بدا لافتا خلال محاولات الهجرة الجماعية صوب ثغر سبتة المحتل انطلاقا من مدينة الفنيدق الحضور الكبير لأطفال وقاصرين قدموا من مختلف مناطق المملكة تلبية لـ”نداء 15 شتنبر” الذي اكتسح مواقع التواصل الاجتماعي طيلة أسابيع، ما جعل خبراء في الشأن التربوي يلفتون الانتباه إلى ضرورة إدراج مادة للتربية الإعلامية ضمن المقررات الدراسية “لتمكين التلاميذ من التعامل بحس نقدي مع المضامين الرقمية التي تنتقي لهذه الفئة القصص الناجحة للهجرة، وتغفل المخاطر الجمّة التي تعترض القاصرين بالديار الأوروبية، من قبيل التشرد والاستغلال الجنسي”.
ويؤكد الخبراء الذين تحدثوا لهسبريس أن تزايد رغبة القاصرين في الهجرة غير النظامية “تحوّل مجتمعي” ينبغي أن تواكبه اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة البرامج بإدراج المادة المذكورة ضمن المناهج الدراسية بالمؤسسات التعليمية، و”إعادة النظر في مضامين المقررات الدراسية الأخرى حتى تكون قادرة على توفير تنشئة اجتماعية سليمة للتلاميذ تحصّنهم من الانجرار إلى ظاهرة الهجرة غير النظامية التي لا تصبّ في مصلحتهم ولا في مصلحة المجتمع”، رغم أنهم يلفتون إلى “وجود محفزات قبلية لدى هذه الفئة للهجرة، يستغلها المحرضون على الهجرة غير النظامية، على غرار الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية لأسرهم، ما يفرض معالجة الظاهرة في سياقيها التربوي والاجتماعي”.
“حاجة مستعجلة”
عبد الناصر الناجي، خبير تربوي رئيس جمعية “أماكن لتحسين جودة التعليم”، قال إن “حضور نسبة كبيرة من القاصرين ضمن منفذي محاولة الهجرة الجماعية صوب سبتة السليبة يسائل مدى قيام المؤسسات التعليمية بأدوارها التربوية، وتحديدا المساهمة في تمليك التلميذ القاصر الحسّ النقدي للتعامل مع مختلف الأحداث المحيطة به بما يضمن مصلحته ومصلحة المجتمع ككل، عوض الاقتصار على التعليم الجاف المرتكز على تلقينه المعارف التي تمكّنه من ضبط المقرر الدراسي فقط”.
الناجي أكد لهسبريس أن “تناسل المضامين المحرّضة للقاصرين على الهجرة غير الشرعية في وسائط التواصل الاجتماعي يستعجل بالفعل إدراج مادة للتربية الإعلامية في المقررات الدراسية بالمؤسسات التعليمية الابتدائية والإعدادية؛ على أساس تضمينها دروسا تمكّنهم من فهم الجانب السلبي لهذه الوسائط، باعتبارها وسيلة للتضليل والتزييف، والانتقائية وتجزيء الحقائق من خلال تسليط الضوء في هذه الحالة على الجانب المضيء للهجرة إلى الديار الأوروبية، دون الإشارة إلى المخاطر الجمّة التي يتعرّض لها القاصرون بهذه الديار، كالتشرد والاستغلال الجنسي، إلخ”، مضيفا أن “هذه الدروس ينبغي أن تؤهل التلاميذ أيضا لتطوير قدراتهم الفكرية والتقنية على فلترة مضامين هذه الوسائط”.
غير أن رئيس جمعية “أماكن لتحسين جودة التعليم” استدرك بأن “إدراج هذه المادة سيكون غير كاف لاجتثاث الهجرة غير الشرعية، أو أي ظاهرة سلبية في صفوف القصر، ما لم يتم إجراء إصلاح نسقي للتربية يرتكز على إعادة النظر في المقاربة المعتمدة في إعداد المنهاج الدراسي، حتى تكون مضامين المقررات الدراسية قادرة على توفير تنشئة اجتماعية سليمة لهذه الفئة، تحصنّها من الانجرار نحو مختلف الظواهر المجتمعية التي تهددها، على غرار الهجرة؛ على أن هذا الدور يجب أن ينخرط فيه المدرس أيضا”.
واستحضر المتحدّث ذاته أن “مروجي المضامين المحرّضة للهجرة غير الشرعية يستغلون وجود محفّزات قبلية لدى هؤلاء القاصرين للهجرة، على غرار الهشاشة المعيشية والاقتصادية التي تعيشها أسرهم، وانسداد الأفق أمام أحد إخوانهم أو أقاربهم بالنظر إلى محدوددية فرص الشغل”، ليؤكد أن “المقاربة الوقائية لهذه الظاهرة تفرض إلى جانب تنزيل الحلول التربوية سالفة الذكر إصلاح المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالأطفال القصر”.
“مواكبة التحوّل”
خالد الصمدي، الخبير التربوي في قضايا التربية والتكوين، سجّل بداية أنه “بمقتضى القانون الإطار رقم 57.17 المتعلّق بإصلاح منظومة التربية والتكوين فإن اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج مطالبة بأن تناقش بعمق مختلف التطورات والتحوّلات المجتمعية التي يعرفها المغرب، وأخذها بعين الاعتبار في تحيين المناهج الدراسية”، موردا أن “تزايد رغبة القاصرين في خوض مغامرة الهجرة غير النظامية أحد أبرز التحولات التي أكدتها محاولات الهجرة الجماعية صوب سبتة المحتلة”.
وأضاف الصمدي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “هذا الواقع الجديد يفرض إحداث طفرة نوعية في المناهج الدراسية المعتمدة بالمغرب، لاسيما إحداث مادة للتربية الإعلامية تساهّم في رفع الحسّ النقدي لدى فئة التلاميذ خلال تعاطيهم مع مضامين وسائط التواصل الاجتماعي، حتى لا يتعاملوا مع أي منشور أو فيديو يتلقونه داخل هذه الوسائط على أنه يحمل حقيقة مطلقة، أو يترجم جميع جوانب الواقع”، مردفا بأن “دعوات 15 شتنبر تفرض عدم حصر هذه المادة في دروس نظرية، وإنما تطعيمها بدروس تقنية في كيفية التحقق من المعلومات الرائجة ومعرفة المصادر التي تداولتها”.
وشدد الخبير التربوي في قضايا التربية والتكوين على أن “ملاءمة المناهج الدراسية لظاهرة إقبال القاصرين على الهجرة غير النظامية تفرض أيضا ربط هذه المناهج برؤية واضحة للتشغيل، إذ يجب أن تضمن المقررات الدراسية للإعدادي والتأهيلي فرصا أكبر لتلاميذ مستويات هذه الأسلاك للولوج إلى معاهد التكوين المهني”.
وتابع المتحدّث ذاته بأن “معالجة هذه الظاهرة تتطلب إلى جانب إصلاح المناهج إيجاد حلّ لظاهرة الهدر المدرسي، إذ بتنا نسجّل 300 ألف حالة سنويا، معظمها لتلاميذ بالمستوى الإعدادي”، مؤكدا أن “غيّاب مؤهلات لدى هؤلاء لممارسة نشاط اقتصادي يجعل أغلبهم يقعون ضحيا للأوهام الرائجة حول الهجرة غير النظامية”.