اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن بناء مشروع القانون التنظيمي للإضراب غير متماسك في هندسته وأن تداخل العديد من مقتضياته تجعل قراءته غير واضحة وتحمل تأويلات متعددة يزيدها ضبابية عدم الدقة في التعاريف والمفاهيم، داعيا إلى إعادة صياغة ومراجعة العديد من مقتضياته لكونها تهدد الأمن القانوني والحقوقي.
وأشار المجلس، في رأيه بشأن مشروع قانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، إلى أنه يقصي فئات اجتماعية منظمة بحكم القانون ويحرمها من ممارسة حق دستوري مكرس في جميع دساتير المملكة منذ سنة 1962 وأجازته كل الالتزامات والمعايير الدولية، كالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 1966 والاتفاقية الدولية الأساسية رقم 87 والاتفاقية الدولية للحق في المفاوضة والتنظيم .
واعتبرت الوثيقة التي توصلنا بنسخة منها أن إثقال هذا المشروع بالكثير من التفاصيل والإجراءات وتحميله للعديد من المقتضيات القانونية التي كان من الأجدر التنصيص عليها في قوانين أدنى حادث به عن روح وفلسفة تقنين حق دستوري طال انتظار تنظيمه لمدة تزيد عن ستة عقود .
وثمن مجلس الشامي أهمية مبادرة إصدار قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وفقاً لما ينص عليه الفصل 29 من الدستور، والفصل 86 الذي ينص على وجوب عرضه للمصادقة من قبل البرلمان ضمن قوانين تنظيمية أخرى في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ الدستور (2012-2016).
وبناء على قراءته المشروع القانون التنظيمي، يورد المجلس ذاته أنه من الضروري مراجعة بنود هذا المشروع لضمان انسجامه وتوافقه مع المبادئ الدستورية والالتزامات والمعايير الدولية، مما يعزز التوازن بين مصالح جميع الأطراف.
وأورد المصدر ذاته أن تقنين ممارسة حق الإضراب يجب أن يُعتبر أولا وأساسا مشروعاً مجتمعيا يتطلب التشاور الواسع والتوصل إلى توافقات بناءة ، مناديا إلى إشراك جميع الأطراف المعنية لضمان أن يعكس القانون مصالح فئات المجتمع ككل .
وتابع المرجع ذاته أنه يتعين أن يضمن مشروع القانون تحقيق التوازن بين حق الإضراب في إطار الحرية النقابية وحرية العمل ، لافتا إلى أنهما عنصران أساسيان لأي مجتمع دينامي ديمقراطي متطور ، مشددا على ضرورة إجابة المشروع على إكراهات المقاولة، المتمثلة في زيادة الإنتاجية وخلق القيمة، بالإضافة إلى حسن سير المرافق العمومية واستمراريتها خدمة للمرتفقين والمواطنين من جهة، مع ضمان تحسين المصالح المادية والمعنوية للأجراء والموظفين، وتأكيد حقهم في اللجوء إلى الإضراب كألية قانونية للدفاع عن هذه المصالح من جهة أخرى .
وضمن ما اعتبر المجلس أنه جدير بأن يورد في قانون الإضراب، أشار إلى تقنين الحق في ممارسة الإضراب لجميع الفئات التي تتمتع بحق الانتماء النقابي والسماح بتنظيم كافة أشكال الإضراب التي تشهدها الساحة الوطنية دون إقصاء أو تمييز .
وواصل بالإشارة إلى إعطائه الأولوية للحوار والتفاوض بين جميع الأطراف المعنية، مع الاستثمار في تعزيز الحوار الاجتماعي وتقوية مكانة وتمثيلية الوسائط الاجتماعية، بما في ذلك النقابات والجمعيات والمجتمع المدني، لتكريس السلم والاستقرار الاجتماعيين وتحقيق التنمية الاقتصادية والنهوض بالعمل اللائ .
ونادى المجلس ذاته بضرورة ضمان مشروع القانون التنظيمي للإضراب للأمن القانوني لجميع الأطراف المعنية من خلال وضوح النصوص وقابلية إنفاذ قواعده القانونية، وذلك لتجنب التباين في التأويلات والتقديرات نتيجة تضارب المصالح، وحفاظا على السلم الاجتماعي.
ودعا مجلس الشامي إلى تفادي التنصيص على العقوبات السالبة للحرية اقتداء بالممارسات الدولية في هذا المجال ، مستحضرا أهمية تناسبية الغرامات المالية بين العاملين وأرباب العمل أخذا بعين الاعتبار حجم وخطورة الأفعال المرتكبة .
وضمن أوجه القصور التي جردها بخصوص مشروع القانون التنظيمي للإضراب، أورد رأي المجلس أنه يقتصر في هندسته على مستوى المضامين على المبادئ العامة، والتوجهات الأساسية، والقواعد الضرورية من حيث شروط وممارسة حق الإضراب دون الدخول في تفاصيل إجرائية خلافية قد تغذي منطق التصادم بدل التوافق بين الفرقاء .
وشدد المصدر ذاته على ضرورة تبسيط مساطر وإجراءات ممارسة الحق في الإضراب ، معتبرا أنه حق يستمد أساسه من الحرية النقابية ويُمارس في إطار جماعي لضمان الحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية .
ولفت الرأي ذاته إلى أن اعتماد أي مشروع قانون تنظيمي للإضراب يجب أن ينسجم مع المرجعية الدستورية والالتزامات والمعايير الدولية ويرسي الأمن القانوني والحقوقي ويضمن توازن المصالح، لضمان بيئة سليمة ومستقرة تقل فيها المنازعات والانحرافات ويسهل فيها الاحتكام إلى سلطة القانون والقضاء .
وتابع المصدر ذاته أن مشروع قانون الإضراب ينبغي أن يواكب باستكمال تنظيم العلاقات الشغلية بالنصوص القانونية اللازمة بإصدار القانون المتعلق بالنقابات وتحيين وملاءمة مقتضيات مدونة الشغل وتقوية الحوار الاجتماعي وآليات الوساطة والتحكيم وتعزيز مكانة مفتشية الشغل وتقوية أدوارها باعتبارها مؤسسية محورية في علاقات الشغل وتدبير نزاعاته تعزيزاً لثقافة الحوار والتفاوض وفض نزاعات الشغل سلمياً .