واحد من الملفات التي تؤرق بال الكثير المغاربة ولا يجدون لها تفسيرا استمرار ظاهرة الموظفين الأشباح الذين يتقاضون أجورهم على رأس كل شهر وسنة بعد أخرى من جيوب دافعي الضرائب، من دون أن يصدر قرار سياسي حاسم يطوي الملف وينهي مع الظاهرة التي يرى فيها الكثير من المغاربة ريعا ينبغي القطع معه في أسرع وقت ممكن.
الظاهرة التي يبدو أنها مستشرية في الجماعات الترابية بسبب الطابع الذي يميزها منذ عقود والصلاحيات التي تمنح لرؤسائها المتعاقبين الحق في التوظيف جعلت مصالح غارقة في الظاهرة التي تسجل حضورا في عدد من القطاعات الأخرى، مثل الصحة والتعليم.
وأمام الأوراش الكبرى التي تباشرها البلاد وتداعيات الزلزال والاستحقاقات الرياضية العالمية المقبلة، تبدو المملكة في حاجة إلى مختلف الموارد من أجل تلبية الحاجيات المتزايدة في الأوراش المفتوحة؛ الأمر الذي دفع البعض إلى المطالبة بمعالجة الظاهرة التي من شأنها توفير الكثير من الموارد المالية لميزانية الدولة، خصوصا أن جماعة مثل مدينة الرباط فيها 2400 موظف شبح، كما جاء على لسان عمدتها أسماء اغلالو، قبل أشهر.
من جهته، اعتبر محمد شقير، المحلل السياسي، أن ظاهرة الموظفين الأشباح مرتبطة بنظام الحكم في المغرب، مبرزا أن الإدارة تشكل “آلية من آليات الحكم وإدماج موظفين في الإدارة عرف تجاوزات ولا تخضع للقانون، ويظهر أن من بين أهم الأسباب التي أدت إلى استفحال هذه الظاهرة هي قضية الصحراء”.
وأشار شقير، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أنه تم، في إطار إدماج الشباب الصحراوي في سبعينيات القرن الماضي، “إدماجهم بدون توفر كل شروط التوظيف. وهذا كان يتم من طرف أعلى سلطة في البلاد في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وأدمج أكثر من 120 ألف شاب صحراوي”.
وتابع المتحدث أن الظاهرة ما زالت متواصلة، وفي إطار التنافس الانتخابي ما بين الأحزاب “كل نائب يعد الهيئة الناخبة بتوظيف الأبناء.. وهكذا الأحزاب عندما تصل إلى تدبير الجماعات الترابية والحضرية تعطي فرصة لتوظيف مجموعة من الموالين له أو أبنائه في الإدارة”، مسجلا أنه بحكم غياب المراقبة “تتم هذه العملية سواء في إطار سلاليم غير مضبوطة واحتسابهم على الميزانية وهم لا يشتغلون، وهذه المسألة زادت من استفحال الظاهرة وأصبحنا أمام جيش كبير من الموظفين الأشباح”.
وشدد شقير على أن عمدة الرباط كانت قد حركت “مجموعة من المياه الراكدة حول العدد الحقيقي للموظفين الأشباح في كل جماعة، وهذا يضر ميزانية الجماعات التي تستنزف جزءا كبيرا من الموارد التي كان يفترض أن توجه لخدمة الساكنة والمرفق تصرف أجورا لموظفين لا يشتغلون”.
وذهب المحلل ذاته إلى أن من الصعب القضاء على الظاهرة، و”الممكن هو فرض شروط صارمة ومراقبة هذه المسألة من طرف وزارة الداخلية”، مؤكدا أن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب “إرادة سياسية قوية وقرارا ينبغي أن يتخذ على أعلى مستوى للقضاء تدريجيا على كل هؤلاء المحسوبين على الجماعات وهم لا يشتغلون ويضعفون الموارد ومستوياتهم التعليمية ضعيفة ولا يشتغلون ليبرروا ذلك الأجر، مقرا بأن الظاهرة “قديمة ومن الصعب اجتثاثها وضبط لوائحهم والتشطيب على كل من يوجد خارج الوطن ويتقاضى الأجر”.
في قراءته لظاهرة الموظفين الأشباح، سجل محمد يحيا، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أن الظاهرة على مستوى الإدارات والجماعات الترابية “مشكل ليس وليد اليوم”، مؤكدا أن النقاش حول هذا الموضوع يحدث “من حين إلى آخر، وفي غالب الأحيان يدخل في مزايدات لاسيما قبل المحطات الانتخابية على المستوى المحلي، علما بأن هذا المشكل مطروح كذلك حتى على الصعيد الوطني”.
واعتبر يحيا، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن القانون “واضح، والإطار المرجعي الأساسي هو ظهير 24 فبراير 1958 بمثابة نظام أساسي للوظيفة العمومية”، لافتا إلى أنه ليس هناك “قانون للوظيفة العمومية المحلية والذي في العديد من الحالات كانت محاولات لإخراجه، إلا أنه لم يتم إصداره؛ وبالتالي إشكالية الأشباح تبقى مستمرة”.
وأضاف الأستاذ الجامعي أنه “لا يعقل أننا على أبواب 2024 وأشخاص موجودون رسميا في أسلاك الوظيفة العمومية وفي علاقة نظامية مع الإدارات التي يوجدون فيها فقط على الورق، في الوقت الذي نعاني خصاصا كبيرا بالنسبة للجماعات، خصوصا على المستوى القروي”، مبينا أن هؤلاء “جرى توظيفهم ولا يقومون بأية مهام؛ وبالتالي سواء كانوا حاضرين أم لا فذلك لا يؤثر على ما يقومون به، ولكن يؤثر على المراكز القانونية ويؤثر على ميزانية الدولة باعتبارهم يتقاضون مستحقاتهم وأجورهم كل شهر”.
وتابع المحلل السياسي ذاته: “لا بد أن تكون الصرامة في هذه المحطة، ويجب أن يكون هناك وضوح في الموضوع”، مشددا على أنه “من يزاول مهنة في إدارة ما لا بد أن يكون موجودا فعليا ويسدي خدمات أساسية للمواطنين. وإذا كان هناك فائض في الموظفين يجب القيام بإعادة الانتشار، على اعتبار أن هناك خصاصا في العديد من الإدارات سواء على المستوى المحلي أو المستوى المركزي، خصوصا في المناطق النائية وفي البوادي وفي العديد من المدن الكبرى”.