في الوقت الذي ارتقى فيه الدستور المغربي باللغتين العربية والأمازيغية إلى مرتبة اللغتين الرسميتين للدولة، جاءت خلاصات تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول السياسة اللغوية بالمغرب معاكسة لهذا التوجه الدستوري بإقرارها إهمال اللغتين الرسميتين مقابل الهيمنة اللغوية للفرنسية، معتبرةً أنها لا تزال تحتل مكانة مهمة في التعليم المدرسي والتعليم العالي والإدارة والاقتصاد .
تقرير اللجنة البرلمانية بمجلس المستشارين حول السياسة اللغوية بالمغرب، اعتبر أنه رغم الجهود المبذولة فإن العديد من التحديات ما زالت تقف أمام تطبيق المغرب لسياسة لغوية أكثر وضوحًا وفعالية ، موردةً أن عدداً من التحديات تقف حاجزاً أمام توفير الموارد اللازمة لدعم التعددية اللغوية وتعزيز مكانة اللغات الرسمية في المجتمع .
وضمن أبرز التحديات التي خلصت إليها اللجنة، التي ترأستها المستشارة البرلمانية عن فريق الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، فتيحة خورتال، عدم الوضوح والتطبيق غير المتسق للسياسة اللغوية في المغرب ، مبرزةً أن هذه السياسة اللغوية تفتقر إلى الوضوح الكافي في تحديد الأدوار والمجالات لكل لغة سواء العربية أو الأمازيغية أو الفرنسية ، مشددةً على أن هذا ما يؤدي إلى تطبيق غير متسق ولا متوازن في مجالات التعليم والإدارة والإعلام .
وعلى الرغم من الاعتراف بالعربية والأمازيغية لغتين رسميتين للدولة، وقفت مخرجات التقرير نفسه عند محدودية حضور اللغتين الرسميتين مع وضع أسوأ للغة الأمازيغية، مفسرةً أن هذه المحدودية تبرز بشكل خاص في مجال التعليم بعد إقرار مبدأ التناوب اللغوي بشكل غير مقبول ولا ينسجم مع ما جاء في الرؤية الاستراتيجية 2030، كما أنه لا ينضبط لنص تنظيمي كما أوصى بذلك القانون الإطار رقم 51.17 .
وارتباطا بوضعية اللغتين الرسميتين للمغرب في مجال التعليم، سجلت خلاصات تقرير اللجنة البرلمانية نقص الموارد البشرية والمادية ، مبرزةً أن التعليم يعاني خاصةً من النقص في المدرسين المؤهلين لتدريس اللغات، سواء الرسمية أو الأجنبية ، مسترسلةً أن هناك نقص في الموارد التعليمية والبرامج المتخصصة التي تدعم تعلم اللغات الرسمية وتيسير التواصل بها فيما بين المتعلمين والمتعلمات .
وعلى مستوى الهيمنة اللغوية للفرنسية، سجلت الوثيقة ذاتها أن اللغة الفرنسية لا تزال تحتل مكانة مهمة في التعليم المدرسي والتعليم العالي والإدارة والاقتصاد ، مُلحةً على أن استحواذ اللغة الفرنسية على ثلثي زمن التعلم في التعليم الإلزامي والباقي تتقاسمه اللغتان الرسميتان مع حضور باهت للغة الأمازيغية، وهو ما يحد من فرص استخدام العربية والأمازيغية في هذه المجالات .
وبخصوص التداخل المعجمي بين اللهجات العامية واللغات الأجنبية، أشار التقرير ذاته إلى الضبابية في توزيع الوظائف بين اللغات المعيارية واللهجات المتفرعة عنها ، موضحاً في هذا الجانب أن هذا التداخل يؤدي إلى تفشي ظاهرة إفقار اللهجات المغربية بإدخال معجم أجنبي بدأ في طمس هوياتها ، منتقداً بروز بعض الأصوات الداعية إلى منح العامية المغربية وظائف غير مؤهلة لها لن تؤدي سوى إلى إزاحة اللغة العربية ومحو تاريخ حضاري تليد كتب بها .
وأبرزت الوثيقة ذاتها أن التحديات اللغوية في المغرب ترتبط بتحديات اجتماعية واقتصادية أوسع مثل الفوارق الاجتماعية والمجالية، مشددةً على أنها تُعقد من مسألة تحقيق العدالة اللغوية بين مختلف فئات المجتمع خاصة تلك التي لا تتوفر على الفرص الحقيقية لتطوير مستوى التحكم في اللغات .
وخلص التقرير إلى أن المغرب يفتقر لسياسة واستراتيجية لغوية فعالة ومُخطط لها تتسم بالفعالية اللازمة وبالقبول من جميع الأطراف المعنية ، لافتا إلى انتظار تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي خوله المشرع القيام بهذه المهمة .