ماض مغربيّ، وتاريخ زمن راهن، وآخرُ مختلف، وفضاء حضاريّ مشترك؛ مواضيع متعدّدة يجد التلميذ المغربي نفسه في خضمّ تعلّمها في أقسام التاريخ بالمدرسة، وهو ما يهتمّ به كتاب صدر عن دار نشر “لارماتان” الباريسية، باللغة الفرنسية، موضوعُه الأساس التاريخ كما يدرّس بالمدارس المغربية.
كتاب الباحث في ديداكتيك التاريخ مصطفى حسني إدريسي، موجّه إلى المتخصصين المغاربة والأجانب في ديداكتيك التاريخ، وعموم القراء المهتمين بتاريخ التعليم والديداكتيك، وتاريخ المغرب، ويقدم آراء وأبحاثا وخلاصات حول السياسة التعليمية الخاصة بمادة التاريخ في عهود متباعدة، من بينها الراهن، والمرتبط بفترة ما بعد الاستقلال، وما قبلها، والفترات السابقة على فرض “الحماية” الأجنبية على المغرب.
يضمّ هذا المؤلّف أبحاثا متعددة تدرس تطوُّر تعليم التاريخ بالمملكة، قصد الإسهام في “تقديم بورتريه لتعليم التاريخ بالمغرب” وكيفية تشكّله في ضوء أربعة قرون من البحث، ومن بين ما يجده القارئ فيه، تشكّل التعليم المغربي في القرن العشرين، ومفهوم التاريخ في التعليم الإسلامي المغربي ما قبل الاستعماري، والتاريخ المدرّس والسياسة بالمغرب خلال قرن من الزمن؛ أي بين سنة 1912 وسنة 2012.
وتدرس مقالات الكتاب التاريخ المدرّس والإيديولوجيا الاستعمارية خلال سنوات “الحماية”، وتدريس التاريخ في ظلّ رهانات السياسة المغربية بعد الاستقلال، والتاريخ الراهن كما يقدّم في التاريخ المدرسي الذي يتلقّاه التلاميذ المغاربة.
ومن بين المواضيع التاريخية المغربية التي يجدها القارئ في الكتاب، “الظهير البربري”، ظهير 16 ماي 1930، كما تُؤطّره المقررات التعليمية المغربية.
ويهتم الكتاب أيضا بكيفية صناعة البرامج والمقرّرات التاريخية المغربية الموجّهة للمدارس “بين المعرفة العالِمة والمعرفة المعلَّمة”، والدور التعليمي للتاريخ في زمن الإصلاح، مع دعوة إلى إصلاح جديد لتعليم التاريخ في المدرسة المغربية، بعد تأمّل في الواقع الديداكتيكي المتعدّد للفكر التاريخي بالتعليم الثانوي المغربي.
ومن بين ما يجده القارئ في محاور الكتاب، “تصوّر الآخر” وخاصة أوروبا والغرب في تدريس التاريخ بالمغرب، و”الثورة الفرنسية” في المقررات الدراسية المغربية، وشارل دوغول كما تُمثِّلُه المقرّرات للتلاميذ بالمغرب.
ولا يقتصر هذا المؤلّف على البعد القُطري للتعليم، بل يسائل الأدوار التعليمية لتدريس التاريخ بالنسبة لمجتمع متنوع الثقافات، ويناقش تاريخ المتوسط وموقعَه في تعليم التاريخ بالدول المنتمية لحوض المتوسط بضفّتيه، و”المقرر المشترك” حول هذا التاريخ المتوسّطي المشترك، من أجل “موقعة تاريخ الذات ضمن ‘نحن’ موسّعة”.