البكالوريا، هي كلمة تحمل معاني عميقة للتلاميذ في مرحلة حياتهم الدراسية. فهي ليست مجرد امتحان عابر، أو شهادة بسيطة، بل هي بوابة تفتح على آفاق جديدة، وفرص لا حصر لها. يسعى الكثير من التلاميذ، إلى الظفر بهذه الشهادة، لأنها ليست فقط تأهيلا للولوج إلى التعليم الجامعي، بل هي أيضا تعني الاعتراف بمرحلة من النمو الشخصي والمهني.
ومع ذلك، يتعرض بعض التلاميذ إلى صدمة كبيرة، عندما لا يحققون النتائج المتوقعة في امتحان البكالوريا. فقد يرون في هذا السقوط، نهاية حياتهم الدراسية، أو حتى المهنية. وهذا الاعتقاد قد ينبع من الضغوط الاجتماعية، أو التوقعات الشخصية العالية التي وضعوها لأنفسهم، وتمنوا تحقيقها.
محطة من محطات المشوار التعليمي
وفي هذا الصدد، أكد أبو بكر حركات، الأخصائي النفسي، والباحث في علم الاجتماع، أن امتحان البكالوريا، لا يمثل بداية أو نهاية للحياة، بل يعد علامة من علامات الطريق في مسار الدراسة. ويتميز بكونه جزءا من النظام التعليمي الفرنسي، خاصة في الدول التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي سابقا .
وأضافت حركات، في تصريح لـنا ، أن امتحان البكالوريا، يمثل هاجسا في الدول الإفريقية، حيث يعتبر هذا الامتحان، المفتاح للولوج إلى التعليم الجامعي. وفي بلدان مثل المغرب، التي تواجه مشاكل في إصلاح نظام التعليم منذ عقود، تزداد المشكلة بوجود تفضيل للتعليم الخاص .
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن التلميذ ليس مجرد مجبر على النجاح في الامتحان، بل هو مجبر أيضا على تحقيق درجة مرتفعة إذا أراد الولوج إلى كليات، مثل الطب، والأقسام التحضيرية، وغيرها، التي تتطلب نقطة عالية في البكالوريا .
وأوضح أن الجامعات، والكليات المغربية، فقدت مصداقيتها، ليس بسبب عدم قيامها بدورها الأساسي، بل بسبب الاكتضاض، ونقص الأساتذة، والتحديات الهيكلية التي تؤثر على جودة التعليم . مبرزا أن التهويل بشأن امتحان البكالوريا، يؤدي إلى إيهام التلاميذ بأن الرسوب في الامتحان، سيحول دون تحقيق أي شيء في مستقبلهم، على الرغم من أن البكالوريا، هي فقط إحدى محطات طريقهم التعليمي. هناك من يتوقف عند هذه المحطة وهناك من يستمر في التقدم إلى الأمام .
الرسوب لا يعني نهاية المسار الدراسي أو المهني
وتابع الأخصائي النفسي، بالقول: التلاميذ المتفوقين في الامتحان، سيشعرون بالفرح والتطلع للمستقبل. ومع ذلك، يبقى السؤال هنا، هو، ما إذا كان التلميذ نجح بمعدل يرضيه ويتطلع إليه، أم حصل على نقطة أقل من المتوقع. هناك فرق واضح بين الطلاب الذين يحصلون على الباكالوريا بدرجات مرتفعة، مثل 17 أو 18، وبين الذين يحصلون على درجات منخفضة، مثل 12 أو أقل. وفي بعض الحالات، يفضل الطلاب الذين يحصلون على درجات منخفضة، إعادة الامتحان للحصول على نتائج أفضل، خاصة إذا كانوا يسعون للالتحاق بالمدارس العليا .
أبو بكر حركات، أبرز أن تأثير نتائج البكالوريا، يمكن أن يكون إيجابيا بشكل كبير، حيث تعد هذه النتائج بداية لمشوار جامعي ناجح، ومدخلا لحياة شخصية ناضجة. يتغير دور الفرد من تلميذ معتمد على الوالدين، إلى شخص يتحمل مسؤولية نفسه بشكل كبير، خاصة مع الاختلافات الواضحة بين الدراسة الجامعية والثانوية في مستوى التحديات والمسؤوليات .
ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون للرسوب في امتحان الباكالوريا، يضيف المتحدث، تأثيرا سلبيا، إذ يشكل الرسوب خيبة أمل كبيرة للطالب نفسه وأسرته، ويمكن أن يؤدي إلى انعكاسات سلبية في النظرات والتقديرات من المجتمع والمحيط الاجتماعي، بما في ذلك الجيران والعائلة. ويمكن أن تشكل هذه الصورة التي يظهر بها الطالب كشخص فاشل، عبئا نفسيا كبيرا، وتؤثر على ثقته بنفسه .
كما أفاد الأخصائي النفسي، بأن هناك تلاميذ يبذلون جهودا كبيرة، لكنهم يواجهون فشلا في امتحان البكالوريا، سواء بسبب الهلع، أو متلازمة الورقة البيضاء . هذه الأمور، يؤكد المتحدث، لا تعني نهاية المسار الدراسي أو المهني، فحتى في حالة الرسوب، يمكن للطالب أن يعيد السنة، ويحصل على نتائج أفضل في المرات القادمة .
وأردف حركات، قائلا: يمكننا استحضار تجربة هشام الكروج كمثال، حيث سقط في سباق الألعاب الأولمبية، دون أن يحصل على ميدالية، ولكنه نجح في الألعاب الموالية، وحقق ميداليتين .
الشحن السلبي للتلاميذ يؤثر سلبا
كما شدد حركات، على أن موقف الآباء، يجب أن يكون دائما إيجابيا تجاه أبنائهم، حتى في حالة عدم دراسة الأبناء بشكل جيد، يجب عليهم أن ينبهوهم ويحذروهم بجدية . وفي حالة الرسوب، يضيف المتحدث، ينبغي على الآباء عدم الشماتة بأبنائهم، بل يجب عليهم تعزيز فهمهم بأن النجاح يتطلب جهدا وإصرارا. عندما يبذل الأبناء جهودهم، ولا يحققون النتائج المرغوبة، يجب على الآباء أن يكونوا داعمين، ويخففون من تأثير الصدمة والإحباط .
ولفت الأخصائي النفسي، إلى أن الشحن السلبي الذي يوجهه أولياء الأمور لتلاميذ البكالوريا، يمكن أن يؤثر سلبا على نفسيتهم بعد إعلان النتائج . مشيرا إلى أن نجاح التلميذ في البكالوريا، ليس فقط نجاحا له، بل أيضا نجاحا لأوليائه، حيث يمكن أن يصبح مصدر تباهي لهم .
وذكر حركات في تصريحه، أن بعض الآباء قد يضعون تضحيات كبيرة في سبيل دعم أبنائهم، وهذا قد يؤدي إلى زيادة القلق والتوتر لديهم، مما يمكن أن ينعكس على كيفية تشجيعهم لأبنائهم .