من قلب سوس النابض، وبالضبط في دوار “تيمزليت” التابع لجماعة ثنين أكلو بإقليم تيزنيت، رأى البحار العصامي والطالب الباحث عبد العزيز هرباز النور أواخر سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يبدأ مساره الدراسي الابتدائي بمجموعة مدارس ولي العهد سابقا بقبيلة أكلو، حيث أكمل تعليمه الابتدائي لينتقل إلى المرحلة الإعدادية التي درسها بالثانوية التأهيلية “سيدي وكاك” بالمنطقة نفسها.
غادر هرباز مُبكرا مقاعد الدرس قبل إنهاء تعليمه الإعدادي في أواسط تسعينيات القرن الماضي، ليجد نفسه مجبرا على مواجهة الحياة بكل مصاعبها ومشاقها، ومن هنا بدأ احتكاكه الأول بالبحر وركوب أمواجه عبر قوارب الصيد التقليدي بحثا عن “لقمة الخُبز” المغمورة في خطر مياهه.
وقال هرباز، الذي مازال يُزاول مهنة الصيد البحري التقليدي إلى حدود كتابة هذه الأسطر في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “بعد مغادرتي المبكرة فصول الدرس وامتهان مهنة المتاعب والخطر التحقت بعدها بست سنوات، وبالضبط في أوائل الألفية الثانية، بمركز التأهيل المهني بأسا، شعبة الكهرباء، حيث أمضيت ثلاث سنوات قبل أن أحصل على شهادتي التأهيل والتخصص بالشعبة نفسها، ثم انتقلت لأكمل تكويني بمدينة العيون من أجل الحصول على شهادة التقني، غير أنه لم يتسن ذلك نتيجة ظروف قاهرة”.
وأضاف المتحدث ذاته: “بعد انقطاع عن الدراسة والتكوين لأكثر من عقدين من الزمن تقدمت لاجتياز الامتحان الإشهادي لمستوى الثالثة إعدادي أحرار، وحصلت عليها بالفعل، لأتقدم بعد سنتين من ذلك لاجتياز امتحان سلك البكالوريا الحرة التي حصلت على شهادتها هي الأخرى في العام 2019، تخصص العلوم الإنسانية، وبعدها التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر التي تحصلت منها على شهادة الإجازة في شعبة التاريخ والحضارة”.
وبعد حصوله على الإجازة الأساسية في الشعبة سالفة الذكر اجتاز البحار والأب لطفلتين بنجاح مباراة الولوج إلى ماستر الدراسات الصحراوية والإفريقية بالكلية ذاتها، قبل أن يتوج مساره، أمس الأربعاء، بمناقشة رسالته التي لم يخرج عنوانها عن مجال البحر الذي خبر أمواجه وتياراته ويتخذه مورد رزقه، فكان العنوان كالتالي: “البحر بين أهل سوس وأهل الصحراء: العلاقات والمنافع والتعاملات”.
وفي شهادة له قال عزيز ياسين، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة ابن زهر، ورئيس اللجنة المشرفة على مناقشة الرسالة، إن “الطالب الباحث عبد العزيز هرباز طالب نجيب وخلوق ومناضل ومكافح كعادة أبناء قرى سوس الذين ينخرطون في أي عمل معرفي أو أكاديمي أو أي كان بكل جوارحهم وأحاسيسهم”، مضيفا أن “اجتماع هذه الصفات في هذا الطالب تنبئ بأننا أمام مشروع باحث ناجح بكل المقاييس”.
وفي معرض حديثه عن التيمة التي عالجها الطالب البحار في رسالته أوضح المصرح لـ هسبريس أن “الذي يميز تجربة هرباز في البحث الأكاديمي والتاريخي في تيمة البحر أنه فاعل ومهني، ويكتب ليس فقط من خلال اطلاعه النظري والمعرفي أو اجتهاده المنهجي وإنما أيضا من خلال تجربته وممارسته، وبالتالي فهو خاض في هذا الموضوع ليس كباحث مجرد وإنما كباحث ممارس”.
وسجل المتحدث ذاته أن “ما أعطى التميز للموضوع الذي عالجه الطالب أنه يستمد راهنيته من الرهان الإستراتيجي للدولة المغربية التي تخطط لتحويل الواجهة الأطلسية إلى نافذة اقتصادية مفتوحة على إفريقيا، ثم بروز مشكل التغيرات المناخية وتأثيرها على المنظومة البحرية وعلى مختلف الأنشطة ذات الصلة بالبحث، ثم أيضا التطورات التي يعرفها ساحل سوس في إطار تدخل الدولة لتحرير الملك البحري الذي أدى إلى تدمير جانب مهم من التراث المادي واللامادي ذي الصلة بالبحر”.
وسجل أستاذ التاريخ والحضارة أن “هذا البحث خاض في قضايا غير مألوفة في البحث التاريخي، وصحح مجموعة من التمثلات والتصورات عن المغاربة، أو على الأقل في بعض الكتابات الأجنبية التي كانت تعتقد أن المغاربة ولوا ظهرهم للبحر”، وزاد: “بحث هرباز عالج هذه القضايا وصححها وأعاد تشكيل العلاقة ما بين المغاربة والبحر من خلال ما راكموه من ثقافة في علاقة باقتصاد البحر، ثم من خلال مختلف تقنيات الصيد التي خبروها واشتغلوا بها”.