بعد كشف شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ارتفاع الملفات المتعلقة بحالات التوحد المؤكدة في صفوف أبناء موظفي التعليم، وذلك خلال حديثه عن منجزات وزارته في مجال الأعمال الاجتماعية برسم 2023، ساهم هذا المعطى مجددا في تسليط الضوء على مرض التوحد، وأسباب وحيثيات هذه الإصابات المتعلقة بأسر بموظفي التعليم. وفي هذا الصدد أجرى موقع آش نيوز حوارا مع عبد الرحيم الهورو، أخصائي في علم النفس العصبي، حول الموضوع، والذي قدم عددا من المعطيات المهمة في هذا السياق. تفاصيل الحوار في ما يلي:
ما هو رأيكم في ارتفاع وتيرة حالات التوحد في صفوف موظفي التعليم وفق معطيات الوزير؟
إن الإحصائيات التي كشف عنها الوزير، لا يجب أن تتحول إلى إشاعة وادعاء يفيد أن اضطراب طيف التوحد يصيب موظفي قطاع التعليم فقط، أو هم الفئة الأكثر من غيرهم إصابة، لأنه حتى وإن صح ذلك، فإننا نؤكد أن التوحد، كغيره من الاضطرابات الذهنية ووضعيات الإعاقة وباقي الأمراض،لا تميز بين طبقة اجتماعية وأخرى، وهذا أشبه بمن يدعي أن السكري أو القولون العصبي يصيب فئة بعينها، فداء الملوك (النقرس) بدوره يصيب أيضا الطبقات الهشة، ثم إن الخروج بهذه النتائج الإحصائية يحتاج بيانات DATA دقيقة، وهو ما يجعلنا كباحثين نتساءل: ما العينة المدروسة خلال هذا الإحصاء؟ وهل كان اختيارها عشوائيا أم مقصودا؟ وهل كانت عامة شملت المجتمع المغربي بأسره أم لا؟ وهل يوجد أصلا سجل وطني لتأكيد ذلك؟ وما الجهة التي قامت بهذا الإحصاء تحديدا؟ وهل كان إحصاء استدلاليا أم أنه إحصاء وصفي فقط؟ وما مدى دقة هذه الإحصائيات أيضا في ظل الفوضى التي أقرتها التقارير الموضوعاتية حول تقييم وضعية الإعاقة بالمغرب من حيث التشخيصات غير الدقيقة؟
هل هناك أسباب مباشرة مرتبطة بالتوحد؟
لا يوجد سبب وحيد. وأمام اعتباره اضطرابا ذهنيا، تظهر الكثير من التمثلات والممارسات غير الصحيحة، بل تصل أحيانا إلى بيع الوهم والاتجار في هموم الأسر بادعاء علاجات فعالة له. ومن التمثلات الشعبية الأكثر رواجا، هو الاعتقاد بأنه مرض مرتبط بالشاشة، أي مشاهدة التلفاز، أو أن هناك توحدا كاذبا. وفي الوقت نفسه، تظهر على النقيض مقاربات علم النفس النقدي الذي يعتبر التوحد مجرد تنوع عصبي ومنحى جديد من تطور النوع البشري. لكن من زاوية اختصاصنا، فنؤكد على أن ما توصل إليه الطب الحديث، هو أن كل مرض أو اضطراب هو نتاج تفاعل بين ما هو بيولوجي مع ما هو بيئي ليحدد ما هو نفسي.
أمام هذا التعدد في التفسير نتيجة عدم وجود سبب مباشر للتوحد، كيف يمكن للأسر اليوم تدبير الوضع؟
إن عدم وجود علاج ناجح للتوحد، يجعل الأسر ضحية مدعي العلاج بالممارسات الشعبوية التي تجعلها تبحث باستمرار عن الخلاص، لكننا نؤكد أنه حاليا بدأ العمل على إيجاد علاجات تخفيفية وفعالة، في إطار المواكبة التي تقوم بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية، تحقيقا للعدالة الاجتماعية والمجالية التي تنشدها الدولة، ولكن مع ذلك لا زال أمامنا مشوار طويل حتى نحقق الغاية المنشودة والتدخلات الفعالة مع هؤلاء الأشخاص، وأكيد هناك تدخلات تتعلق بالأدوية المقدمة والتربية الخاصة للمصابين وتقويم اللغة والنطق، وهذا ما يشكل أساس خطة العلاج.