وصلت رحلة حكومة عزيز أخنوش إلى منتصفها في انتظار الكشف بشكل رسمي عن الأرقام التي تخص ما تم إنجازه خلال هذه الفترة مقارنة مع ما كان مخططا له ومسطرا على مستوى البرنامج الحكومي والاستراتيجيات التي تمت صياغتها فيما بعد.
وجرى التركيز الحكومي على قطاعي التعليم والصحة خلال الفترة الماضية التي امتدت لحوالي 30 شهرا، والتأكيد في كل مرة على “ضرورة تحقيق نتائج إيجابية بخصوصهما”، في الوقت الذي يعرفان فيه تقاطعا ما بين رؤية شاملة للدولة واستراتيجيات صرف حكومية، إذ عاشا على وقع دينامية اجتماعية “غير مسبوقة”.
حاجيات التعليم
موضوع التعليم كان حاضرا بقوة ضمن النقاش العمومي خلال السنتين ونصف السنة من الولاية الحكومية الجارية، خصوصا فيما يتعلق بتحسين الوضعية الاجتماعية للشغيلة التربوية وضرورة قطع أشواط إضافية في تنزيل مضامين القانون الإطار 17.51، والرفع من جودة التدريس، مع إعادة الثقة في المدرسة العمومية، في حين اتضح أن سيرورة الإصلاح في هذا الإطار ما تزال بحاجة إلى “نفس جديد”.
في هذا الصدد، قال عبد الناصر الناجي، خبير في الشأن التربوي رئيس “جمعية أماكن لتحسين جودة التعليم”، إن الحكومة، ممثلة في وزارة التربية الوطنية، “لم تلجأ إلى تحويل القانون الإطار 17.51 إلى نصوص تشريعية وتنظيمية في الوقت الذي لم تقم فيه كذلك بتفعيل نصوص سبق أن صادقت عليها الحكومة السابقة، باستثناء اللجنة الدائمة لملاءمة وتجديد المناهج والبرامج، بينما لم يتم إخراج المجلس الوطني للبحث العلمي بدوره إلى الوجود بعد”.
وأضاف الناجي، في تصريح لهسبريس، أنه “بخصوص النقاط الثلاث التي ركزت عليها خارطة الطريق التي تستند إلى البرنامج الحكومي، يتضح أن الوزارة لم تتمكن من تحقيق تقدم في نسبة التحكم في التعلمات، إذ ارتفعت نسبة الذين لا يتحكمون فيها إلى 80 في المائة تقريبا خلال سنة 2023، في وقت يظهر أن الوزارة لم تتمكن كذلك من تحقيق الهدف الثاني المرتبط بكبح الهدر المدرسي، بعد أن تجاوز 350 ألفا سنة 2023، ويبقى مرشحا للارتفاع خلال الفترة المقبلة”.
في المقابل، أقر المتحدث بأن “الوزارة نجحت في النقطة الثالثة المتعلقة بتطوير الأنشطة الموازية، إذ يبدو أنها أطلقت مبادرات عدة في هذا الصدد، على أن تبرهن على هذا النجاح خلال ما تبقى من الولاية الحكومية”، لافتا إلى أن “سببين مركزيين ساهما في عدم تحقيق الوزارة تقدما في نقاط خارطة الطريق”.
السبب الأول، وفقا لرئيس “جمعية أماكن”، يتعلق بالمقاربة الوزارية المعتمدة، إذ “استنزفت المشاورات مع الفعاليات التربوية كثيرا من الوقت، وهو ما أبطأ عملية الإصلاح”، والسبب الثاني “يتمثل في اعتماد الوزارة على طريقة التجريب قبل التعميم، من خلال تعويلها على هذه الطريقة خصوصا فيما يتعلق بمدارس الريادة بالمستوى الابتدائي، مما سيجعل من أي نتائج مرتقبة بعيدة المنال خلال السنتين المقبلتين”، مشددا على “ضرورة استغلال ما تبقى من الولاية الحكومية لتحقيق الأهداف المسطرة”.
الاهتمام بالصحة
قطاع الصحة حظي باهتمام لافت، خصوصا وأنه مرتبط بورش وطني جد مهم يتمثل في الورش الملكي للحماية الاجتماعية، في الوقت الذي شهد فيه دينامية اجتماعية مهمة بعد توالي الإضرابات وتنامي المطالب المهنية، مما عزز إكراهات يعيشها القطاع، الأمر الذي “صعّب” التوفيق بينها وبين تنزيل مقتضيات الورش سالف الذكر.
ضمن هذا الإطار، قال الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، إن “هنالك مجهودات فيما يخص البنيات الصحية، حيث صرنا أمام 3 مستشفيات جامعية جديدة، إلى جانب مراكز صحية أخرى على مستوى الأقاليم وقوافل طبية متنقلة، فضلا عن تدابير تتعلق بالحكامة، بما فيها المصادقة على حوالي 14 بروتوكولا علاجيا، بالإضافة إلى إجراءات أخرى همت تكوين رجال الصحة”.
وأشار حمضي، في تصريح لهسبريس، إلى “استمرار إشكال ظروف الاشتغال، إذ ليس هنالك إلى حدود الساعة تحسن، وهو ما يدفع بالمهنيين أساسا إلى الهجرة خارج الديار، ومن المرتقب أن تتواصل نسب المغادرة خلال الفترة المقبلة، في الوقت الذي يحتاج فيه القطاع إلى موارد بشرية إضافية لسد الخصاص، مع لفت الانتباه إلى أن إحداث ثورة في القطاع رهين بالكشف عن أفكار وسياسات وكفاءات جديدة”.
وعن موضوع التغطية الصحية، أوضح الباحث في السياسات والنظم الصحية أن “المغرب يسير بشكل جيد فيما يخص الشق القانوني، غير أنه ما يزال بحاجة إلى جهد إضافي في مسألة التنزيل لاستفادة كل الفئات من الخدمات الصحية التي جاء من أجلها، إذ وصل إجمالي المستفيدين من أمو تضامن إلى حوالي 10 ملايين و681 ألفا و546 فردا، وفقا لإحصائيات شهر يناير، في حين بلغ عدد المستفيدين المشتغلين غير الأجراء حوالي 3 ملايين و769 ألفا و428 مستفيدا، في الوقت الذي يصل فيه عدد المستفيدين من أمو الشامل إلى حوالي 5 آلاف مستفيد”.
وبحسب للأرقام ذاتها، بلغ عدد المستفيدين بالقطاع الخاص حوالي 9,68 مليونا، ضمنهم 3,6 ملايين من النشطين و680 ألفا من المتقاعدين، فيما بلغ عدد المستفيدين بالقطاع العمومي حوالي 3,11 مليونا، منهم 867 ألف نشيط و540 ألف متقاعد وحوالي 1,7 مليون من ذوي الحقوق.
وشدد حمضي على “ضرورة حل مختلف الإكراهات التي تعيق استفادة فئات معوزة من البرامج الصحية الوطنية، في الوقت الذي تحتاج فيه المنظومة الصحية إلى إعادة بناء ثقة المواطنين بها، وهو ما يمكن ان يتم عبر النهوض بوضعية المستشفيات العمومية وإصلاح صناديق التأمين وتمكين ذوي الاشتراكات من حقوقهم الصحية حتى يتم الوصول إلى نجاح الورش”.