النمط الحجاجي هو أحد الأساليب المتبعة في كتابة النصوص، حيث يتميز هذا النوع بالاعتماد على الإقناع والتأكيد والتعبير عن الآراء، يتميز هذا النمط بتركيزه على موضوع معين، يتبعه استعراض للقضايا المؤكدة أو غير المؤكدة لإثبات صحة الحجج أو نفيها. يشمل النمط الحجاجي مجموعة متنوعة من المجالات، مثل الحجاج في الفلسفة، واللسانيات، والقانون، ونظرية التواصل، ولهذا سنخصص هذا المقال للحديث عن مؤشرات النمط الحجاجي.
هناك فارقاً كبيراً بين النمط الحجاجي المعتمد على الأدلة وبين الحجج الأخرى المستخدمة في المجالات الهندسية والرياضيات، حيث يعود هذا الفارق إلى أن الحجج في النمط الحجاجي يجمع بين الرؤية الشخصية والموضوعية، بينما في المجالات الهندسية والرياضيات وعلوم الطبيعة، تكون الحجج ذات طابع موضوعي بحت.
النمط الحجاجي
يستند الأسلوب الحجاجي في الكتابة إلى تقديم النص من خلال استخدام البرهان، حيث يتم بداية النص بتنشيط العمليات العقلية لدى القارئ، مما يسهل عليه التفكير في قضية معينة. يقوم الكاتب بطرح الأفكار التي قد لا يكون القارئ مقتنعًا بها في البداية، وذلك بهدف أن يقنعه في النهاية بالفكرة المعارضة لها تمامًا.
وعمومًا، يمكن تقسيم الأسلوب الحجاجي إلى نوعين:
1. المناظرة: وهي عبارة عن حوار بين شخصين أو أكثر، حيث يتم تبادل الآراء والحجج بشكل منهجي. تتطلب المناظرة وجود متناظرين يتبادلون الحجج والأدلة، ويمكن أن تقام بشكل علني أو في إطار مناقشة محدد.
2. المحاورة الخطابية: وهو نمط غير منتظم ومتميز بعشوائيته، حيث يكون النص غير مفهوم للجميع ويصعب فهمه للكثيرين. يتكون النص الخطابي من أربعة أجزاء رئيسية: المقدمة التي تقدم للقارئ لمحة عامة عن الموضوع، والسرد الذي يقدم التفاصيل والحقائق ذات الصلة، والحجاج الذي يقدم الحجج والأدلة لدعم الفكرة المطروحة، وأخيرًا النهاية التي تلخص النقاط الرئيسية وتقدم استنتاجات أو توجهات للقارئ.
مؤشرات النمط الحجاجي
كثرة الحجج والبراهين
يستند الكاتب في هذا النمط إلى تقديم الحجج والبراهين التي تعتمد على المنطقية وتهدف إلى إقناع القارئ بوجهة نظره. يسعى الكاتب دائمًا، عند استخدامه هذا النمط، إلى تغيير رأي القارئ وإقناعه بشيء معين.
استخدام ضمائر المتكلم والغائب
يعد الاستناد إلى ضمائر المتكلم في النمط الحجاجي أحد أهم المؤشرات، حيث يُستخدم ذلك لتوضيح وجهة نظر الكاتب ومحاولة إقناع القارئ برأيه. ويكون الهدف من استخدام ضمائر الغائب دعم النص بالحجج والأدلة العلمية المنسوبة لعلماء متخصصين في موضوع النص.
الاعتماد على النفي والإثبات
يُعتبر الاعتماد على النفي والإثبات مؤشرًا مميزًا للنمط الحجاجي، حيث يُستخدم النفي لتجاهل فكرة معينة وإبطالها، في حين يُستخدم الإثبات لإقناع القارئ برأي الكاتب. ويعد ذلك جزءًا من جهود الكاتب لدعم وتأكيد حججه.
أخرى مؤشرات النمط الحجاجي
من بين المؤشرات الأخرى لنمط الحجاجي، ذكر السبب، واستخدام أدوات الربط المنطقية المتصلة بالأسباب، وحشد الحجج لإثبات صحتها. كما يشمل ذلك استخدام الأمثلة الواقعية والانتقال إلى الطرح المعاكس، والتحليل الموضوعي، واستعمال الخطاب المباشر لتحقيق أقصى قدر من الإقناع والفهم لدى القارئ.
عناصر النمط الحجاجي
تحديث الأخبار: في هذا القسم، سنستعرض تاريخ النمط الحجاجي، متناولين بالتفصيل الفترات التي شهدت ازدهاره وتراجعه في الحضارات القديمة والحديثة.
تاريخ النمط الحجاجي
الفترة اليونانية وأرسطو: يعود أصل النمط الحجاجي إلى الفترة اليونانية، حيث كان الفيلسوف اليوناني أرسطو من بين أبرز الشخصيات التي تطوَّر ونمت أفكارها بهذا النمط. تأتي أهمية أرسطو في تأسيس وتطوير هذا النمط من خلال أعماله الفلسفية التي اتسمت بالدقة والتفصيل، ومن أبرز هذه الأعمال مدونته المنطقية الأورغانون .
تراجع النمط الحجاجي
رغم أن النمط الحجاجي ازدهر في الفترة اليونانية، إلا أنه بدأ يتراجع بعد ذلك واستمر في حالة من الركود لمدة خمسة عشر قرنًا، خاصة في البلدان الغربية. كانت أحد أسباب هذا التراجع اهتمام الكتاب والباحثين بالجوانب البلاغية والأسلوبية أكثر من الحجج والأدلة.
النهضة الإسلامية والانتعاش
بالمقابل، عرف العالم الإسلامي والعربي اهتمامًا كبيرًا بالنمط الحجاجي واستمرار تطويره وتجديده. جاء هذا الاهتمام نتيجة لتوسع الثقافة الإسلامية وانفتاحها على الثقافة اليونانية والعبرية والفارسية والهندية وغيرها. ومن خلال هذا الانفتاح والتبادل الثقافي، ازدهر النمط الحجاجي في العالم الإسلامي، حيث كان يعتبر أحد الأسس الأساسية للنقاش والحوار والبحث العلمي.
مقومات النص الحجاجي
الربط في النص الحجاجي
يُميز النص الحجاجي نفسه بقدرته على ربط كافة الفقرات باستخدام حروف العطف المعروفة، مثل و و أو و ثم ، وأيضًا باستخدام حروف التوكيد. يُسهم هذا الأسلوب في تأكيد المعنى بشكل أكبر وإقناع القارئ بجدوى الحجج المقدمة.
الرَّبط بين الجمل لتعزيز السلاسة
يُتقن الكاتب في النص الحجاجي ربط الجمل بطريقة ممتازة، حيث يُستخدم الأسماء الموصولة، مثل واللذين و التي ، بالإضافة إلى حروف العطف مثل الذي و التي و اللذان و اللتان . هذا الأسلوب يُعزز تدفق الفكرة ويجعل النص أكثر انسجامًا وسلاسة.
استخدام معجم الموازنة والمقابلة والمجادلة في الحجاج
يَتَمَيز النص الحجاجي باستخدام معجم الموازنة والمقابلة والمجادلة بشكل لافت. يأتي هذا الاستخدام نتيجة لاعتماد النص على الإثبات والحجج. ومن خلال استخدام هذا المعجم، يُسهل الكاتب إثبات المعلومات المطروحة في النص وإقناع القارئ بصحتها وقوة حججه.
الفرق بين النمط الحجاجي والتفسيري
يشهد النص الحجاجي والتفسيري دائمًا ارتباطًا وتداخلًا، وذلك نتيجة تواجد مجموعة من الخصائص المتشابهة بينهما. ومع ذلك، يُوضح الباحثون الفرق بين النمطين، حيث يتمثل التفسير في شرح وتوضيح المعلومة بينما يتمثل الحجاج في اعتراض ورفض معلومة أو فكرة.
يُمكن وضع الفرق بين النمطين على أساس أن النمط التفسيري يعتمد على شرح المعلومات المؤكدة والحقائق، بينما يطرح النمط الحجاجي أفكارًا غير مؤكدة ويسعى إلى إقناع الآخرين بوجهة نظره.
بهذا، يظهر أن النمط التفسيري يُستخدم غالبًا في المقالات العلمية لشرح الحقائق والمسلمات العلمية، بينما يُستخدم النمط الحجاجي في المقالات الاجتماعية والأدبية لرفض الآراء والاعتراض عليها وتحفيز التفكير والنقاش.
كيفية صياغة نص حجاجي
اختيار الموضوع المناسب: يُعتبر اختيار الموضوع المناسب أمرًا حاسمًا في كتابة النص الحجاجي، حيث يجب على الكاتب أن يتأكد من توافق الموضوع مع نمط الحجاج، وإذا كان محددًا للكتابة عن موضوع معين، فينبغي عليه اختيار المعلومات بعناية والتأكد من دقتها. كما ينبغي للكاتب أن يغطي الموضوع بالكامل دون ترك أي نقطة صغيرة، وذلك لتجنب أي انتقادات للنص.
القراءة والإلمام بالموضوع: يجب على الكاتب أن يقرأ الموضوع بعناية قبل كتابته، وأن يتمكن من فهم كل جوانبه، ومن ثم تبسيطها وتوصيل الفكرة للقارئ بشكل سلس، وذلك من خلال استخدام لغة بسيطة وواضحة.
اهتمام بالقضية الأساسية: ينبغي على الكاتب الاهتمام بالقضية الأساسية للموضوع، واستخدام الكلمات التي تجذب انتباه القارئ للموضوع المناقش في النص الحجاجي.
تلخيص المعلومات والأفكار: ينبغي على الكاتب تلخيص المعلومات والأفكار المتعلقة بالموضوع على شكل فقرات، ومحاولة برهنتها بشكل سريع وسهل، مما يسهل على القارئ فهم مضمون النص بشكل أفضل.
ترتيب النص الحجاجي: تبدأ كتابة النص الحجاجي بالمقدمة، حيث يتم فيها استعراض الموضوع المطروح، ثم يتم سرد النقاط والحجج المدعمة للرأي المطروح، وفي النهاية يتم ختم الموضوع بخاتمة مناسبة.
مثال على النمط الحجاجي: خلال وجودي مع أفراد عائلتي حول مائدة الطعام، طرح أبي موضوع القضاء على يوم جميل، حيث طلب منا اختيار المكان المناسب للترفيه بين الغابة والبحر. وبينما اقترحت الذهاب إلى الغابة، أصر أخي على البحر بسبب فصل الصيف. على الرغم من ذلك، ألقيت ببعض الحجج لدعم رأيي، وبعد مناقشة قصيرة، تم الاتفاق على الذهاب إلى الغابة مع تأجيل البحر لمناسبة أخرى.