تلجأ الكثير من الأسر المغربية خلال العطلة المدرسية الصيفية إلى ترك أبنائها متسمّرين أمام الهواتف ساعات طويلة، دون رقابة أحيانا، معتقدة أن الشاشات الصغيرة هي الخيار الوحيد لسد “الفراغ”، الذي يطبع أيام التلاميذ عقب انتهاء السنة الدراسية، ولدرء الأخطار التي تهدد تمضيتهم الوقت في الشارع رفقة الأقران، وهو ما ينذر بتداعيات خطيرة على سلوك هؤلاء الأطفال وأدائهم المعرفي .
وبالنسبة لباحثين تحدثوا لهسبريس، فإن هذه التداعيات تتجاوز جعل نفسية الأطفال “تربة خصبة لبذر العنف الذي تعج به مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية”، إلى تحويلهم إلى “فرائس سهلة” لمصائد الاستدراج إلى “الاعتداءات الجنسية والأفكار المتطرفة والمتشددة”. وهي الأخطار التي تستدعي من الأسر “المصاحبة والرقابة في استخدام أبنائها الشاشة الصغيرة”، كما تستدعي من الدولة وجمعيات المجتمع المدني “برمجة أنشطة تملأ وقت الناشئة، وتربي فيها حس الوطنية والمسؤولية”.
زرع العنف
محسن بنزاكور، الأستاذ والباحث في علم النفس الاجتماعي، اختار بداية أن يشير إلى أن “العطلة الصيفية في المخيال المغربي لا تزال مرادفا لفراغ الأطفال، ولهذا ترى بعض الأسر، خصوصا محدودة الدخل وغير القادرة على تهيئة برنامج منظم للعطلة الصيفية، أنها مجبرة على شراء هواتف ذكية للأطفال بغرض اللعب والتسلية”. ومن هذا المنطلق “فإن الإشكال الذي نحن بصدده يجد جذوره في هذا التصور الذي يحاجج بأن تسمر الأطفال أمام الهاتف بالمنزل يقيهم من أخطار الانحراف والمشادات التي تهددهم في الشارع”.
وأكدّ بنزاكور، في تصريح لهسبريس، أن “الطفل الذي يقضي ثلاثة أشهر أمام الشاشة الصغيرة سيصبح بلا شك مدمنا، وبالتالي سيُبذر العنف في نفسيته نتيجة المضامين العنيفة التي يتلقاها من مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية”، مشيرا إلى أن “الحركات الانفعالية التي يكررها الطفل خلال تصفحه الهاتف وتطبيعه مع الأفكار الواهية التي يغص بها العالم الافتراضي تساهم بدورها في الدخول في قطيعة مع العالم الخارجي، تكون بمثابة المفجر لردود حادة تصل حد العنف في حال المناداة عليه من طرف الأسرة أو تكليفه بأمر ما”.
والأطفال الذين يدمنون استخدام الهاتف طيلة أيام العطلة الصيفية، وفق بنزاكور، “يجدون صعوبة في الاندماج من جديد في المدارس، واستعادة الحيوية والنشاط مع بدء الموسم الدراسي”، لافتا إلى أن “تسجيل نسب عالية للهدر المدرسي مع بداية السنة الدراسية يفترض إنجاز دراسات سوسيولوجية تثبت ارتباط هذه النسب بالترفيه المبالغ فيه، خاصة من خلال الهواتف”.
وأضاف أن “المسؤولية عن هذا الوضع لا تقع على الأسر وحدها، بل تتوزع على الدولة وجمعيات المجتمع المدني لأنه لا يجب عليهما الاكتفاء باحتضان الأطفال داخل المخيمات الصيفية فقط، بل زرع حس المواطنة والمسؤولية في نفوس هذه الأجيال، من خلال تكليفها بأنشطة تنظيف الغابات والبحر على سبيل المثال”، لافتا إلى أن “تجربة برنامج متطوع التي حصرتها وزارة الثقافة والشباب والتواصل في من يتجاوزون 18 سنة يجب تعميمها على الأطفال”.
وحسب المتحدث عينه، فإن “الوزارة المذكورة ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مدعوتان إلى إعداد برامج عن بعد لتعلم البرمجة والفن واللغات وأخرى تثقيفية لفائدة الأطفال”، مبرزا “أن نجاح هذا الرهان وانتفاء ضرر الشاشة الصغيرة يستلزم أيضا تشدد الآباء في استخدام أبنائهم الهاتف بغرض متابعة البرامج الآنفة الذكر”.
مصائد للاستدراج
محمد حبيب، باحث في علم النفس وقضايا الأسرة، قال إن “استخدام الأطفال الهواتف بدون رقابة وطيلة اليوم خلال عطلة الصيف يظل أمرا حاضرا داخل المجتمع المغربي، وهو ما ينذر بتعرض هؤلاء لإدمان غير محمود على مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، علما أن هذا الإدمان له آثار خطيرة على المستوى المعرفي والإدراكي، إضافة إلى ضرره غير المحدود على صحة هؤلاء الصغار بدءا باضطرابات النوم وتدهور شبكة العين جراء الإشعاعات الزرقاء”.
ونبه حبيب، في تصريح لهسبريس، إلى أن “مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية أصبحت في السنوات الأخيرة مصائد لاستدراج الصغار إلى الاعتداءات الجنسية والاتجار بالبشر والأفكار المتطرفة، التي يحرص أصحابها على غرسها في الناشئة قبل غيرها من الفئات العمرية”.
وأيّد ما ذهب إليه بنزاكور بكون “الظاهرة صادرة عن خلل في تخطيط برنامج للعطلة الصيفية لصالح التلاميذ، واعتبارها خالية من أي أنشطة يمكن للطفل القيام بها”، مشيرا إلى أن “هذا الاعتبار هو ما يجعل الأسر تخفف رقابتها على استخدام أطفالها الهواتف الذكية مع أول أيام العطلة الصيفية”.
وأضاف أن “العطلة ليست مسوغا لغلق مسار التكوين والتطور المعرفي، ولذلك يجب أن ينظر إلى بدايتها كفترة استراحة ينبغي ألا تطول”، مردفا “بهذا المعنى يتعين على الأسرة أن تبني مخططا تستثمر بموجبه العطلة الصيفية في تقوية شخصية أبنائها بكل الوسائل، بما فيها الألعاب العائلية والرسم وعزف الموسيقى، على أن ذلك لا يلغي أهمية الوسائل الإلكترونية، بما فيها الهاتف، في هذا الجانب إذا تمت عقلنة استخدامها”.
ودعا إلى “حصر استخدام الأطفال الهواتف في ساعة إلى ساعتين طيلة اليوم بصرف النظر عن سن الطفل”، مشددا على “ضرورة قيام الدولة بمجهودات تحسيسية بخطورة الظاهرة التي نحن بصددها، والعمل على مشاريع هادفة تصب في صالح بناء رصيد معرفي وثقافي قوي للأطفال بما يضمن تنشئتهم تنشئة سليمة”.