recent
آخر المواضيع

العطلة تزيد الإقبال على الكتاتيب القرآنية لتعزيز التربية على “قيم المواطنة”

 
في الوقت الذي يزداد الإقبال على الكتاتيب القرآنية في العطلة الصيفية ويسجّل العديد من الآباء أبناءهم في “المسيد”، يعتبر بعض الباحثين المغاربة والمهتمين أن استمرار هذه الثقافة على قيد الحياة، رغم كلّ هذه العقود، “مفيد” ويحتّم الحاجة إلى “الاستثمار فيها” ثقافيا من خلال تحويلها إلى “ورشة معاصرة لصناعة القيم المشتركة والوطنية”، التي “تخدم التعايش وتكرس ثقافة الاختلاف، خصوصا أن مصداقية الكتاب القرآني كبيرة داخل المجتمع”.

الباحثون الذين تحدثوا لنا وصفوا الكتاتيب بكونها “من العادات الراسخة في المجتمع المغربي”، مشيرين إلى أن “الأطفال، ذكوراً وإناثاً، يلتحقون بالمسيد، التي هي كلمة أصلها مسجد أو ما يسمى بالمحاضر أو المحاضرات، وهي أماكن لتحفيظ القرآن الكريم، حيث نجد ضمن كل مسجد قاعة خاصة بتحفيظ القرآن الكريم”. وأبرزوا أن “التربية على المواطنة شيء حاصل وتحتاج إلى تأهيل حتى تستطيع الكتاتيب تأدية الدور بشكل يستجيب لأسئلة القرن 21”.

تصور مطروح

خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، قال إن “للكتاتيب القرآنية دورا حقيقيا في تربية الناشئة على قيم المواطنة والانضباط والتعاون والتضحية والإخاء والاحترام وغير ذلك من القيم التي يتم تمريرها”، مضيفا “لأهمية هذه المدارس العتيقة في ترسيخ الهوية المغربية أمر الملك محمد السادس بتخصيص جائزة للكتاتيب القرآنية بغية تعزيز مكانتها في المجتمع المغربي، والمحافظة على هذه العادة الأصيلة لما تمثله من أبعاد دينية ووطنية جديرة بالاهتمام”.

وشدد المتحدث على دور “المسيد” في تكوين الإنسان المغربي، وحمايته من الانحراف، مشيرا إلى أنه “في الغالب عندما ينتهي الأطفال من الدراسة وينالون عطلتهم السنوية يلجون الكتاتيب القرآنية لحفظ القرآن الكريم وتقوية مهارات الكتابة والقراءة وقواعد التجويد وأصول الأخلاق الحميدة، وهذا ما يجعل الصيف مفيداً بالنسبة لهم، فتكون العودة إلى المدرسة وقد نهلوا العديد من المعارف الجديدة، التي تساعدهم على النبوغ والتميز في مسارهم الدراسي، ولذلك نجد أبرز المثقفين والعلماء المغاربة استفادوا في صغرهم من الكتاتيب القرآنية”.

وأضاف أن “المغاربة دأبوا على هذه العادة منذ قرون مضت”، لافتا إلى أنه “بعد إنشاء المدارس الحديثة خلال حقبة الاستعمار الفرنسي للمغرب كانت الكتاتيب القرآنية مرحلة أساسية لا بد أن يمر بها أبناء المغاربة قبل بلوغ سن التمدرس، التي تؤهلهم للذهاب إلى المدرسة، وقد أصبحت هذه الكتاتيب مكاناً لنقل القيم الدينية والاجتماعية وتربية الناشئة على حب الوطن ومقاومة الاستعمار”.

وتابع قائلا: “بعد نيل المغرب الاستقلال استمرت الكتاتيب القرآنية في أداء وظائفها، ودورها لا يقتصر على تعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وإنما تركز على الأخلاق وحسن السلوك، فيتعلم الأطفال احترام الكبير والرحمة بالصغير، والإنصات إلى الفقيه أو المعلم، والعناية بالهندام ونظافته، والالتزام بالنظام والوقت، وأداء الصلاة في المسجد”، مبرزا أن العناية الرسمية بهذه الكتاتيب القرآنية تجلت في حرص الملك الراحل الحسن الثاني على إلحاق ولي العهد آنذاك الأمير سيدي محمد بالمسيد”.

“مواطنة أصلية”

حسن الموس، الباحث في العلوم الشرعية وعضو مركز المقاصد للدراسات والبحوث، قال إن “الكتاتيب القرآنية كان لها دور في الحفاظ على هوية المغاربة وعلى تمسك الطلبة بدينهم وبالقيم الوطنية، فهي لعبت دوراً وطنياً واضحا، وهو جد أساسي”، مضيفا أنها “أصبحت شيئا فشيئا تأخذ موقعا لها، سواء مع أبناء المغاربة أو أبناء الجالية المغربية، التي تعود في الصيف إلى أرض الوطن، وتحرص على تمكين أبنائها من تعلم اللغة العربية وبعض العلوم الشرعية المبسطة التي يلقنها الفقيه أو الإمام للطلبة”.

وفي تصريحه لنا ، أبرز الموس “الحاجة إلى الدور الذي يمكن أن يؤديه الكتاب القرآني بالنسبة للتربية على القيم المواطِنة تماشيا مع ما نعيشه من تحولات عميقة؛ فهذا الانفتاح على أمور من هذا القبيل يحافظ على الروح الأصلية للمسيد، وهي التربية الحسنة وخلق أجيال ملتزمة بدينها ولديها شعور بالمسؤولية”، معتبراً أن “الكتاب يحفّظ القرآن، الذي يتضمن مجموعة من الأخلاق والقيم كحسن التعامل وأن حب الأوطان من الإيمان، التي هي قيمة نتعلمها منذ الصغر”.

وخلص المتحدث عينه إلى “رفض من يتحامل على الدور التربوي الذي تلعبه هذه الفضاءات”، معتبرا أنها “أساسية وضرورية”. قبل أن يضيف “مؤسف أن البعض يستصغر قيمة المسيد ويعتقد أنه حاجز ضد قيم المواطنة. هذا ليس صحيحا، والأئمة منخرطون بشكل سلس في هذا المشروع الوطني المتعلق بالوسطية والاعتدال؛ ومشروع التبليغ في المغرب نص على أن يكون الدين للحياة، ويعلم الناس القيم والمبادئ، والمسيد يمكنه أن يقوم بهذا الدور جنبا إلى جنب مع الإعلام والمدرسة”.

google-playkhamsatmostaqltradent