يرتفع عدد المتقاعدين كل سنة حتى أن عددهم أصبح يفوق مجموع منخرطي كل الأحزاب والنقابات في غياب إحصاء رسمي لهذه الفئة المسحوقة، لاختلاف مهنها وصناديق تقاعدها بين مؤسسات تعدت تسمياتها وشعاراتها، وتوحدت في الاستهانة بالعنصر الذي تؤمن تقاعده عندما يكون ممولا ومنتجا لسيولة مالية على انخراطه لتأمين هذا التقاعد بمعاش ليعيش به وهو الذي يزداد ميتا بلا روح ولا إنصاف ولا وفاء ولا حتى إنسانية على هياكل عظمية منحت كل قوتها وتفكيرها واجتهاداتها للعمل المنوط بها مقابل أجر يقتسمه الأجير مع مختلف الضرائب والرسوم والانخراطات في التعاضدية والتقاعد والتأمين الإجباري والاحتياط الاجتماعي إلخ، وبعد اقتطاعات لعقود من المنبع، ازدهرت مقرات المؤسسات الموكول إليها خدمة المنخرط، وتوسعت في مركبات فخمة وتجهزت بتجهيزات حديثة وتأطرت بالمزيد من المؤطرين الساهرين على ملفات المنخرطين والمشتركين والحارسين على تدفق الواجبات المالية في حسابات الصناديق، أما وضعية هؤلاء المؤمنين قبل وبعد التقاعد، فإنها مجردة من الإنسانية لتتحول إلى رقم حساباتي لكل منتمي إلى القطاع التقاعدي، أي المنخرط، وهذا نعت غير صائب لأن الانخراط يكون اختياريا وغير ملزم، أما المتقاعد فهو مكفول بقوة القانون من قبل الإدارة التي تكفلت بتدبير الصندوق المكلف بضمان معاشه عند تقاعده، والصندوق مسؤول عن توظيف واستثمار واجبات الاشتراكات للمشتركين فيه والمحميين في شراكتهم وليس في مجرد انخراطهم بشراكة لم تفعل، كما لم توظف أموال الانخراطات في مشاريع استثمارية، كالعقار والمعاملات التجارية والبورصة.
وهنا نذكر بأن الصندوق عند تأسيسه في الستينات، شرع في بناء عمارات سكنية بساحة الجولان وشارع باتريس لومومبا وزنقة المرج، وعززها بمحلات تجارية ووضع الكل في وضعية الكراء مستثمرا بذلك اشتراكات الموظفين في الرصيد العقاري الذي لا يزال قائما إلى اليوم، فلماذا تم التخلي عن هذا الاستثمار؟ ومن يتحمل المسؤولية ؟
على كل حال، فليس المشترك الذي يشارك بأمواله طيلة عقود ليتفاجأ بالتلويح بإفلاس صناديق التقاعد دون أن يشار إلى الأسباب والمتسببين في الإفلاس ويصعق وهو حي يرزق باعتباره ميتا من قبل الأحزاب والنقابات، بعد إقصائه من المفاوضات مع من يهمهم الأمر، للزيادة في الأجور لمواجهة ارتفاع متطلبات الحياة، حيث تم إهمال والاستهانة بأزيد من مليوني متقاعد يعانون من أمراض الشيخوخة ويقاسون الفراغ ويتعذبون جراء الغلاء الذي يذوب معاشاتهم الهزيلة في مستلزمات الأدوية لمكافحة سقم تضحياتهم وتفانيهم في عملهم قبل أن يرموا إلى الهامش، لهذا انتفضت عدة جمعيات تجمعهم وقررت مغادرة العمل الجمعوي لتأسيس حزب المتقاعدين ردا على تهميشهم من الحوار الاجتماعي، وتفعيلا لشعار هذا الحزب: لن يدافع عن المتقاعد إلا المتقاعد .
ومن يدري.. فقد يتصدرون المشهد الحزبي في المملكة اعتبارا لعدالة قضيتهم ووحدة هدفهم لإنصاف وتقدير المتقاعد.