هكذا كانت دائما، ما أن يقترب موعدها إلا وتقوم القيامة ولا تقعد داخل الأسر وفي الثانويات، بل حتى السلطات الإدارية والأمنية تستعد لها أكثر من الإدارة التربوية والوزارة المعنية.إنها البكالوريا، هذه الشهادة العجيبة التي يقاتل من أجلها أبناء المغاربة، لأن الحصول عليها كان كافيا لتفتح أمامك جميع الأبواب.
منصب في الوظيفة العمومية لمن يرغب في ذلك، الكليات والمدارس العليا التي كانت موجودة آنذاك مع منحة كافية، أو الدراسة بالخارج وخاصة فرنسا لمن كان أكثر إقداما، وليس بالضروري الأكثر إمكانيات.
وكلمة باكلوريا (Bacca laurea ) تعود جدورها إلى الرومان حيث كان يقصد بها التاج الذي يوضع فوق رأس المحارب الفائز. في حين bachelier أطلق في القرن 19 على الشاب الذي يطمح أن يصبح فارسا.
وهكذا هي الباكالوريا، كانت دائما رمزا للتحدي والتميز، وقد Hقرها بفرنسا نابوليون بونابارت بمقتضى قانون صدر يوم 17 ماي 1808 وتخرج أول فوج سنة 1809.
أما ببلادنا فرغم أن أول امتحان للباكلوريا تم اجتيازه بالمغرب يعود لسنة 1915، إلا أنه كان خاصا بأبناء الأوروبيين، الذين كان الماريشال الليوطي يولي أهمية خاصة لتعليمهم.
ولهذا فقد استقطب أساتذة من جامعة (بوردو ) لإجراء امتحانات الباكالوريا لأول فوج متكون من 13 مرشحا.
ولم يتقدم التلاميذ المغاربة لهذه الشهادة إلا سنة 1926، وبعد عشر سنوات أي سنة 1936 لم يكن يتجاوز عدد الحاصلين على الباكالوريا 30 تلميذا. بمعدل 3 تلاميذ كل سنة.
وارتفع هذا الرقم إلى أقصاه قبيل خروج المستعمر ليصل إلى 175 مغربي حاصل على مفتاح الفرج.
الآن وعلى بعد أيام معدودة من الدورة الأولى، فالتلاميذ منتشرون بالحدائق العمومية، وبالمكتبات، وبالمقاهي على وجه الخصوص. وطبعا لكل مكان مادته. فالفضاءات المفتوحة، للمواد الأدبية حصريا، أما الأماكن المغلقة فمخصصة للمواد العلمية التي تحتاج إلى تركيز.
هكذا عِشت الأمر منذ أربيعين سنة، وهكذا أتأمله اليوم مع (اتاي) بإحدى مقاهي الحي وسط الرباط.
الأوراق منتشرة هنا وهناك وبقايا قهوة سوداء في قعر كأس تلامسه شفتان من حين لآخر، دون أن تنتهي وذاك سر وحكمة (الدَكَّة).خاصة أن السجائر (بالديطاي ) يوفرها نادل المقهى نفسه، منذ خوصصة شركة التبغ r gie de tabac الذي كان يمنع كل بيع خارج نقط البيع المعتمدة ويتعقب المخالفين.
ما بين المناقشة، والاستظهار، وتلخيص الدروس، اعتكف تنائي تلميذ وتلميذة على ترتيب وتدقيق أوراق صغيرة جدا، مكتوبة بخط، يكاد يقرأ مع قصه بالمقص،من هنا وهناك، وكأنها حصة الأشغال اليدوية.
يبدو أن التلميذين يستعدان بطريقتهما الخاصة، وهي طريقة يسميها القانون الغش fraude ويسميها صاحبها، ومعه عدد من مؤسساتنا الاجتماعية (الأسرة الشارع )(بالقْفُوزية).
صحيح أن الغش كان دائما موجودا في نظامنا التعليمي وأنظمة غيرنا،لكنه كان غش بالصدفة،أي عندما يكون التلميذ بعين المكان فيمكن أن يلقي نظرة على ورقة زميله، فينقل منها ما ينقل، وفي أقصى الحدود، فتح دفتر المادة، إذا سمحت الفرصة بذلك، وبالتالي الغش كان يبقى سلوكا فرديا، مذموما من طرف التلاميذ أنفسهم، والأسرة، والأساتذة والإدارة.
أما الآن -وبدون تعميم -فقد أصبح الغش مكتمل الأركان. بما فيه سبق الإصرار والترصد والاستعداد القبلي، مع تكوين عصابة تلاميدية مستعدة لتنفيذه بعنف إن اقتضى الأمر ذلك، وكلنا وصلتنا حكايات وحكايات عن أحداث وقعت.
ماذا حصل؟ أين الخلل؟ هل في منظوماتنا التعليمية فقط؟ أم في مقوماتنا المجتمعية ؟هل المجهود،لم يبق قيمة فقط عند التلاميذ؟ أم في المجتمع كله؟ هل بُخس النجاح لهذا الحد وتساوى مع الاختلاس؟، هل الأفق المسدود يجعل التلميذ يقامر يوم الامتحان (ربحة او ذبحة )؟
هل محدودية الفرص بالمدارس العليا العمومية، تجعل الأسر تتخلى عن قيمها؟ وتشجع،وتساهم،أو على الأقل تغض الطرف عن هذا الجموح واندفاع التلاميذ نحو الغش بغية اقتناص فرصة ومقعد.
إنني أتحدث هنا عن الغش fraude بما له من إعداد لوجستيكي وتقني قبل الامتحان وداخل القاعات وخارجها، بنية ثابتة على تنفيذ الفعل. ولا أتحدث عن Tricherie الذي يبقى مغلوب عليه،وفي بعض الأحيان يقوم به التلميذ فقط لإثبات الذات والتميز عن الجماعة (واعر).
فهذا النوع موجود في كل بقاع العالم بدرجات متفاوتة ففي فرنسا مثلا ٪70 من التلاميذ صرحوا أنهم قاموا بعملية غش واحدة أو أكثر في مسارهم.
وجميعنا يتذكر فضيحة 2013 بالولايات المتحدة الأمريكية،عندما اتهمت إدارة جامعة هافارد مائة طالب بمساهمتهم في محاولة غش جماعية.
في المقابل تبقى أنظمة المراقبة التربوية في الدول الإسكندنافية الأكثر تطورا في العالم بفنلندا لا يمتحن التلاميذ قبل 19 سنة، ولم تسجل بعد ذلك أية محاولة للغش. أما بالدانمارك فالتلميذ له الحق في إدخال الوثائق والولوج إلى الشبكة العنكبوتية،ما دامت النقطة لا تمنح على الإجابة الصحيحة،وإنما على التعليل السليم Argumentation.
وإذا كانت مواجهة الظاهرة بزجرها إداريا ضروريا،كما أن تجريمها قد يكون له ما يبرره، فقد أصبح تحليلها من طرف المختصين،ليس في الشأن التربوي والتعليمي فحسب بل في الشأن الاجتماعي الاقتصادي والسياسي هو عين العقل في تقديري.
. في انتظار ذلك فكل الدول اجتهدت لمواجهة الغش باجراءات متنوعة يوم الامتحان،ليس للقضاء عليه، وإنما للحد منه،
فبلجيكا تعبئ drones مجهزة بGopo وباليابان يتم تعميم الدبدبات المشوشة على كل استعمال إليكتروني، أما في احدى ولايات الهند Bihar فالتلاميذ يمتحنون بالملابس الداخلية فقط.
وفي الاخير فالمغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله في احدى خطبه سنة 1987 في خضم توترات المرحلة لمح جلالته إلى إمكانية إلغاء الباكلوريا.
بعد أربعة عقود هل آن الأوان لذلك؟