✍🏿 بقلم ذ. محمد باحمدي، مناضل FNE ضمن الموقوفين بقلعة السراغنة
انتهاء أجل التوقيف المؤقت (4أشهر) يفرض إرجاع الموقوفين بقوة القانون:
إن توقيف الأساتذة بشكل مؤقت عن العمل كان بموجب الفصل 73 من الظهير 1.58.008 بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية و الذي جاء في فقرته الأولى "إذا ارتكب أحد الموظفين هفوة خطيرة سواء كان الأمر يتعلق بإخلال في التزاماته المهنية أم بجنحة ماسة بالحق العام فإنه يوقف حالا من طرف السلطة التي لها حق التأديب" فالفصل يعطي للإدارة الحق في توقيف الموظف مؤقتا عن العمل (لا نناقش هنا مشروعية التوقيف بل نناقش فقط المقتضيات القانونية المعمول بها و القضاء الإداري يبقى الجهة الوحيدة المخول لها فحص مشروعية القرارات الإدارية)، غير أن نفس الفصل ينص في فقرته الثالثة على أنه "و في حالة التوقيف المؤقت يجب استدعاء المجلس التأديبي في أقرب أجل ممكن كما يجب أن تسوى نهائيا حالة الموظف الموقف في أجل أربعة أشهر ابتداء من اليوم الذي جرى فيه العمل بالتوقيف، و إن لم يصدر أي مقرر عند انتهاء هذا الأجل فإن الموظف يتقاضى من جديد مرتبه بأكمله"، فالفقرة الثالثة تنص على ضرورة استدعاء المجلس التأديبي في أقرب أجل ممكن ليبت في ملف الموظف الموقوف مؤقتا عن العمل لأن أجل التسوية النهائية لحالة الموظف الموقوف ينبغي أن لا تتعدى 4 أشهر تحتسب من يوم تسلم الموظف لقرار التوقيف لأنه أجل سريان مفعول القرار، و المشرع لم يحصر أجل التوقيف المؤقت في 4 أشهر بشكل اعتباطي بل إن المتأمل للفقرة الثالثة من الفصل يجدها تنص على ضرورة استدعاء المجلس التأديبي للبت في قضية الموقوف مؤقتا عن العمل، لأن أجل إدلاء المجلس التأديبي بمقترح العقوبة أو الحفظ أو عد المتابعة ينبغي أن لا يتجاوز شهر مع إمكانية تمديد هذا الأجل ل3 أشهر عند القيام ببحث على أن لا يتعدى أجل البت النهائي في قضية الموقوف مؤقتا 4 أشهر، فأجل التوقيف المؤقت لا ينقطع بالإحالة على المجلس التأديبي بل إن انتهاءه يفرض بقوة القانون إرجاع الموظف الموقوف لعمله مع تسوية وضعيته الإدارية و المالية مع صرف راتبه من جديد بأكمله، و هو ما قصده المشرع بقوله "و إن لم يصدر أي مقرر عند انتهاء هذا الأجل (أي أجل 4 أشهر) فإن الموظف يتقاضى من جديد مرتبه بأكمله" و الإدارة في هذه الحالة تحتفظ بحقها في تحريك المتابعة التأديبية قصد البت في ملف المعني بالأمر لكن بعد إرجاعه لمقر عمله عند انتهاء أجل 4 أشهر، كما أن ما يزكي هذا الطرح هو الفقرة الرابعة من الفصل 73 و التي جاء فيها " وللموظف المعني بالأمر الحق في استرجاع المبالغ المقتطعة من مرتبه إن لم تصدر عليه أية عقوبة غير الإنذار والتوبيخ والتشطيب من لائحة الترقية أو إن لم يقع البت في قضيته عند انتهاء الأجل المحدد في الفقرة السالفة" فالمشرع هنا كان واضحا عندما استعمل عبارة "أو إن لم يقع البت في قضيته عند انتهاء الأجل المحدد" فالمقصود هنا هو البت النهائي و ليس الإحالة على المجلس التأديبي كما يعتقد البعض لأن هذا تكريس للضمانات التأديبية التي يمنحها المشرع للموظف قصد صيانة حقه و مركزه القانوني، بالتالي فإن انتهاء أجل 4 أشهر دون البت النهائي في القضية يعطي الحق للموظف الموقوف في العودة للعمل مع صرف كامل مستحقاته طيلة فترة التوقيف المؤقت عن العمل، كما له الحق في استرجاع جل المبالغ المقتطعة طيلة فترة التوقيف المؤقت في حالة صدور عقوبة الإنذار أو التوبيخ أو التشطيب من لائحة الترقي، أما إن صدرت في حقه عقوبة أخرى و لو إقصاء مؤقت لمدة يوم واحد فلا حق له في استرداد ما اقتطع من أجرته.
من القضايا التي عرضت على القضاء في هذا السياق قضية موظفة ببريد المغرب بمكناس تم توقيفها مؤقتا عن العمل لأنها كانت موضوع متابعة قضائية غير أنها و بعد انتهاء أجل التوقيف المؤقت اتجهت للمحكمة الإدارية قصد الطعن في قرار التوقيف المؤقت مع المطالبة بإرجاعها لمقر عملها و تسوية وضعيتها الإدارية و المالية نظرا لعدم صدور أي قرار بشأنها و تحججت الإدارة بأن الموظفة الموقوفة مؤقتا موضوع متابعة قضائية غير أن المحكمة قضت بإلغاء القرار الإداري عدد 15/4462 الصادر عن بريد المغرب مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية، و قد استأنفت الإدارة الحكم لكن محكمة الاستئناف بالرباط قضت بتأييد الحكم الابتدائي، و قامت الإدارة بعد ذلك بالطعن بالنقض إلا أن محكمة النقض رفضت طلب الإدارة و عللت قرارها بأن الموظفة و إن ارتكبت أفعالا تكتسي طابعا إجراميا (الاختلاس، خيانة الأمانة...) فإنه في ظل عدم صدور أي مقرر قضائي بالمتابعة في حقها بعد مرور أجل 4 أشهر من تاريخ صدور قرار التوقيف فإن ذلك يقتضي تسوية وضعية الموظفة و لا مجال لاحتجاج الإدارة بوجود متابعة قضائية (قرار محكمة النقض عدد 1189 الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2019 في الملف الإداري عدد 2018/1/4/3437).
ملاحظة: في القضية أعلاه الموظفة متابعة بأفعال إجرامية و بالرغم من ذلك حكمت المحكمة لصالحها بعد انتهاء أجل 4 أشهر من التوقيف المؤقت، و اعتبرت المحكمة أن عدم صدور أي مقرر قضائي يقضي بإدانتها و استيفاءها لمدة 4 أشهر التي هي الأجل القانوني للتوقيف المؤقت يجعل الإدارة ملزمة بإرجاعها لمقر عملها و تسوية وضعيتها الإدارية و المالية، و للإدارة الحق في تحريك المسطرة التأديبية في الحالة التي يصدر في حقها قرار قضائي بالإدانة مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
و هناك قضية أخرى مشابهة عرضت على القضاء الإداري بعد انتهاء الأجل القانوني للتوقيف المؤقت لموظف يشغل منصب مهندس رئيس بالمديرية الإقليمية للتربية و التكوين بسيدي سليمان تم توقيفه مؤقتا عن العمل فاتجه للمحكمة الإدارية قصد الطعن في قرار التوقيف بعد استيفاءه لأجل 4 أشهر و عدم اتخاذ أي قرار تأديبي في حقه ملتمسا الحكم بإلغائه مع ترتيب كافة الآثار القانونية على ذلك، وذلك ما كان حيث قضت المحكمة الابتدائية بإلغاء قرار التوقيف المؤقت عن العمل مع ترتيب كافة الآثار القانونية (استرجاع المبالغ المقتطعة و تسريح الراتب من جديد...)، و قد استأنفت المديرية الإقليمية القضية أمام محكمة الاستئناف بالرباط التي قضت هي الأخرى بتأييد الحكم الابتدائي الذي ألغى قرار التوقيف المؤقت، فطعنت المديرية بالنقض في الحكم إلا أن محكمة النقض قضت برفض طلب النقض المرفوع من طرف المديرية و تحميلها الصائر و عللت قرارها بأن قرار التوقيف المؤقت خرج عن المقتضيات التشريعية المتعلقة به نظرا لعدم تسوية وضعية الموظف الموقوف مؤقتا عن العمل بعد انتهاء أجل 4 أشهر ابتداء من اليوم الذي جرى فيه العمل بالتوقيف (قرار صادر عن محكمة النقض رقم 1/299 صادر بتاريخ 16 مارس 2023 في الملف الإداري رقم 2022/1/4/1432).
ملاحظة: المديرية الإقليمية في عريضة النقض التي قدمتها و التي رفضت من قبل محكمة النقض صرحت بأن انتهاء الأجل القانوني للتوقيف المؤقت لا يخول الموظف الموقوف مؤقتا طلب إلغاء قرار التوقيف الاحتياطي و إنما يخوله فقط طلب صرف أجوره من جديد، بالتالي فهي تعترف أن انتهاء الأجل القانوني للتوقيف المؤقت لا ينقطع بالإحالة على المجلس التأديبي بل إن انتهاء الأجل المحدد في 4 أشهر يعقبه بشكل مباشر آثار قانونية (صرف الأجرة و إرجاع المعني بالأمر لمقر عمله حسب قرار محكمة النقض).
محمد باحمدي باحث بسلك الدكتوراه تخصص العلوم القانونية.