recent
آخر المواضيع

شقير يضع ثقافة استعمال الماء بين التنشئة العائلية والمقررات الدراسية

Educa24
الصفحة الرئيسية


يتناول الباحث المغربي محمد شقير في مقاله “ثقافة استعمال الماء بالمغرب بين التنشئة العائلية والمقررات الدراسية” أزمة ندرة المياه في المغرب وسبل مواجهتها من خلال تعزيز الوعي المجتمعي.

ويسلط شقير الضوء على الإجراءات الحكومية المتخذة للتعامل مع هذه الأزمة، مشيرًا إلى أن الحلول المستدامة تتطلب تغييرات جذرية في سلوكيات المواطنين، تبدأ من الأسرة وتمتد إلى النظام التعليمي.

كما يؤكد على أهمية دمج ثقافة ترشيد استهلاك الماء في المناهج الدراسية، مشددًا على أن التعليم المبكر وتوعية النشء بأهمية الحفاظ على الموارد المائية يشكلان مفتاحًا لمواجهة التحديات البيئية المتفاقمة التي تهدد المغرب.

نص المقال:

واجه المغرب لأول مرة في تاريخه الحديث أزمة حادة في استعمال مخزوناته المائية دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات استعجالية تهم تدبير هذه الأزمة، سواء من خلال التخفيض من استعمال الماء عبر قطع تصريفه في أوقات معينة في مدن عدة، أو التخفيض من نسبة الصبيب، وإغلاق الحمامات لثلاثة أيام في الأسبوع، أو تفعيل عمل الشرطة المائية، إلى غير ذلك من الإجراءات.

لكن يبدو أنه رغم هذه الإجراءات ما زال التعامل مع هذه الأزمة وكأنها أزمة عابرة على غرار زلزال الحسيمة أو الحوز أو فيضانات بعض مناطق الجنوب الشرقي أو بعض مدن المملكة. فعلى الرغم من كثرة الإعلانات الاشهارية التي يقوم بها التلفزيون الرسمي والاشتغال اليومي الفعّال الذي يقوم به إعلاميون وصحافيون بشكل عام في العديد من المنابر الوطنية، والورشات التحسيسية التي تقوم بها بعض الجمعيات، لا يوجد أيّ نقاش عمومي بين الباحثين والعلماء والمهندسين وخبراء الزراعات والمسؤولين في الوزارات وجمعيات البيئة من أجل التفكير في الطريقة التي ينبغي بها ترشيد استخدام الماء.

فالنقاش العمومي جزء لا يتجزأ من تغيير الواقع، ولعل ما تعيشه المملكة من جفاف متواصل يمكن أن يشكل، على غرار تداعيات جائحة كوفيد، وما تعرفه مدن المملكة من انقطاعات متكررة في الماء، وما تعانيه بعض الساكنة في حواضر وقرى من مظاهر الشح المائي الذي بلغ حد العطش، (يمكن أن يشكل) الصدمة النفسية والسيكولوجية التي ينبغي أن تستغلها الدولة لإعادة تربية مواطنيها على الاستعمال المعقلن للماء وعدم الإفراط في استخدامه.

وفي هذا السياق، فقد سبق للعاهل المغربي أن خصص في خطاب عيد العرش الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الفضية لتوليه الحكم، حيزا مهما لإشكالية تدبير أزمة الماء بالمملكة، إذ أكد ضرورة اتخاذ إجراءات عدة لمواجهة هذه الأزمة التي أصبحت هيكلية، بما في ذلك ترشيد استعمال الماء وعدم تبذيره، ونبه بهذا الصدد إلى أنه: “أمام الجهود المبذولة لتوفير الماء للجميع، علينا أن نصارح أنفسنا بخصوص عقلنة وترشيد استعمال الماء، لأنه لا يعقل أن يتم صرف عشرات المليارات لتعبئة الموارد المائية، وفي المقابل تتواصل مظاهر تبذيرها، وسوء استعمالها. فالحفاظ على الماء مسؤولية وطنية، تهم جميع المؤسسات والفعاليات. وهي أيضا أمانة في عنق كل المواطنين”.

وبالتالي، فالتأكيد الملكي بهذه الحدة على الترشيد العام لاستعمال الماء يعكس بوضوح أن هناك خللا كبيرا أصاب سلوك المغاربة في تعاملهم مع هذه المادة الحيوية، الذي كان يتسم دائما بالعقلنة وحسن التدبير طيلة قرون عدة، سواء من خلال استعمالهم للخطارات أو السقايات العمومية. لكن بمجرد استعمالهم الصنبور (الروبيني أو البزبوز)، تغير سلوك المغاربة المتسم بالعقلنة والاقتصاد إلى الإفراط في الاستهلاك والتبذير في استعمال الماء. من هنا ضرورة العمل على نهج بيداغوجية سياسية تهم بالأساس تربية المواطن على عقلنة استعماله للماء من خلال تنشئة اجتماعية وتعليمية.

التنشئة الاجتماعية على استعمال الماء

يبدو أن تعميم استخدام الصنبور أو “الروبيني” قد غير سلوك المغاربة ونظرتهم لاستعمال الماء. فهذا الماء الذي تعودوا على جلبه لقرون عدة بطرق عديدة ومشاق خاصة، أصبح متوفرا لديهم لا يتطلب إلا فتح الصنبور للحصول عليه في كل وقت وحين. ولعل هذا المعطى الذي كان من المفروض أن يبحث من طرف علماء السوسيولوجيا، قد غير بشكل كبير السلوك العقلاني للمغاربة في استعمالهم للماء. فقد حوله من نعمة سماوية إلى سلعة مستهلكة ومتوفرة لا يتطلب جهدا سواء في نقله لعدة كيلومترات كما لا يزال الوضع عليه في بعض الدواوير والقرى، أو في الحفاظ عليه وتخزينه في خواب وأوان خاصة، أو اقتنائه من بائعي الماء أو ما كان يعرف في المدن القديمة والحواضر التقليدية أو حتى في بعض الأحياء الهامشية بـ”مول الماء”.

من هنا، يبدو من الضروري إعادة تلقين الأطفال منذ صغرهم حسن التصرف في استعمال الماء، وتنبيههم إلى أهمية عقلنة استعمالهم له من خلال أمثلة ملموسة تتمثل في البداية بتعويض الصنابير الحالية بصنابير ذكية، وعدم ترك الصنابير مفتوحة بشكل عشوائي. بالإضافة إلى ذلك، يجب تشجيع الأبناء على الحفاظ على الماء من خلال مكافآتهم على حسن استعمالهم للماء أو تنبيهم وتوبيخهم بل ومعاقبتهم في حالة تبذيرهم له. بالإضافة إلى ضرورة إظهار الآباء أهمية المشاركة في الجهود الرامية إلى استدامة الموارد المائية بالبلاد كتشجيع السلوكيات المحمودة في الحفاظ على الماء، مثل إصلاح التسربات المائية في المنازل، واستخدام أجهزة ومعدات توفير المياه. وعدم الإفراط في استهلاك الماء سواء في الحمامات العمومية أو بالفنادق… أو في الغسيل وتنظيف البيوت أو السيارات.

إدماج مادة استعمال الماء في المقررات الدراسية

يبدو أن الوقت قد حان لكي تعيد الدولة النظر في مقرراتها الدراسية التي ينبغي أن يشكل فيها استعمال الماء خلفية ثقافية أساسية في المواد التي تدرس للتلميذ منذ التعليم الأولي إلى المستويات التأهيلية والجامعية. فعلى غرار ما قامت به بعض الجمعيات خلال المخيمات الصيفية بتحسيس الأطفال بأهمية الماء في الحياة وضرورة استعماله بشكل معقلن، يمكن أن ينكب استراتيجيو وزارة التربية الوطنية على التركيز في تدريس أهمية استعمال الماء في كل المواد، سواء كانت علمية أو أدبية، حيث يمكن أن يتم الحرص في مادة الجغرافية على التركيز على انتماء المغرب جغرافيا إلى أحد المناطق الجافة في العالم، وتميز هيدروغرافيته بكل السمات المتوسطية من شح في الماء وضـعف للـصبيب، في حين يتم التركيز في مادة تاريخ المغرب على إشـكالية توفير وتدبير الماء، سواء من طرف السلطة أو من طرف مكونات المجتمع، وصراعات القبائل حول منابع الماء، ولجوء المغاربة، خاصة سكان الحواضر، منذ عهد المرابطين إلى نظام الخطارات الذي ساهم بشكل كبير في تنظيم استعمالهم للماء سواء للشرب أو للري. في حين يتم على سبيل المثال التركيز في مادتي الفيزياء والكيمياء على مكونات هذه المادة الحيوية وكل المراحل التي تمر منها لكي تصبح ماء صالحا للشرب. ويمكن أن تشمل مادة الاقتصاد التركيز على قيمة الثروة المائية ونسبة الاستهلاك المائي من طرف قطاعي الفلاحة والسياحة، بينما يتم التركيز في مادتي التربية الإسلامية والتربية الوطنية على الاستعمال الأمثل للماء والتركيز على الآيات والسور المتعلقة بالماء…

وبالتالي، فالمنظور الشمولي للماء الذي سيتخلل كل مواد المقررات الدراسية، سيؤدي بلا شك إلى غرس وتكريس أهمية الماء في وعي التلميذ في إطار تكوينه كمواطن داخل المجتمع.

 

google-playkhamsatmostaqltradent