ما زال خيار عرض ثلّة من الأساتذة الموقوفين عن العمل من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة على المجلس التأديبي للبتّ في ملفاتهم قصد ترتيب العقوبات اللازمة في حقهم مطروحاً على طاولة الوزارة، حسبما أشعرت بذلك النقابات التعليمية في لقاءات منفردة، رغم أن الأمر عمليا صار الآن بيد لجان جهوية كلّفتها مركزية التعليم بالبت في الموضوع.
ووفق ما بلغ إلى علم هسبريس، فإن النقابات الخمس المشاركة في الحوار ما زالت تتمسك بإبعاد خيار المجلس التأديبي، ولو أنه من الممكن أن “يشمل جزءا قليلا من الموقوفين”، حسبما ذكرته الوزارة، ونقله مصدر نقابي، غير أن “هذه المقاربة التمييزية بالإفراج عن ملفات ورهن أخرى بالمجلس التأديبي” سيكون له “أثر عكسي وسيعطل قنوات الحوار” وفق قيادات نقابية تواصلت مع الجريدة.
“لن يخدم العودة إلى الأقسام”
عبد الناصر نعناع، عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم المشاركة في الحوار القطاعي، قال إن “النقاشات ما زالت متواصلة قصد إرجاع جميع الموقوفين دون قيد أو شرط”، مؤكداً “رفض التّنظيمات النقابية إجراء أي مجلس تأديبي في حق أي فرد من هؤلاء لكونهم عبروا عن رأيهم في فترة تعرف احتقاناً وحراكاً تعليميّا وغضباً عارماً بسبب انفراد وزارة التربية الوطنية بإخراج النظام الأساسي”.
وأشار نعناع، في تصريحه لهسبريس، إلى أن “الوزارة ما زالت تقول إن هناك جزءا من الملفات سيتم عرضه على المجلس التّأديبي ونحن نرفض ذلك، وأشعرنا الوزارة بأن المجالس التأديبية ستواصل خلق الاحتقان عوض المرور إلى المرحلة اللاحقة لإنجاح السنة الدراسية”، مبرزاً أن “الظرفية تستدعي أن يعود كل الأساتذة إلى أقسامهم دون أي تمييز ودون عرض أي فئة منهم على المجالس التأديبية”.
وأوضح أن “استرجاع الزمن الدراسي الذي تم هدره يقتضي أن تنظر الوزارة الوصية إلى الموضوع بعين الحكمة، وأن تتراجع عما قالته في اجتماعات حول الموضوع بكون بعض الملفات سينظر فيها تأديبيا”، مؤكدا أن “التأديب لن يخدم الانفراج ونحن سنواصل الوقوف إلى جانب رجال ونساء التعليم إلى أن يعودوا إلى عملهم بكل سهولة وبلا تعقيدات”.
“سياسة الانتقام”
عبد الله غميميط، الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي، قال إن “مسألة عرض الأساتذة الموقوفين على المجلس التأديبي مرفوضة بالنسبة إلينا، وما زلنا مؤمنين بأن الوزارة عليها أن تتراجع فورا عن التوقيفات”، مشيرا إلى أن “النقابة رفضت أن تقدم لوائح الموقوفين المنتمين إليها للوزارة لكوننا نعتبر أن حل الملف رهين بالتراجع عن كل التوقيفات بلا أي استثناء وبدون تفكير في خيار المجلس التّأديبي”.
وأكد غميميط، في تصريحه لهسبريس، أن “تفويت الموضوع إلى لجان جهوية ليس صحيحاً لكون الملف كان يمكن التعاطي معه على المستوى المركزي”، لافتا إلى أن “هذه المقاربة تتضمن الكثير من الشّطط والانتقام وعدم احترام الدستور والقوانين المعمول بها، وفيها تضييق على الحق في الاحتجاج والحق في الإضراب وحرية التعبير”، وأبرز أن “توقيف أساتذة بسبب تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي ليس عمل الوزارة، بل عمل النيابة العامة”.
إلى ذلك، أشار الفاعل النقابي إلى أن “المجلس التأديبي سيكون خيارا تراجعيا لكون هذا وقت المصالحة والانفراج وتجنيب القطاع المزيد من البلوكاج”، مضيفا أن “توقيف 500 أستاذ معناه آلاف التلاميذ في ضياع الآن، ولا يمكن أن تنجح السنة الدراسية بهذه المقاربة المتناقضة التي تشتغل بها الوزارة. نحن نؤكد أن عودة الثقة تستدعي مقاربة نابعة من حسن النية تكون بمثابة المخرج لكل هذه الأزمة، خصوصا بعدما وصلت النقاشات بشأن النظام الأساسي إلى نهايتها”.
وحاولت هسبريس التواصل مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بخصوص مدى قابلية اللجوء إلى المجلس التأديبي، رغم كونها نقطة تلقى رفضا، بالإجماع، من طرف التمثيليات الاجتماعية الشريكة في الحوار القطاعي، لكن مصادر هسبريس من داخل الوزارة طلبت بعض الوقت للبت في الطلب، لتعود لاحقاً بالجواب التالي: “لا تتوفر أي معطيات حول الموضوع”، وهو ما يجعل الوضع مفتوحاً على العديد من التساؤلات من طرف النقابات.