recent
آخر المواضيع

خبراء يعددون أعطاب وتحديات إصلاح نظام الوظيفة العمومية في المغرب

 

أجمع المتدخلون في اليوم الدراسي الذي نظمه الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بمجلس المستشارين، حول “الوظيفة العمومية بالمغرب: بين واقع التحولات وضرورة توفير الخدمة العمومية”، على أن الإصلاحات التي طالت نظام الوظيفة العمومية شابتها مجموعة من الاختلالات ووصمته بالريع السياسي.

وقال عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ العلوم السياسية بجماعة محمد الخامس بالرباط، إن كل الإصلاحات التي عرفها نظام الوظيفة العمومية “تفتقر إلى النظرة الشمولية، على اعتبار أنها كانت دائما إصلاحات قطاعية جزئية، ولم تستطع النفاذ إلى جوهر نظام الوظيفة العمومية”.

واعتبر أدمينو أن هذه الإصلاحات كان فيها نوع من “الريع السياسي والمحسوبية السياسية”، خاصة وأن طبيعة الإصلاحات كانت بـ”ضغط من النقابات، ولم تكن نتاج تطور عادي للنظام الأساسي للوظيفة العمومية”.

وزاد موضحا أن إصلاح الوظيفة العمومية “لم يكن قط موضوعا لحوار أو نقاش وطني عام، بمعنى أن الأمر ارتبط بإرادة سياسية لحكومة معينة، وأحيانا تكون هناك قطائع ما بين المشاريع التي تبدؤها حكومة ولا تنهيها حكومة أخرى”.

وسجل الخبير ذاته هيمنة النقاش الاختزالي على الوظيفة العمومية، الذي يركز على أن الوظيفة العمومية “مكلفة، وكتلة الأجور مرتفعة، وعدد الموظفين مرتفع، ولكن إذا قارناه بعدد السكان لا يمثل شيئا”، بالإضافة إلى النقاش حول “سلطوية الموظفين ومقاومتهم للتغيير، وأن النقاش حول الوظيفة العمومية هو نقاش فقط من أجل انتزاع مزيد من الحقوق، وكأن الأمر يتعلق فقط بنضال حول الحقوق دون الاهتمام بالواجبات، وهذا مهم جدا على اعتبار أن القانون الإداري هو قانون الحقوق أكثر من كونه قانون واجبات”.

وأشار أدمينو إلى أن النظام الإداري مع الرقمنة والذكاء الاصطناعي وما سيقدمه الأخير على مستوى الخدمة العمومية والوظيفة العمومية، “سيسائل هذا النظام برمته، وسنصبح أمام تطبيقات ومنصات أو ما تسمى الدولة المنصة، والخدمات الإدارية سيتم طلبها وتلقيها من المنصات، ولن تكون لنا فرصة اللقاء مع هذا الموظف موضوع هذا اليوم الدراسي”، مؤكدا أن مستقبل الوظيفة العمومية في ظل هذه التحولات على المحك.

من جهته، قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الإداري بكلية الحقوق بسطات، إن من أهم الإنجازات المسجلة إصدار “ميثاق للمرافق العمومية”، يتضمن “التزامات الإدارة وأعوانها وقواعد تنظيمها وتدبيرها والقواعد المنظمة لعلاقة الإدارة بالمرتفق، وسن قواعد التدقيق الدوري وتعليل القرارات الإدارية ونشرها وقياس الأداء والجودة”.

وأضاف اليونسي موضحا أن هذا المبدأ يرسخ توجه إعمال “دولة الحق والقانون، وللعنصر البشري دور محوري في هذا الشأن”، وأكد أن مبدأ الشفافية يمكن الحديث فيه عن مجموعة من التدابير، من أبرزها محاربة الفساد.

اليونسي لفت إلى أن المغرب وقع على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد سنة 2007، وتم نشرها في الجريدة الرسمية في 17 يناير 2008، مبرزا أن هذه الاتفاقية توصي في المادة 8 باتخاذ التدابير والقوانين التي تلزم “الموظفين العموميين بضرورة الإفصاح عن أنشطتهم الخارجية واستثماراتهم وغيرها، التي يمكن أن تشكل موضوعا لتضارب المصالح. والمادة 19 توصي أيضا بتجريم إساءة استغلال الوظيفة من طرف الموظف العمومي بغرض الحصول على مزايا غير مستحقة لصالحه أو لغيره”.

وبين الخبير ذاته أن المدونة الدولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين تشير بـ”وضوح وبصيغة الجزم إلى أنه لا يجوز للموظفين العموميين استغلال سلطتهم الرسمية لخدمة مصالحهم الخاصة أو مصالح أسرهم”، موردا أن الدستور المغربي في الفصل 36، وعلى الرغم من أنه يعتبر “تضارب المصالح مخالفة للقانون، فإن تنظيمها لم يتم إلى حدود الساعة بموجب قانون، بل هناك فقط مواد متفرقة في قوانين مختلفة”.

وسجل اليونسي أن تفعيل المفتشيات “مازال ضعيفا إلى حدود الساعة، وهو مرتبط بعدم تحديث المنظومة القانونية، وأساسا عدم وجود إرادة سياسية لتفعيلها وتوفير الأطر البشرية اللازمة لاشتغالها”.

كما أكد المتحدث أهمية مبدأ العدالة الأجرية من خلال إقرار منظومة جديدة للأجور، “محفزة ومنصفة وشفافة، ترتكز على الاستحقاق والمردودية والفعالية والإنجاز الفعلي للعمل”، مع إقرار نظام جديد يشجع على “إعادة انتشار الموظفين لتحفيزهم على العمل بالمناطق الصعبة والنائية، إضافة إلى القطع مع تعدد الأنظمة الأساسية التي تتجاوز في المغرب أربعين نظاما أساسيا مع التناقضات”.

وركز اليونسي على أهمية مبدأ القرب والإنصاف في التوزيع الترابي، خصوصا من خلال إقرار حقيقي لـ”ميثاق اللاتركيز الإداري 26 دجنبر 2018، لكن هذا المرسوم ظل يراوح مكانه ومازالت مركزة القرار هي المسيطرة”، مشيرا إلى أنه على الرغم من توجه عديد من القطاعات إلى التوظيف الجهوي، إلا أن ذلك يبقى “مقتصرا على بعض القطاعات، كما أن تمكين الإدارات الترابية من موارد بشرية كفؤة يتطلب تمكين هذه الهياكل اللاممركزة من صلاحيات حقيقية، دون إغفال أهمية الإدارة الترابية، سواء تلك المتعلقة بالجماعات الترابية أو سلطة المراقبة الإدارية”.

من جهته، قال المستشار البرلماني خالد السطي، عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، في كلمة بالمناسبة، إن تنظيم نقابته لهذا اللقاء الدراسي يأتي “انسجاما مع الأدوار الدستورية المنوطة بالبرلمان، لا سيما وظيفتي الرقابة والتشريع، وفي سياق مجهوداتنا الدائمة لتعزيز قدراتنا الترافعية من خلال الانفتاح على الأطر والكفاءات التي تزخر بها بلادنا في شتى المجالات”.

وأكد السطي حرص نقابته منذ بداية هذه الولاية التشريعية على تنظيم “لقاءات دراسية، داخلية وعامة، في محاور متعددة، تمت بلورتها إما في مبادرات رقابية أو تشريعية”، معتبرا أن نقاش موضوع الوظيفة العمومية “بعيد عن أي سياقات لحظية”.

وأوضح المستشار ذاته أن التظاهرة تأتي من أجل فتح “نقاش جاد ومسؤول، وفي جو هادئ، بين مختلف المتدخلين والمهتمين من أجل مدارسة واقع ومستقبل الوظيفة العمومية ببلادنا في ضوء التحولات والتحديات التي ستواجهنا في المستقبل على كافة المستويات والأصعدة”، وفق تعبيره.

google-playkhamsatmostaqltradent