يستمر موضوع الإضراب في فرض نفسه كأهم المواضيع التي لا تزال رائجة داخل المؤسسات النقابية الوطنية بمختلف تمثيلياتها، في الوقت الذي لا يزال القانون المنظم للحق في الإضراب رهين الجلسات الحوارية بين الحكومة والمركزيات النقابيات الثلاث الأكثر تمثيلية.
وتحدث يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، الاثنين الماضي، عن أن إخراج المسودة النهائية من مشروع قانون الإضراب راجع إلى وجود عدم توافق مع النقابات التي طرحت مطالب نقابية مشروعة ومهمة بهدف عدم تكبيل الحق في الإضراب، متابعا أن “الإضراب يجب أن يمارس؛ لكن ليس على حساب المشغلين الذين يحترمون حقوق عمالهم والاتفاقيات الجماعية”.
ولفت المسؤول الحكومي، الذي كان يتحدث أمام النواب البرلمانيين، إلى “أن مشروع القانون يهدف إلى تقديم مثال يرتبط بممارسة حق الإضراب بضوابط تضمن الحقوق والواجبات”، على أن “تتم مناقشته بالبرلمان، بعد التوافق عليه مع النقابات”.
وحسب مصادر نقابية، فإن “الاجتماعات، التي تمت في الوقت الفائت، جرت خلالها مناقشة فحوى مشروع القانون التنظيمي للإضراب بشكل كلي، حيث تم تقديم ملاحظات عن كل مادة على حدة”، متحدثة بذلك عن كون “النص الذي اطلعت عليه ينطوي على تكبيلٍ للإضراب من خلال ربط الحق فيه بالمصلحة المباشرة”.
يونس فيراشين، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قال إن “الكونفدرالية عقدت، إلى حدود الساعة، ثلاثة اجتماعات مع الوزارة المعنية، حيث تم تدارس مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب مادة بمادة. كما سجلنا مجموعة من الملاحظات في هذا الصدد، في انتظار التوصل بالأجوبة”.
أولى هذه الملاحظات، أوضح الفاعل النقابي ذاته، هي أن “النص في صيغته الحالية يكبل الحق في الإضراب؛ بدءا بتعريف هذا الأخير الذي يربطه نفسه بالمصلحة المباشرة والمصالح الاجتماعية، أي أن الإضراب حول مطالب لها علاقة بالكرامة وذات طبيعة معنوية غير ممكن، ثم إن الحديث عن المصلحة المباشرة يعني ضمنيا أن الإضراب التضامني غير ممكن هو الآخر”.
وتابع بأن “مجموعة من الشروط والإجراءات التي جاء بها النص والمقررة للإعلان عن الإضراب تجعل منه فعلا مستحيلا؛ نظرا للتعقيد الذي تتسم به، قس على ذلك حرمان شغيلة بعض القطاعات من غير حملة السلاح من هذا الحق على غرار المراقبين الجويين والقيمين الدينيين، إضافة إلى اللبس الذي يعتري مفهوم الحد الأدنى للخدمة في حد ذاته”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن “هذا القانون يجب أن يحترم أولا المرجعية الدولية، إذ يجب أن يسرع المغرب في المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم، التي أوصت مجموعة من المؤسسات الوطنية الحكومة بالمصادقة عليه. كما يجب أن يحترم الدستور الذي يكرس هذا الحق”، مسجلا أن الكونفدرالية “ستواصل الحوار مع الحكومة حول هذا القانون بغية الوصول إلى توافقات بشأنه”.
من جهته، قال علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل (لم تحضر الاجتماعات السابقة حول مسودة قانون الإضراب)، إن ما “يوصلنا إلى واقع اليوم يبدو أنه يتصل بكون المركزيات النقابية الثلاث ترفض ما يمكن أن يتضمنه من بنود غير مناسبة، على أن تقوم بالتعبير عن رأيها بخصوصها”.
وأضاف لطفي، في تصريح لهسبريس، أن “القانون المنظم للإضراب يجب أن يحمي، ضمن بنوده ونصوصه، هذا الحق الذي ضمِنته الوثيقة الدستورية في فصلها الثامن والعشرين، حيث لا يمكن القبول بمساسه لارتباطه بسيرورة المجتمع وحقوق الأجراء على الخصوص”.
وتابع: “في المنظمة، نعتبر أنه من الأولى أن يتم تحديد من له الحق في الإضراب، حيث ربما يتضح أن هنالك توجها نحو سد الأبواب على كل من ليس نقابة من أجل الدعوة إلى الإضراب أو الانخراط فيه، في وقت توجه اليوم عدد من الأطراف التي تدعو إلى الإضراب عن العمل وليست بمركزية نقابية، بما فيها التنسيقيات”، لافتا إلى أنه “يجب أن نعرف مستقبلا هل الأجراء فقط من لهم الحق في القيام بالإضراب أم أن الأمر يشمل كذلك أرباب العمل”.
وقبل كل هذا، دعا الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل إلى “تنفيذ ما جاء في الفصل الثامن من دستور سنة 2011 بهدف إخراج القانون المنظم لعمل النقابات التي لا تزال تشتغل بظهير سنة 1957، إذ إن كل التشريعات تغيرت وكل المجالات تغيرت فيها القوانين ما عدا المجال النقابي”، موضحا أن “تنظيم المشهد النقابي وتقنينه أمر مستعجل، لتكون الأمور التنظيمية واضحة؛ وهو ما سيساهم كذلك في التنزيل الأنسب لمسودة القانون المنظم للإضراب”.