في الوقت الذي ينتظر التلاميذ والتلميذات انتهاء الموسم الدراسي بفارغ الصبر من أجل التقاط الأنفاس والاستمتاع بالعطلة الصيفية، يحرص بعض الآباء والأمهات وأولياء الأمور على تسجيل أبنائهم في بعض المراكز والمدارس، إما بهدف تعلّم لغات أجنبية أو لتمكينهم من حصص إضافية في الدعم التربوي استعدادا لموسم دراسي جديد.
في هذا الإطار، يثير موضوع الدراسة والتعلمّ خلال فصل الصيف نقاشا في الأوساط التربوية، سواء على مستوى الإيجابيات والفوائد التي يجنيها المتعلمون من هذا النوع من الدراسة الاختيارية من جهة، أو على مستوى السلبيات والمخاطر التي قد تصيب الأطفال بسبب ربطهم الدائم بالدراسة على طول السنة، دون تمكينهم من فرصة الاستمتاع بالعطلة الصيفية.
إيجابيات وسلبيات
جبير مجاهد، أستاذ باحث في الشأن التربوي، قال إن “فصل الصيف يأتي بعد المجهودات الكبيرة التي يبذلها التلاميذ خلال الموسم الدراسي من أجل الحصول على نتائج جيدة، ويعد هذا الفصل الفترة المناسبة للعب والاستجمام والتسلية، غير أن بعض الآباء يستغلونه من أجل تلقين أبنائهم بعض الدروس أو اللغات، وهذا قرار قد يحمل إيجابيات كثيرة كما قد يحمل سلبيات”.
وذكر جبير مجاهد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، مجموعة من الإيجابيات المرتبطة بالدراسة أو الدعم أو تعلم اللغات الأجنبية خلال الصيف، من بينها “مساهمة الدروس في خلق فجوة تعليمية إيجابية وكبيرة لدى هؤلاء التلاميذ مقارنة بأقرانهم”، و”تسجيل الاستمرارية المطلوبة لعملية التعلم، فلا يحس التلميذ بانقطاعه عن العلم في كل الأوقات”.
وأشار الباحث في الشأن التربوي، ضمن الإيجابيات دائما، إلى “مساهمة الدراسة خلال الصيف في تذكّر الطفل لكل شيء تعلمه في الفصل الدراسي خلال العام الماضي، ما يجعله مرتبطا بالدراسة”، و”تدارك التخلف الذي يعاني منذ التلميذ في بعض التخصصات، حيث تمنحه العطلة الصيفية فرصة تعويض بعض النقائص”.
في المقابل، نبّه جبير مجاهد إلى السلبيات التي تحيط بالدراسة خلال العطلة الصيفية، من بينها “صعوبة الدراسة خلال العطلة الصيفية نظرا لارتفاع درجات الحرارة”، و”الضغط الذي تشكله الدراسة خلال هذه الفترة من السنة لكونها تأتي على حساب فترة الراحة التي ظل ينتظرها الأطفال”، إضافة إلى أن “الإفراط في تنظيم حصص دراسية صيفية يمكن أن تكون له أضرار سلبية على صحة الأطفال، بل قد تشكل لهم عائقا يحد من قدراتهم في مجال التعلم”.
الراحة والتنظيم
قال إبراهيم الخرمودي، مفتش تربوي، إن “الأبناء يحتاجون إلى قسط وفير من الراحة المستحقة، نظير سنة شاقة قضوها بين المدرسة والساعات الإضافية، وتعلّم الأبناء اللغات الأجنبية أمر مستحسن، لكن لا ينبغي أن يكون مقرونا بالضغط واللوم، بل بتحبيب وتحسيس الأبناء بأهمية هذا التعلم، قصد الوصول بهم إلى برّ الأمان”.
وأضاف إبراهيم الخرمودي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “من الضروري تقسيم وتنظيم وقت المتعلم، فلا بد من تخصيص زمن للراحة، ووقتٍ للعب والترفيه، مع ضرورة تحديد قسط للقراءة باعتبارها أساسا ومفتاحا لباقي التعلمات، ولا بأس بتعلم اللغات والدعم في المراكز المخصصة لذلك”.
وأكّد المفتش التربوي أن “تتبع الأبناء ومعرفة مكامن التعثر لديهم من أجل تداركها، يعتبر أمرا في غاية الأهمية، لكن لا ينبغي أن يتم ذلك على حساب وقتهم وحقهم في اللعب والاستمتاع بالعطلة، بل على الآباء مشاركة الأطفال في ذلك اللعب والاستمتاع، من باب التوفيق بين الرعاية والتربية من جهة، والحرص على التربية الإيجابية والتربية بالقدوة من جهة ثانية”.
أزمة متعددة الأبعاد
لفت المتحدث إلى أهمية “تخصيص ركن للقراءة داخل البيت، واصطحاب الأبناء لشراء الكتب، وتقديم الكتب كهدايا في بعض المناسبات كأعياد الميلاد وعند النجاح، ووضع نظام داخلي في البيت يبدأ بالتخلي عن الهواتف واللوحات الإلكترونية، مع فتح نقاش بين أفراد الأسرة حول مواضيع ذات راهنية”، مشيرا إلى أن “هذه الأمور تندرج في إطار ما يسمى بالعمل النسقي الذي يتطلب تضافر جهود كل المتدخلين في الشأن التربوي”.
في السياق ذاته، شدد إبراهيم الخرمودي على ضرورة استغلال “الزمن المدرسي” من طرف المدرسين من أجل “تحبيب القراءة للتلاميذ وتقريبهم من أهمية تعلم اللغات، وتزويدهم باستراتيجيات وتسليحهم بالأدوات والآليات التي تمكنهم من حب القراءة والإقبال عليها بشغف واستقلالية دون الاتكال على الآخرين”.
وبعدما أكد ضرورة الاهتمام بـ”الزمن الاجتماعي” للتلميذ، من خلال “حرص الآباء والأساتذة على الرقابة والتتبع لمعرفة أين وكيف يقضي الأطفال أوقاتهم، خاصة حين تتوفر لديهم هواتف أو إنترنت”، ذكّر المفتش التربوي بأهمية تدبير “الزمن الأسري”، وما يمكن أن يحققه التعلّم بالقدوة داخل البيت من إيجابيات لفائدة الأطفال.
وبيْن الإيجابيات التي تحققها الدراسة والدعم التربوي وتعلم اللغات خلال العطلة الصيفية من جهة، والسلبيات التي قد يروح الطفل ضحيتها بسبب تحويل العطلة إلى فترة جديدة للدراسة المتواصلة، قال إبراهيم الخرمودي إن “التعلم خلال الفترة الصيفية أمر محمود، لكن شريطة تنظيم الوقت حتى يستفيد الأبناء من هذا وذاك، دون إفراط أو تفريط”.