أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أنها ستواصل، خلال السنة الدراسية المقبلة، التعميم التدريجي لمشروع مؤسسات الريادة بالسلك الابتدائي بما يصل إلى 2000 مؤسسة إضافية، فضلا عن إرساء إعداديات الريادة في المرحلة الأولى على مستوى 230 ثانوية إعدادية عمومية.
ويطرح إصرار الوزارة على المضي قدماً في تنفيذ هذا المشروع تساؤلات المهتمين بالشأن التربوي بخصوص نجاعته، لاسيما على مستوى تحقيق هدف تجاوز إشكالات اكتساب تلاميذ هذه المستويات الدراسية للتعلمات الأساسية.
وفي هذا السياق، قال عبد الناصر ناجي، الخبير التربوي ورئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التربية والتكوين، إن مؤسسات الريادة “عبارة عن مختبر مفتوح تجرب فيه الوزارة تطبيق مختلف التوجهات الواردة في خارطة الطريق قبل تعميمها”، مضيفا أنها “فكرة سليمة من حيث المنطلقات العلمية التي ترتكز عليها”، غير أنه نبّه إلى أن ما تقترحه الوزارة في هذه المدارس “ليس جديدا، بل يعتبر من بديهيات العمل البيداغوجي للمدرس”.
وأوضح ناجي، في تصريح لهسبريس، أن “ما استوردته الوزارة من أدوات بيداغوجية كان من الممكن جدا أن يطور محليا دون مساعدة خارجية”.
وأكد أن الاستئناس بالتجارب الدولية “مطلوب”، غير أنه رهن ذلك بشروط، من بينها “أن يكون المستورَد قد أثبت فعاليته في بيئات مختلفة لكي نضمن قدرته على الانتقال الجيد من بيئة إلى أخرى دون أن يفقد كفاءته، وأن ندرس شروط نجاحه في هذه البيئات ونوفرها في البيئة الجديدة، وألا نكون قادرين على إنتاج هذه الممارسات بإمكاناتنا الذاتية”.
ويرى الخبير ذاته أن هذه الشروط “غير متوفرة كلها فيما تم استيراده، خاصة أداة طارل والتدريس الصريح، اللذين لم يثبتا فعاليتهما سوى في بيئات محدودة تتميز بالهشاشة وضعف التحصيل الدراسي، وهي على كل حال أدوات تعتبر من صميم العمل، الذي من المفترض أن يتقنه المدرس المغربي بعد تخرجه من مراكز التكوين”.
وانتقد ناجي “تسرّع الوزارة في الاحتفاء المبالغ فيه بنتائج مدارس الريادة في المرحلة التجريبية، مما أوقعها في بعض أحكام القيمة التي لا تستند إلى أساس علمي متين. من ذلك الإعلان بعد شهرين فقط من انطلاق هذه المدارس بأن التلامذة المتعثرين ربحوا سنتين من الدراسة بعد الاستفادة من شهر ونصف من الدعم التربوي، مما يعني أنهم سيربحون 12 سنة من حياتهم الدراسية إذا استفادوا من 9 أشهر من الدعم ذاته، وهذا يعني ضمنيا أن من يدخل هذه المدارس تكفيه سنة واحدة من الدعم بتقنية طارل ليحصل على البكالوريا”.
وأشار في السياق ذاته إلى الدراسة التي أجراها المرصد الوطني للتنمية البشرية حول مدارس الريادة، التي رُوّج لها- حسبه- على أنها “دليل نجاح هذه التجربة، في حين يتعلق الأمر فقط برصد تمثلات الفاعلين حول هذه المدارس من أجل تعزيز عوامل التعبئة والالتزام”، لافتا إلى أن الدراسة “لم تشمل عينة تمثيلية بما يكفي لتعميم نتائجها، إذ شملت 5 مدارس فقط من أصل 628 مدرسة، بنسبة أقل من 1 في المائة، كما أن الأمر يتعلق بدراسة نوعية وليست كمية يمكن أن تسمح بتقييم تأثير هذا المشروع على التعلمات”.
واعتبر رئيس مؤسسة “أماكن” أن تعميم مدارس الريادة قد ينجح في تحسين نسبة التلامذة المتحكمين في التعلمات الأساس، قبل أن يؤكد أن “إعداد الأطر التي يحتاجها المغرب لبلوغ مصاف الدول الصاعدة لن ينجح إلا إذا كانت الحكومة تراهن على التعليم الخاص لملء هذا الفراغ”، مشيرا إلى أنه في المقابل “ستكرّس المدارس، خلال السنوات الأولى، عدم الإنصاف داخل المنظومة التربوية بإحداثها نظاما طبقيا بين مدارس الريادة والمدارس الأخرى”.