ككل سنة، يجد عدد من التلاميذ، خصوصا من الذين يتابعون دراستهم بالسنة الثانية من سلك البكالوريا، أنفسهم أمام اختيار طبيعة مسارهم الجامعي والتخصص الذي يمكن أن يتابعوا دراستهم فيه، ومن ثم الانفتاح فيما بعد على سوق الشغل، في وقت ترتفع فيه نسب المُغيرين للتخصص بعد السنة الجامعية الأولى.
وما يزال مشكل التوجيه قائما بالوسط التربوي، حيث تقل نسب استفادة تلاميذ المستويات الإشهادية من فُرص للّقاء بأطر التوجيه، وهو ما يفرض عليهم الاستعانة بمجهوداتهم الذاتية أو بالمتداول والكلاسيكي من المعارف التوجيهية.
وأعلنت عدد من المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود، خلال الأيام الماضية، عن بدء التسجيل بها لفائدة الحاملين المستقبليين لبكالوريا 2024، مما جعل نسبا مهمة من التلاميذ أمام واقع الاختيار بطريقة اعتباطية أو فردية في ظل قلة فرص التوجيه التي استفادوا منها.
وينظُر آباء وأولياء التلاميذ إلى ندرة العرض التوجيهي بنوع من القلق، بالنظر إلى أن “هذا الموضوع يهم مستقبل ملايين التلاميذ”، داعين الوزارة إلى “حصص توجيهية إضافية لتدارك ما فات بشكل نسبي قبل انصرام الموسم الدراسي وبداية اختبارات البكالوريا”، محذرين من أي “محاولات للاستثمار في احتياجات التلاميذ”.
في هذا الصدد، قال نور الدين عكوري، رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، إن “عملية التوجيه بالمغرب تعرف نوعا من النقص، على اعتبار أننا لا نجد أساسا انتشارا مهما لأطر التوجيه داخل المؤسسات التعليمية، مما ينتج عنه عدد من التلاميذ الذين يقررون في مسارهم الجامعي بناء على ملاحظات كلاسيكية متداولة أو على نصائح العائلة أو على اجتهاداتهم الشخصية، وهو الأمر الذي يضعنا أمام عدد من الحالات التي تتخبط في سنوات دراستها بالجامعة”.
وأضاف عكوري، في تصريح لهسبريس، أن “العملية التوجيهية تظل من بين أبرز النقاط التي كان الإصلاح التربوي يستهدفها، لكن إلى حد الآن لم تبرز بعد معالم هذا الإصلاح بعد أن لاحظنا استمرار الإشكال على هذا النحو”، لافتا إلى “ضرورة برمجة حصص للتوجيه خلال الفترة المتبقية من الموسم الدراسي وتدارك ما فات خلال السنة ككل”.
وبيّن المتحدث أن “هنالك عددا من الأطراف التي تحاول استغلال ضعف استفادة التلاميذ المغاربة من الاستشارة والتوجيه، حيث يلجأ عدد من عديمي التكوين والخبرة إلى محاولة تقديم دورات في هذا الصدد مؤدى عنها تفتقد للنجاعة كالتي يُفترض أن تقدمها المؤسسات الرسمية”.
من جهته، أفاد علي فناش، فاعل تربوي عضو الفيدرالية سالفة الذكر، بأن “التوجيه التربوي يظل عنصرا مهما في تحديد مستقبل عدد كبير من التلاميذ المغاربة الراغبين في اختيار تخصصات تناسب طموحاتهم، إذ يظل ركنا من أركان نجاح العملية التربوية ككل، وبدونه لا يمكن النجاح في الاختيارات الجامعية”.
وأورد فناش، في تصريح لهسبريس، أنه “على الرغم من توفر عدد من المؤسسات التربوية على مراكز للاستشارة والتوجيه، إلا أن هذا العدد لا يرقى إلى الطموحات، مما يجعلنا أمام تلاميذ يتخبطون في مسارهم الجامعي، وهو عامل أساسي حاسم في نسب الهدر على مستوى التعليم العالي”، موردا أن “خطوات الوزارة في هذا الصدد محدودة”.
واعتبر المتحدث أن “غالبية التلاميذ يعتمدون فقط على المبادرات الفردية التي يقومون بها أو المبادرات التي تدشنها فعاليات المجتمع المدني، وهو ما لا يمكن أن يعوض نهائيا الاتصال المباشر الذي من المفترض أن يحدث بين الموجه والتلميذ، خصوصا خلال الشق الزمني الأخير من السنة الثانية من سلك البكالوريا”، مُمنيا النفس بأن “تلتفت الوزارة إلى هذا الموضوع خلال ما تبقى من الموسم الدراسي حتى لا يكون التلاميذ أمام اختيارات خاطئة”.