خلّف الجواب الكتابي الذي توجه به شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، إلى لبنى الصغيري، النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية، ردود أفعال مختلفة بعد أن رمى الوزير الوصي على قطاع التعليم بالجدل المتصل بالأسعار نحو مجلس المنافسة واعتباره تحديد الرسوم والواجبات المطبقة بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي يخضع لمبدأ العرض والطلب.
وجاء في جواب الوزير أن “التكاليف تبقى خاضعة لمبدأ العرض والطلب ولنوعية الخدمات المرغوب فيها من طرف أمهات وآباء وأولياء التلاميذ والتي تشمل، إلى جانب تربية وتعليم التلميذات والتلاميذ، خدمات أخرى مؤدى عنها؛ مثل النقل المدرسي والإطعام والحراسة والإيواء والأنشطة الموازية وغيرها”، مشيرا إلى أن “رسوم وواجبات التمدرس يتم تحديدها من طرف المؤسسات التعليمية الخصوصية، بناء على نوعية الخدمات المقدمة”.
وقال المسؤول الحكومي إن “المنافسة هي الضامن لتنوع الخدمات التعليمية المقدمة وتطور جودتها وتحفيز الاستثمار في هذا المجال”، لافتا إلى أن الوزارة “تحرص على ضمان الشفافية في العلاقة بين المؤسسات الخصوصية وبين أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ المتمدرسين بهذه المؤسسات”.
وفي هذا الصدد، زاد بنموسى في رده سالف الذكر: “تم اعتماد عقد نموذجي لتأطير العلاقة بين الأسر ومؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي والذي يهدف إلى تحديد واجبات والتزامات الطرفين”.
وأحال الوزير الموضوع على “التقرير الصادر عن مجلس المنافسة بشأن قواعد المنافسة في مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي”، خالصا إلى أن “حرية الأسعار أو الرسوم وإخضاعها لمنطق العرض والطلب تبقى من الركائز الأساسية للمنافسة داخل سوق التعليم المدرسي الخصوصي”.
وظلّت هذه النقطة المتعلّقة بـ”التسليع المطلق لخدمة التعليم”، حسب باحثين ومتخصصين، “مشكلة” تمسّ، بكيفية ما، بالفصل 31 من الدستور الذي ينص على أن “الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في (…) الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة”، رغم أن “جهات أخرى تؤمن بحرية السوق تعتبر أن التعليم الخاص هو استثمار وفق قوانين موجودة؛ وبالتالي هي بضاعة تخضع لشروط المنافسة”.
القانون والدستور
عبد الناصر ناجي، خبير تربوي رئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التربية والتكوين، قال إن جواب الوزير بنموسى “تجاهل القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والذي نص على أن رسوم التسجيل ورسوم التمدرس عموما في التعليم الخاص ينبغي تحديدها، أخذاً بعين الاعتبار مجموعة من المعايير التي من خلالها يمكن تحديد هذه الرسوم؛ ومن ضمنها الجودة”، مشيرا إلى “وجود فراغ قانوني حتى اليوم؛ وهو ما لا يسمح بتفعيل هذه النقطة”.
وأورد ناجي، في تصريحه لهسبريس، أن “هذا الفراغ القانوني اختياري؛ لأن وزير التربية الوطنية لم يتحدث عن الحكومة عموما، ولماذا ارتأت ألا تطبق هذا البند الخاص بالتعليم الخاص، والذي لا يتعلق حصريا بتحديد رسوم التمدرس.. ولكن بالتصور العام للمدرسة الخصوصية، كما جاء في القانون الإطار”، معتبرا أن “الحكومة لا تريد تطبيقه؛ لأن فيه مجموعة من النقاط المرتبطة بالشروع في تقنين هذه المدرسة غير العمومية.. وهذا التقنين، طبعا، مرتبط بتوفير مجموعة من الشروط التي ينبغي توفيرها”.
وقال المتحدث إن “هذه الشروط تدخل في ما أسماه القانون الإطار بالتعاقد الاستراتيجي مع التعليم الخاص، لنحدد فيه هذه الشروط التي من خلالها يمكن معرفة حقوق وواجبات هذا النوع من التعليم”، مشدداً على أن السلطة التنفيذية عوض استدعاء نقاش تسليع التعليم في جواب الوزير كان ضروريا أن تنضبط لما جاء في القانون الإطار؛ ولكنها التجأت إلى رأي أصدره مجلس المنافسة بخصوص وضعية الأخيرة في قطاع التعليم الخصوصي.
وسجل الخبير التربوي أن “المنافسة كمسألة مرتبطة بالتعليم فهي مناقضة حتى للدستور”، موضحاً أنه “حين نتحدث عن التعليم كسلعة أو كبضاعة وأن التعليم يخضع لقانون العرض والطلب، ويمكن للمدرسة الخصوصية أن تحدّد رسوم التدريس كما تشاء.. وللمواطن أن يختار بين مختلف العروض المقدمة له من طرف التعليم الخاص، سواء من الناحية الاقتصادية أو من ناحية الجودة؛ فهذا يتعارض مع الوثيقة الدستورية التي تتحدث عن حق كل مواطن في تعليم ذي جودة”.
ولفت رئيس “أماكن” إلى أن “استشهاد الوزير بالقانون رقم 06.00 المعتبر بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، والذي لا يخول لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة التدخل من أجل تحديد الرسوم والواجبات المطبقة بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، هو تغاضٍ عن ذكر القانون الإطار الذي أكد على ضرورة تحديد رسوم التمدرس في التعليم الخاص، والذي هو أعلى من حيث القيمة القانونيّة”.
الجودة أولاً
أحمد رحو، رئيس مجلس المنافسة، الذي احتمى به الوزير بنموسى، قال إن “التعليم الخصوصي يقدم خدمة مرتبطة بشكل أساسي بالاستثمار، وبالتالي تخضع لمبدأ حرية الأسعار”، مضيفا أن “الأسعار لم تحدّد من طرف الدولة ومن طرف أيّة جهة أخرى؛ وبالتالي هي تسير عمليّا وفق مقتضيات منطق المنافسة، وهناك عرض وطلب ومن حق الأولياء الاتجاه إما نحو التعليم العمومي أو التعليم الخاص.. وهذه نقطة مهمة”.
وأورد رحو، متفاعلاً مع أسئلة طرحتها عليه هسبريس، أن “الأمر لا يخالف الدستور” و”اشتغال مجلس المنافسة حول هذا الموضوع شدد على الجودة كشق محوري”، مردفا أنه “بما أن التعليم يتعلق بحق دستوري، فلا يمكن أن تتخلى الدولة عن تتبع مسألة الجودة داخل هذه المدارس الخصوصية؛ وبالتالي وضع تدابير للمراقبة لمعرفة ملاءمة الأسعار التي تحددها هذه المدارس، بحرية، مع هذا المبدأ”.
وشدد رئيس مجلس المنافسة على أن “الأثمنة يجب أن تفضي إلى خدمات ذات جودة، ووفق هذا المنطلق نسجل أن هناك مدارس تقدم عرضا أقوى من بقية المؤسسات؛ ولكن وجدنا أن هناك نقصا على مستوى تتبع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي لهذا الموضوع”، مشيرا إلى “تفعيل تقييم الجودة، والتواصل مع الآباء بهذا الخصوص حتى يعرف كل أب لماذا يدفع سعرا معينا، فهذا يحدّ من حالات الغش التي يمكن أن تنتشر”.
وذكّر المسؤول سالف الذكر بمقترح تخصيص منح لأبناء الفقراء حتى يستطيعوا متابعة دراستهم في مدارس خاصة معينة، وهذا حتى لا تكون هناك مؤسسات حكر على فئة من المجتمع تتوفر على إمكانيات”، مسجلا أن هذه المنح معمول بها في دول عديدة؛ لأن كل تلميذ ينتقل نحو التعليم الخصوصي يقلص من التكاليف العمومية، فانطلاقا من تقييمنا اتضح أن الدولة تنفق بين 8 آلاف إلى 10 آلاف درهم في السنة على كل تلميذ”.