وقف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي يتضمن في تركيبته 5 فئات، “في صف النقابات” من خلال ما كشف عنه في رأيه الاستشاري حول مشروع القانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، خصوصاً حين اعتبر أن بناءه “غير متماسك” من حيث هندسته، داعيا في المقابل إلى إعادة صياغة ومراجعة العديد من مقتضياته، لكونها تهدد الأمن القانوني والحقوقي.
الرأي الذي اطلعنا عليه تلقته النقابات المركزية الكبرى بنوع من الارتياح، معتبرة أن “مؤسسة دستورية تقدم اليوم حجّة ضد الحكومة بأن هذا القانون تخريبي لحق ينص عليه الدستور في فصله الـ29″، مسجلة أن “هذا الرأي منصف لكن كان يتعين تطعيمه أيضا بتوصية واضحة تكشف ضرورة مصادقة المغرب على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم”، وهو ما تنبه هسبريس إلى كون المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سبق في تقرير أعده حول الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة في المغرب أن طالب المغرب بالإسراع بالمصادقة على هذه الاتفاقية.
“حجة ضد الحكومة”
الميلودي موخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، قال إن “رأي هذه المؤسسة الدستورية يؤكد أن وجهة نظر الاتحاد المغربي للشغل كانت صائبة بخصوص هذه الوثيقة المشؤومة التي تريد أن تمررها الحكومة”، مضيفاً: “ما أثاره من توصيات بخصوص غياب التوازن عن النسخة التي تقدمها الحكومة أنصف ما ناضلنا من أجله، وأثبت أن الدفاع عن هذا الحق الكوني كان منتصباً على بنيان سليم”.
موخاريق وضّح لنا أن “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ذهب في خط العدل والإنصاف، وكشف أن هذا المشروع لا يليق لا بالبلاد ولا بالعباد”، وزاد مستدركا: “الرأي إيجابي، رغم أن الاتحاد المغربي للشغل لم يكن متّفقا بخصوص إحالة هذه النسخة المتجاوزة من مشروع القانون على مجلس الشامي من طرف الجهة البرلمانية، غير أن رأي المجلس بين ذلك صراحة”.
وأورد القيادي النقابي ذاته أن “الرأي حجة ضد الحكومة لأنه لم تكن فيه أي استشارة للحركة النقابية خلافا للأعراف ولتوجيهات الملك بهذا الخصوص؛ فهو قانون تم تحضيره في مكاتب وجرى تهريبه نحو المؤسسة التشريعية”، مردفا: “ما أثاره المجلس سيكون ذخيرة نتوسّلها في التفاوض مع الحكومة حول القانون التنظيمي للإضراب، الذي من المثير للغرابة أنه لا يتوفر على ديباجة رغم ضخامته وأهميته”.
الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل أكد أن “ملاحظات المجلس مهمّة، وتزكي أهمية متابعة النضال لتحصين هذا الحق الدستوري والإنساني، والتنديد بهذا التناول غير المتوازن من طرف الحكومة للحقّ في الإضراب”، مشدداً على أن “النقابات والعمال لا يلجؤون إلى الإضراب إلا حين تنسد قنوات المفاوضات، لأنه قبل المرور إليه يتعين أن تفتح الجهات المعنية الحوار”.
“عناد مع الدستور”
يونس فيراشين، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمغرب، قال إن هذا الرأي “مهم”، لكونه يسير في جزء كبير منه ضمن النسق نفسه الذي ترافعت بخصوصه “CDT”، معتبراً أن “الرأي يكشف أن هذا النص يناقض الدستور في مقتضياته ويناقض أيضا التوصيات الدولية المتعلقة بالحق في الإضراب بمختلف أشكاله، الذي لا يمكن الإجهاز عليه تحت أي ظرف كان”.
فيراشين أفاد لنا بأن “مجموعة من النقط الواردة في وثيقة مجلس الشامي إيجابية، خصوصا من حيث تعريف الإضراب وتحديد مفهوم الحد الأدنى من الخدمة، وحرمان مجموعة من الفئات من الحق في الإضراب، رغم أن لها الحق في العمل النقابي، إلخ”، وزاد: “هذه كان فيها المجلس منصفاً لرأي الكونفدرالية الذي تمسكت به طيلة السنوات الأخيرة”، مستدركا بأن “المجلس من جهة أخرى لم يتحدث صراحة عن ضرورة أن يلتزم المغرب بالمصادقة على الاتفاقية الدولية 87”.
المتحدث ذاته قال أيضا إن “هذه الاتفاقية بمثابة مرجعية دولية للحق في الإضراب كان يتعين أن يصدر المجلس توصية واضحة بشأنها”، مشددا على أن “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تعتبر المغرب مطالبا بأن يحافظ على روح هذه الاتفاقية الدولية ويفعّلها حتى تكون القوانين الوطنية ملائمة للمقتضيات الدولية، لاسيما في هذا الموضوع المتعلق بالإضراب بوصفه موضوع النقاش الآن”.
إلى ذلك شدد القيادي النقابي ذاته على أن “هذه الوثيقة الصادرة عن مؤسسة دستورية ستساهم في تجويد النقاش والحوار حول القانون مع الحكومة، بالنظر إلى مجموعة من التوصيات المهمة التي تضمنتها ويكمن الاستناد إليها”، خالصاً إلى أن “المنتظر الآن هو أن يكشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن رأيه، فكما نعرف أن البعد الحقوقي حاضر وبقوة في أي نقاش متصل بالإضراب، هذا إن لم نقل إنه الأصل فيه”.