منذ إعلان وزارة التربية الوطنية عن تنظيم المنتدى الوطني الأول للمدرس لم يفتُر الجدل بين نساء ورجال التعليم والرأي العام بخصوص أهمية هذا الحدث وانعكاسه على المنظومة بالنظر إلى الميزانية المهمة المرصودة إليه، في حين طغى عليه حضور الخبراء الأجانب مقابل تهميش الأطر المغربية، مع الاقتصار على حضور شكلي للفاعل النقابي.
الصدى غير الإيجابي الذي خلفه إعلان تنظيم المنتدى بشراكة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ومؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، دفع الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي إلى مقاطعة الجلسة الافتتاحية، وانتشار انتقادات واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للحدث.
ميزانية في غير محلها
وقال رضوان آيت عيني، عضو اللجنة الإدارية بالجامعة الوطنية للتعليم (FNE)، إن موقف عدم الحضور جاء إثر تنظيم الوزارة للمنتدى اتسم بانفراد الوزارة وعدم إشراك الحركة النقابية، لأنه لدينا موقف من تنظيم هذه الأنشطة، لكونها بعيدة عن الأولويات المطروحة في قطاع التعليم .
وسجل آيت عيني استمرار هدر المال العام في مثل هذه الأنشطة التي لن تمس في العمق الأعطاب والمشاكل الحقيقية التي تعانيها المنظومة، خاصة وأن هذا المنتدى رفع شعار أن المدرس محرك التعليم، في حين يتذكر الجميع التقشف الذي تعاملت به الحكومة ووزارة التربية الوطنية مع تسوية الملفات الفئوية التي كان حلها سيساهم في خلق أجواء إيجابية وحفزت الشغيلة التعليمية للمساهمة في النهوض بأوضاع التعليم العمومي .
وأشار المتحدث إلى أن الميزانية كان الأجدر أن تصرف في حل عدد من الملفات إذا أردنا النهوض بأوضاع القطاع، منها ملف الزنزانة 10، والمقصيين من خارج السلم، وعدم تعميم التعويض التكيميلي على أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي والمختصين والمساعدين التربويين، والوضعية المتأزمة لشغيلة التعليم الأولي، والتعويض عن العمل في المناطق النائية، خاصة التي تتعرض لكوارث طبيعية.
تهميش النقابات
وبخصوص غياب الفاعلين النقابيين، سجل آيت عيني بأسف أن وزارة التربية الوطنية تريد من الحركة النقابية فقط تأثيث المشهد، مشيرا إلى أنه تم استدعاء الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي لحضور الجلسة الافتتاحية، بينما المشاركة أن تكون في الورشين ومناقشة المحاور المبرمجة.
ولفت النقابي ذاته إلى أن الاستعانة بشخصيات بعيدة عن التفكير والتنظير في المجال التربوي والبيداغوجي وسن السياسات التعليمية يجعلنا لا ننتظر أشياء كثيرة من هذا المنتدى، ولهذا تدارس المكتب الوطني جميع حيثيات المنتدى مقررا مقاطعة الحضور .
وتابع أن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي سيغيره المنتدى في واقع القطاع؟ علما أن الأولوية الآن في قطاع التعليم هي تنفيذ الالتزامات الحكومية تجاه نساء ورجال التعليم والإسراع بتنفيذ مضامين اتفاق 26 دجنبر، وأيضا استمرار الدولة في الإنفاق وتمويل القطاع عبر توسيع العرض التربوي .
وشدد على أن هناك تحديات كبيرة تنتظر القطاع، خاصة أنه بعد زلزال الحوز والفيضانات الأخيرة، كان ممكنا أن يتم تحديد وقت آخر لهذا المنتدى، ريثما يتم تأهيل بنيات الاستقبال بهذه المناطق وتعزيز العرض التربوي وغيرها، وحينها يمكن انتظار أن يكون لهذه المنتديات نتائج إيجابية على إصلاح قطاع التعليم.
المشكل ليس حسن الفد
وبدوره، أكد عبد الرزاق بن شريج، المفتش والخبير التربوي، أنه مبدئيا فكرة المنتدى تبقى جيدة في العموم، مشجعا على اتخاذ الوزارة هذه الخطوة، غير أن الشياطين تسكن في التفاصيل ، مفيدا لن نتوفر على البرنامج وتفاصيله، بخصوص الحديث عن مشاركة الفنان حسن الفد ، معتبرا أن هذا الكوميدي يعد طاقة من الطاقات التي يمكن الاستفادة منها، وكبور شخصية من الشخصيات وليس شخص الفد .
وأوضح بن شريج أنه عادة في المنتديات تحضر جميع التخصصات، ومنها المهتمين بالتدريس والبيداغوجيا والديداكتيك، كما يمكن حضور علماء النفس والاجتماع والتاريخ والفلسفة والمسرحيين والشعراء، غير أنه ليست لدينا الأسماء الـ150 التي ستحضر جميعها، متمنيا أن تكون الأسماء لأناس في المستوى ومهتمين بالمنظومة.
واعتبر أن الأساسي هو ما ستسفر عنه الاجتماعات والورشات، وما سيناقش داخل تلك الورشات وما ستسفر عنه، مفيدا أن الانتقادات تجاه المنتدى في العموم يبقى مُرحبا بها، لأنه في غيابه لن يُعرف هذا الحدث، غير أن الانتقاد ينبغي أن يكون بناء ومعقول.
وأوضح الخبير التربوي أن الإشكال الأساس يكمن في الملايير التي تصرف إذا لم يكن معروفا أنه ستكون هناك نتائج جيدة جدا ويشارك خلال الممارس الفعلي داخل المنظومة من المفتشين والمدراء والأساتذة، وأن يكونوا مدعمين بخبراء من الميدان، والأساتذة الجامعيين والمختصين في مجالات متعددة تصب في التربية والتكوين والبحث العلمي.
واستدرك بن شريج أن صرف الميزانيات على منتديات بدون نتيجة، في حين توجد أزمة في المنظومة ونساء ورجال التعليم يبحثون عن مستحقاتهم، ومنهم أساتذة المدرسة الرائدة، الذين لم يتوصلوا بعد بالتعويضات.
إقصاء الخبراء المغاربة
ومن جهته، ذهب حسين زاهدي، خبير في السياسات التربوية العمومية، أن افتتاح الموسم الدراسي بنشاط فكري وتربوي يهتم بالمنظومة وقضايا التربية خطوة لا يمكننا إلا أن نثمنها، إلا أنه لا يمكن الحديث عن القيمة المضافة لمنتدى المدرس قبل انتهائه والاستماع لتدخلات المشتركين.
وتابع زاهدي بخصوص الحاضرين أنه كان الأولى أن يتم استدعاء الخبراء والمختصين المغاربة بحكم أنهم أقرب إلى المنظومة ويعيشون داخلها ويعرفون أكثر، موضحا أن الخبراء الأجانب من الممكن الاستفادة من مشاركتهم إذا كان النقاش حول موضوع معين.
ولفت الخبير نفسه إلى أن المغرب كان أفضل لو تم الانفتاح على الأطر المشتغلة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والمدارس العليا للأساتذة، وكليات علوم التربية التي تعد رائدة في هذا الباب، وكذلك هيئة التفتيش والتأطير، مفيدا بأن التقييم الحقيقي لهذا المنتدى سيكون بعد انتهاء أشغاله ومعرفة نتائجه.
تمويل من جيوب الأساتذة؟
وأوضح آيت عيني أنه ما دامت وزارة التربية الوطنية تقوم ببرامج وأنشطة بعيدة عن الأولويات المطروحة على القطاع، فأكيد أن نتائج هذا المنتدى لن تكون في المستوى، وستكون مجرد هدر للمال العام مثل باقي البرامج التي سبقتها.
وتساءل نقابي الـ FNE في هذا السياق عن نتائج المشاورات حول قطاع التعليم واللقاءات حول الإصلاح، وأيضا نتائج البرامج والخطط، ومنها البرنامج الاستعجالي، ذلك أن طريقة تدبير القطاع هو الذي يؤدي إلى تذيل المغرب لمؤشرات مستوى التعليم.
واستحضر أن تنظيم هذا المنتدى يتم من طرف وزارة التربية الوطنية بشراكة مع مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتعليم، مفيدا أن هناك تخوف أن يكون التمويل من طرف المؤسسة، لأن ميزانياتها تبقى من مساهمات المنخرطات والمنخرطين من نساء ورجال التعليم .
وفي هذا الإطار، ذكر آيت عيني بأنه مازلنا ننتظر الالتزام بواحد من أهم مضامين اتفاق 26 دجنبر المتعلق بتعويض أسر الأساتذة ضحايا زلزال الحوز، الذين اقترحت الوزارة أن يكون بشراكة مع هذه المؤسسة، التي ينبغي أن تعطي الأولوية لهذه الملفات بدل تمويل مثل هذه المنتديات .