تعتبر تقنية الذكاء الاصطناعي من أهم التطورات التكنولوجية في عصرنا الحالي، حيث يمكنها أن تحدث ثورة في مختلف مجالات الحياة، على اعتبار أنها تساعد في حل العديد من التحديات البيئية والاجتماعية، مثل الرقابة على الكوارث والتنبؤ بها، وتدعم النمو الاقتصادي من خلال رفع كفاءة العمليات وابتكار خدمات وأعمال جديدة، وكذا تطوير قدرات الإنسان ومساعدته على التركيز في أعماله الأكثر قيمة وإبداعية وتحسين جودة الحياة مثل الصحة الذكية والنقل وتطبيقات الترفيه، لذا يجب الاستثمار في بحوثها وتطويرها كما ينبغي، وكذلك وضع تشريعات لضمان استخدامها بما يحقق المصلحة العامة وحماية البيانات .
يشهد المغرب خلال السنوات الأخيرة تطورا ملموسا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يتم توظيف هذه التقنية المستحدثة في عدد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية، فحسب التقرير الصادر عن منظمة اليونسكو حول أهم مؤشرات الذكاء الاصطناعي في العالم قبل ثلاث سنوات (2021)، فقد ظهر أن المغرب كان في ترتيب متأخر نسبيا على مستوى استخدامه لتقنيات تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فقد جاء في المرتبة الـ 35 عالميا في مؤشر مراقبة البيانات المفتوحة، كما حل في المرتبة 50 في مؤشر الأمن السيبراني العالمي،
وهذا الترتيب المتأخر يرجع إلى عدة أسباب منها:
ندرة الاستثمارات في مجال البحث والتطوير في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي؛
ضعف الإطار التشريعي والتنظيمي لتمكين تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛
قلة الخبرات والكوادر الوطنية في مجالات البيانات والذكاء الاصطناعي.
وقد حرص المغرب منذ ذلك الوقت على وضع سياسات لتعزيز مكانة البلاد في هذا المجال الحيوي، بعد أن كشف تقرير اليونسكو عن الترتيب المتأخر للمغرب في مجال الذكاء الاصطناعي، فما كان من المغرب إلا الاستدراك قبل فوات الأوان، إذ عمل في عدد من السياسات والاستراتيجيات على تعزيز مكانة البلاد في هذا المجال، ومن أهمها:
وضع استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تمتد حتى سنة 2030 تهدف إلى جعل المغرب رائدا في هذا المجال؛
زيادة الاستثمار في مشاريع بحث وتطوير الذكاء الاصطناعي بنسبة 50 % سنويا؛
إطلاق مبادرات لبناء كفاءات وطنية في مجالات البيانات والخوارزميات؛
تشجيع الاستثمار الأجنبي من خلال تقديم حوافز وتسهيلات لشركات الذكاء الاصطناعي؛
وضع تشريعات وقوانين لحماية البيانات وتنظيم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي؛
التعاون مع مؤسسات دولية لرفع قدرات الباحثين والمهندسين.
خلال الاجتماع الأخير المنعقد بالرباط (17 ماي 2024) أكدت مساعدة المديرة العامة لليونسكو لقطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية، غابرييلا راموس، مع الوزيرة المنتدبة المغربية غيثة مزور، أن المغرب يعد أول دولة عربية وإفريقية تنفذ توصية اليونسكو حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وعبرت راموس عن تهنئتها للمملكة على هذه المبادرة الرائدة التي تضع المغرب في مقدمة الدول في هذا المجال في المنطقة، كما أشادت بالتعاون الوثيق بين وزارة التحول الرقمي وإصلاح الإدارة المغربية ومنظمة اليونسكو في جوانب مختلفة متعلقة بجاهزية المملكة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما تناول اللقاء، في محوره الرئيسي، المعالم الأساسية لانضمام المغرب لتوصيات اليونسكو حول أخلاقيات هذا النوع من التقنيات، ومن أجل تيسير استفادة البلاد من فرص وإمكانات الذكاء الاصطناعي، وجاء التقرير بسلسلة من التوصيات تشمل توجيهات بشأن الأطر التنظيمية والمؤسسية والاستثمار في البحث والتطوير، مثلما دعا إلى تعزيز الكفاءات ومراجعة بعض القوانين لتتلاءم مع تطبيقات هذه التقنيات الجديدة.
وقد خلصت نتائج تقرير الاجتماع الأخير إلى أن المغرب يتمتع ببعض المقومات الضرورية، لكنه في حاجة إلى استراتيجية وطنية شاملة في هذا المجال، حيث تبرز من بين نقاط قوته، تشجيع البحث العلمي والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي ودعم المشاريع البحثية في هذا المجال، وتطوير البنية التحتية والكفاءات الوطنية لتمكين المغرب من استغلال فرص الذكاء الاصطناعي، وكذلك وضع إطار قانوني وتنظيمي لضمان تطور الذكاء الاصطناعي بشكل آمن ومسؤول يحترم حقوق الإنسان، وتعزيز التعاون الدولي في مجال بناء القدرات وتبادل الخبرات، خاصة مع البلدان المتقدمة في هذا المجال، وتأهيل وتدريب الكوادر الوطنية لامتلاك المهارات والخبرات اللازمة لتوجيه تطور الذكاء الاصطناعي، وأيضا وضع استراتيجية وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي تضع الإطار العام لتحقيق تطبيقاته بشكل يخدم التنمية المستدامة.