سنة دراسية أخرى توشك على الانتهاء دون أن يتم إنهاء الخصاص الواضح الذي يعاني منه القطاع التربوي، سواء على مستوى أطر التدريس أو أطر الإدارة التربوية، إذ إن التوظيفات التي تتم كل سنة، والمحددة في 20 ألف إطار، بمن فيهم 16 ألف مدرس و4 آلاف إطار إداري وتربوي، لم تمكّن بعد من الاستجابة لنسبة الخصاص المسجلة بالمملكة.
وراهنت الدولة منذ سنة 2018 على تكوين 20 ألف إطار تربوي كل سنة بهدف الوصول إلى 200 ألف مدرس مكون سنة 2028، وهو ما جاء في برنامج “مدرس المستقبل” الذي يسعى إلى تطوير الموارد البشرية التربوية على مدار 10 سنوات، بما يوازي التطور الديمغرافي وارتفاع العرض المدرسي.
وتتوالى التساؤلات حول المدة اللازمة لإنهاء حالة الخصاص التي “تؤثر سلبا على جودة التكوين المدرسي” بالمملكة، تزامنا مع سعي الوزارة الوصية إلى بناء 200 منشأة تربوية سنويا، وتوظيف حوالي 20 ألف إطار كل سنة؛ وذلك في وقت تشهد عدد من المدارس الوطنية العمومية اكتظاظا بعد أن تستقبل الحجرات أكثر من العدد الطبيعي، فضلا عن معدل التقاعد الكامل والنسبي الذي يسجل بالقطاع كل سنة.
ويبلغ عدد تلاميذ التعليم العمومي، حسب الأسلاك التعليمية الثلاثة، 6 ملايين و935 ألفا و106 تلاميذ ممن ولجوا الحجرات هذه السنة على مستوى 12 ألفا و198 مؤسسة، بما فيها 6795 مؤسسة بالعالم القروي، في وقت يبلغ عدد الأساتذة 283 ألفا، 18 ألفا منهم حديثو العهد بالخدمة.
نحو إنهاء الخصاص
كشف خالد الصمدي، الكاتب الأسبق لوزارة التربية الوطنية، أن “برنامج قمدرس المستقبل’ الذي جرى الإعلان عنه سنة 2016، وأُطلق فعليا سنة 2018، يروم تكوين ما يصل إلى 200 ألف مدرس ما بين 2018 و2028، بمعدل 20 ألفا كل سنة، وهو الخصاص السنوي التقريبي حسب إحصائيات الوزارة ورؤيتها بناء على التغيرات الديمغرافية وتوسع العرض وارتفاع الطلب”.
وبيّن الصمدي أن “السير في التوجه نفسه، أي توظيف 20 ألفا كل سنة، يمكن أن يدعم إنهاء الخصاص في أفق سنة 2028، على أن تتراجع خلال الفترة الموالية نسب طلبات التوظيف لتستقر ما بين 10 و15 ألفا كل سنة، إذ إننا إلى حدود اليوم تمكنا من توظيف 140 ألف أستاذ، بينما تبقى توظيف 60 ألفا خلال السنوات الثلاث المقبلة، بما يتم البرنامج الذي جرى وضعه في وقت سابق”.
المتحدث ذاته أورد أنه “في هذه الفترة التي يتم خلالها تنزيل البرنامج يمكن أن يتراوح عدد المتقاعدين ما بين 100 و140 ألفا، وهو ما حاولت الحكومة مواكبته بإطلاقها عددا من المدارس العليا للتربية والتكوين، بهدف جعل تكوين الأساتذة على المستوى الجهوي؛ فتوظيف 20 ألف مدرس خلال السنة الواحدة يمثل سوق شغل مهما وغير مسبوق”، مسجلا أن “معطى الخصاص بمنظومة التربية والتكوين يجب أن يدرس في ارتباطه المباشر بنسب المتقاعدين سنويا، خصوصا إذا ذكرنا أن المدرسين بإمكانهم التقدم بالتقاعد النسبي بعد استفائهم واحدا وعشرين سنة من الخدمة، لكن بفعل نسب الخصاص لا يتم تمكينهم منه دائما”.
رفع نسب التوظيف
بالنسبة لعبد الناصر نعناع، تربوي وفاعل نقابي بقطاع التربية الوطنية، يظل مشكل الخصاص “بنيويا بوزارة التربية الوطنية، ويعيق استمرار أداء المرفق المدرسي واجباته من خلال انعكاسه السلبي على نسب التأطير الدراسي والإداري كذلك، إذ إنه وللأسف لم تتم الاستجابة له بعدُ رغم المجهودات والوسائل التي وفرتها الدولة لذلك خلال السنوات الماضية”.
ولفت نعناع، متحدثا لهسبريس، إلى أن “معدلات التوظيف السنوي للأساتذة وأطر الدعم والإدارة تفوق نسبيا أعداد المحالين على التقاعد، سواء في شقه الكامل أو النسبي، لكنها رغم ذلك لا تمكن من مواجهة الخصاص الذي يظل تراكميا منذ سنوات، بما يطرح في مواجهته تراكم التوظيفات كذلك”، موردا أن “الخصاص المسجل بالقطاع هو خصاص مزدوج؛ قديم متراكم وجديد يرتبط بالتطور الديمغرافي وارتفاع نسب التأطير التربوي”.
وحسب المتحدث عينه “يمكن القضاء على الخصاص في حالة الاستمرار في نسب التوظيف نفسها كل سنة خلال السنوات المقبلة، غير أن ذلك يمكن أن يصطدم بارتفاع الديمغرافيا الوطنية وازدياد الطلب على الخدمات التربوية؛ ففي الوقت الراهن هنالك مرافق تربوية تسير بأطر أقل من العدد المطلوب التوفر عليه، بما يعيق عملية التدريس”، لافتا إلى “ضرورة الرفع من نسب التوظيف السنوي لما بين 30 و40 ألفا إلى غاية الاستجابة للخصاص”.