شمل قطاع التعليم لا يمكن قراءته بمعزل عن “أرضيتين كانتا بمثابة التربة التي زرع فيها أساتذة التعليم بذرة شكل احتجاجي جديد ستكون الدولة مطالبة في المستقبل أن تتعامل معه وهو التنظيم في إطار التنسيقيات”، يتمثل أولاهما في أن هذه الاحتجاجات جاءت نتيجة “الزيادة التي استفادت منها بعض القطاعات الأخرى، مثل أساتذة التعليم العالي، بمعنى أنه رد فعل ضد انتقائية الدولة في التعامل مع الزيادة في الأجور. أما الأرضية الثانية فتتمثل في تجاهل الدولة لما سماه “الموقف السلبي الذي أصبحت تتسع دائرته داخل القطاعات المهنية اتجاه دور النقابات التأطيري والتمثيلي والحواري في صناعة القرارات والقوانين المنظمة للقطاعات المهنية”.

وتابع بركنان، في تصريح لهسبريس، أنه أمام نجاح التنسيقيات في “شل العمل النقابي وفي إحراج الدولة والحكومة في البحث عن حلول وسط، انتهت بالجلوس مع ممثلي التنسيقيات في لجنة حوار للإقرار بالمخرجات التي أخرجت التعليم من عنق الزجاجة وأسفرت عن تحقيق مطالب أساتذة التعليم بالشكل الذي طالبت به التنسيقيات، يمكن أن نقول إن الحكومة والدولة قد تعيش سنة صعبة ليس من خلال المطالب التي ستعرفها بعض القطاعات التي ترغب في مساواتها مع قطاع الصحة والتعليم في الزيادات، وإنما الصعوبة تكمن في التعامل السياسي مع الشكل التنظيمي للاحتجاجات”.

وزاد بركنان موضحا أن الدقة التنظيمية التي تتميز بها احتجاجات التنسيقيات سيطرح إشكالا أمام الحكومة والدولة بخصوص “وحدة القرارات وسرعة تنفيذها وسرعة التنسيق على صعيد التراب الوطني، دون المرور من تنظيم النقابات والأحزاب التي تعتبر دستورية ويمكن للدولة أن تتحاور معها”، مؤكدا أن الحكومة مطالبة بـ”الاشتغال في ورش قانوني لمحاولة الاستيعاب القانوني والدستوري لهذا الشكل التنظيمي للقطاعات المهنية، لا هو بالنقابي ولا هو بالحزبي”.

واعتبر المحلل السياسي ذاته أن من الحسنات السياسية التي قد يسفر عنها التعثر الذي عرفه قطاع التعليم هو “اقتناع الدولة أن الحوار في صياغة القوانين التي تهم القطاعات المهنية والوظيفية لم يعد بالإمكان الاقتصار فيها على الحوار مع النقابات واعتمادها الممثل الوحيد”، مشددا على أن الدولة “مدعوة الآن إلى التسريع في إخراج القانون المنظم للإضراب كحق دستوري والذي نرى بأنه الوحيد الكفيل بمحاولة تنظيم الأسلوب الاحتجاجي الجديد الذي يسمى بالتنسيقيات، أمام وجود فراغ تشريعي منظم للحق الدستوري في الإضراب وأمام زيادة عدم الثقة في التمثيلية النقابية وقدرتها على محاورة الدولة وانتزاع المكتسبات”.

 

google-playkhamsatmostaqltradent