مباشرة بعد صدور النتائج النهائية للدورة العادية لامتحان نيل شهادة البكالوريا برسم السنة الجارية، راجت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لبيانات نقط تجسد ما وصفه كثيرون بـ”النفخ والتضخيم” الذي طال نقط المراقبة المستمرة لبعض التلاميذ، خاصة من طرف مؤسسات التعليم الخصوصي، قبل أن تكشف النقاط المتحصل عليها في الامتحان الوطني المستوى الحقيقي لهؤلاء التلاميذ.
ويرى خبراء تربويون أن استمرار هذه “الظاهرة غير الصحية” يؤدي إلى رفع نسب النجاح في البكالوريا، منتقدين تحويل المراقبة المستمرة من تقييم لمواكبة الاحتياجات التربوية للتلميذ إلى وسيلة لمساعدته على النجاح، مؤكدين أن هذا الأمر يؤثر كذلك على المسار الأكاديمي للتلميذ ويساهم في مفاقمة نسبة الهدر الجامعي بالمغرب، بالرغم من أن وزارة التعليم العالي عملت في السنوات الأخيرة على الحد من آثار التضخيم الذي يطال هذه النقط، بعدم احتسابها في الانتقاء لاجتياز مباريات الولوج إلى المعاهد والمدارس ذات الاستقطاب المحدود.
ظاهرة غير صحية
عبد الناصر الناجي، رئيس مؤسسة “أماكن لجودة التعليم”، قال إن “النتائج المتحصل عليها في الامتحان الوطني، هي التي تعكس المستوى الحقيقي للتلميذ. وعليه، فإن تضخيم النقط المتحصل عليها في المراقبة المستمرة ظاهرة غير صحية، لها انعكاسات سلبية على مسار التلاميذ الأكاديمي لما بعد البكالوريا”، مشددا على ضرورة الكشف عن “نسبة التلاميذ الذين تحصلوا على أكثر من 10 في الامتحان الوطني لمقارنتها بنسبة النجاح التي أعلنت عنها الوزارة الوصية”.
وأوضح الناجي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “ارتفاع نسبة التلاميذ الذين نجحوا بميزة يطرح على ضوء ذلك مجموعة من علامات الاستفهام، خاصة وأن الوزارة الوصية على القطاع نفسها تؤكد أن نسبة قليلة فقط من التلاميذ هم من يتحكمون في الكفايات الدنيا والمكتسبات الأساسية”، مشيرا إلى أن “المراقبة المستمرة هدفها الأساسي ليس التقييم النهائي للتلميذ وإنما التقييم التكويني لتطوير أدائه وتصحيح أخطائه، غير أنها استعملت لمساعدة التلاميذ على تحسين نقطهم في البكالوريا”.
وأشار إلى أن “طريقة احتساب المعدل العام للبكالوريا وتقسيم الامتحان إلى جهوي وآخر وطني، تنطوي على هذه الفلسفة وعلى مبرر تسهيل عقبة البكالوريا أمام المتعلمين”، مشددا على أن “تضخيم نقاط المراقبة بشكل لا يعكس مستوى للتلاميذ سيؤثر على مسارهم الدراسي ولن يستطيعوا مواكبة التعليم العالي، إذ إن الإحصائيات الرسمية لوزارة التعليم العالي نفسها تؤكد ذلك”.
وسجل الناجي أن “الشائع أن هذه الإشكالية مطروحة أساسا في التعليم الخصوصي، وهناك مجموعة من المعطيات والمقارنات التي قد تؤكد ذلك، على غرار استحواذ تلاميذ التعليم العمومي على نسب النجاح في مباريات المدارس العليا في الداخل والخارج”، لافتا إلى أن “احتساب نقاط المراقبة المستمرة في المعدل العام للبكالوريا، يفسح المجال أمام بعض مؤسسات التعليم الخاص للتحكم في هذه النقط وتضخيمها ربما بهاجس الربح وجذب أكبر عدد من المتعلمين”.
ارتفاع الهدر الجامعي
خالد الصمدي، خبير في قضايا التربية والتكوين، قال إن “المعدلات المرتفعة التي يحصل عليها بعض التلاميذ في المراقبة المستمرة، يمكن أن نُدخلها في إطار السلطة التربوية والتقديرية للأستاذ. وبالتالي، فإن الأمر يبقى نسبيا ولا يمكن الحسم فيه بشكل موضوعي”، مشددا في الوقت ذاته على أن “النفخ في نقط المراقبة المستمرة واحتسابها في المعدلات العامة لمستويات الثانية بكالوريا، يؤثر بالتأكيد على نسب النجاح ويرفعها”.
وأضاف الصمدي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تضخيم معدلات المراقبة المستمرة بغية الرفع من نسب النجاح يؤثر على مستوى التلاميذ وعلى مدى قدرتهم على مواكبة الحياة والدراسة الجامعية، وهو ما تؤكده النسب المقلقة التي يسجلها الهدر الجامعي في المغرب”.
في هذا الإطار، أشار الخبير التربوي ذاته إلى أن “عددا كبيرا من الطلبة المسجلين في السنة الأولى في الجامعات المغربية لا يحصلون على شهادة الإجازة ويغادرون كراسي المدرجات، وأحد أهم الأسباب المفسرة لهذا الارتفاع الكبير في نسبة الهدر الجامعي هو تضخيم النقط التي لا تعكس بالضرورة المستوى الحقيقي للتلميذ الذي سرعان ما يجد نفسه غير قادر على مسايرة الحياة الجامعية في شقها الأكاديمي”.
في المقابل، سجل المتحدث أن “وزارة التعليم العالي عملت في السنوات الأخيرة على مواجهة ظاهرة النفخ في نقط المراقبة المستمرة من خلال احتساب نقط الامتحان الجهوي والوطني فقط في الانتقاء لاجتياز مباريات الولوج إلى المعاهد والمدارس ذات الاستقطاب المحدود. وبالتالي، فإن استمرار هذه الظاهرة لم يعد مؤثرا على هذا المستوى”، عكس ما كان عليه الوضع سابقا.