بعد "تناسل التنسيقيات".. هل تتجه الممارسة النقابية في المغرب صوب النفق؟
كثيرة هي المناسبات التي يعتلي فيها النقابيون منابر الخطابة ويعيدون طرح سؤال مستقبل النقابات بالمغرب ومدى كونها تقع تحت طائلة “الاستهداف والتبخيس” في الوقت الراهن، متحدثين عن ظهور منافس جديد “غير مؤسساتي”، يتجسد أساسا في التنسيقيات التي باتت تحتكم إلى “سلطة الشارع والقواعد”.
ويجسد ما يقع حاليا بقطاع التعليم مدى التقابل بين هذين الطرفين؛ بين نقابات تستند إلى “معطى الأقدمية والشرعية القانونية”، وتنسيقيات ظهرت لتؤسس لـ”جيل جديد من الدفاع عن حقوق الشغيلة بمختلف القطاعات”، اعتمادا على آليات تميزها في عملها عن المركزيات النقابية.
وبخصوص الوضعية التي تعيشها النقابات بالمغرب، يربط مراقبون بينها وبين السياق العالمي، الذي أفرز “واقعا اقتصاديا واجتماعيا أدى إلى حدوث نوع من التجديد في أشكال الترافع والتنظيم”، دون أن ينكروا ارتباط الأمر بـ”الفاعل النقابي في حد ذاته ومدى محاولته التكيف مع هذه المتغيرات”.
أزمة وساطة
رشيد لزرق، رئيس “مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية”، قال إن “المغرب يعيش حاليا أزمة في فعل الوساطة، الأمر الذي يهدد الخيار الديمقراطي الوطني، على اعتبار أن ما يقع حاليا على مستوى قطاع التعليم كمثال، يبين بالملموس عدم قدرة النقابات على القيام بأدوارها في التأطير والتنظيم”.
وأضاف لزرق، في تصريح لهسبريس، أن “الممارسة النقابية باتت محتكرة من قبل محترفي التنظيم، إلى جانب كون أُطر النقابات لا يزالون عاجزين عن التجديد في زمن الثورة الرقمية، وبالتالي فظهور التنسيقيات وتأثيرها في الحركة الاحتجاجية للأساتذة، بل انتزاعها مكاسب من الحكومة، طَرح بشكل حقيقي إشكالية منسوب ثقة الشغيلة في هذه المركزيات النقابية”.
وأوضح أن “ارتهان الفعل النقابي إلى الأحزاب السياسية جعل الشغيلة التعليمية تجد داخل التنسيقيات إطارات لتحقيق مطالبها، حيث إنها تعد فضاء ديمقراطيا ومنفتحا على الأفكار المختلفة”، مردفا أن “هذا الأمر اتضح بعد بلوغ عدد التنسيقيات 22 تنسيقية مقابل 5 مركزيات نقابية من الأكثر تمثيلية”.
وأشار إلى أن “النقابات على الرغم من كثرتها العددية وتعدديتها المرجعية، فقد أبانت عن عدم قدرتها على تنظيم الشغيلة بمختلف القطاعات”، مرجعا ذلك إلى “الازدواجية المصلحية التي لا تزال مميزة لها، فتحركاتها النضالية تبقى مرتبطة بطبيعة الحكومة والأحزاب التي تمثلها”، داعيا في هذا الإطار هذه المؤسسات إلى “إعادة تنظيم هيكلتها عوض الاستثمار في الاتهامات”.
النقابات وخيار الديمقراطية
سعيد خمري، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية، قال إن “النقابات تلعب أدوارا أساسية في بناء الدولة الاجتماعية وتحقيق السلم الاجتماعي، الذي لا يمكن الاستغناء عنه في مسلسل بناء الدولة الديمقراطية”.
وأضاف خمري، في تصريح لهسبريس، أن “أهمية النقابات تتمثل كذلك في كونها تدافع عن حقوق الفئات الاجتماعية، التي تمثلها وتساهم في تحقيق التوازن على مستوى جميع القطاعات الإنتاجية داخل دولة معينة”، موضحا أن “تراجع النقابات اليوم بالمغرب وظهور أشكال جديدة من الاحتجاجات التي تتم قيادتها خارج إطار النقابة ليس إلا نتيجة لمسلسل تراكمي لطريقة تعامل الدولة مع المؤسسات النقابية”.
وفسر الأمر بأنه “يتعلق كذلك بالفاعل النقابي في حد ذاته، وبطبيعة اشتغاله وتدبيره للعملية الديمقراطية وتجاوبه مع محيطه الاجتماعي، إلى جانب تدبيره للقيادة داخل المؤسسة، ومدى اجتهاده في تطوير مرجعيته بما ينسجم مع التحولات والتطورات التي يعرفها المغرب على الخصوص في ظل تغير الأوضاع الاجتماعية”.
وأوضح أستاذ القانون العام والعلوم السياسية أن “الوضعية الحالية للنقابات ترتبط، من جهة ثانية، بطبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد، ومدى التدخل في شؤونها ومساعدتها على أداء وظيفتها، فضلا عن هشاشة المنظومة القانونية في هذا الإطار، حيث لا نزال بحاجة إلى قانون منظم للإضراب باعتباره آلية طبيعية وجب توفرها لتأطير العمل النقابي”.