recent
آخر المواضيع

التعليم إلى أين ؟

 
خلق التعليم الخصوصي في السنين الأخيرة جدلا واسعا في أوساط المغاربة بسبب ارتفاع واجبات التمدرس في معظم المدارس، خاصة في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة وغيرها، وكذا بسبب تراجع جودة التعليم المقدم وباقي الخدمات مقابل الأثمنة الباهظة التي يفرضها أصحاب هاته المدارس في ظل غياب قانون صريح وواضح يقنن أسعار تلقي التعليم في مدارس خصوصية بات همها الأساسي هو الربح المادي ولو على حساب مستوى وكيفية التعلم.

في جلسة برلمانية مؤخرا، وفي جوابه عن سؤال بخصوص الجدل المرافق للتعليم الخصوصي، قال وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي، شكيب بنموسى، أن القانون رقم 06.00 الذي يعتبر بمثابة النظام الأساسي للتعليم الخصوصي، لا يخول للوزارة التدخل لدى الفاعلين في القطاع لتحديد الرسوم والواجبات المطبقة بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، بل إنها تبقى خاضعة لمبدأ العرض والطلب ونوعية الخدمات المرغوب فيها من قبل أولياء أمور التلاميذ، والتي تشمل إلى جانب تعليم التلاميذ، خدمات أخرى مؤدى عنها مثل النقل المدرسي والإطعام والحراسة والإسعافات الأولية والأنشطة الموازية.

وهكذا تم ترك المجال مشرعا أمام أصحاب المدارس الخاصة لتفرض الأثمنة التي تناسبها على الراغبين في تعليم أبنائهم في مدارس بعينها، حيث يتم تحديد واجبات التمدرس من طرف المؤسسات التعليمية الخصوصية بناء على نوعية الخدمات المقدمة والتي تخضع لمبدأ العرض والطلب ويؤطرها القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، ما يؤكد أن المدارس باتت شركات استثمارية أكثر منها مؤسسات تعليمية..

وبالرجوع إلى كلام الوزير شكيب بنموسى، نجده يؤكد أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي غير مخولة بالتدخل في قطاع التعليم الخصوصي من أجل تحديد واجبات ورسوم التمدرس، لذلك تبقى هذه الأثمنة خاضعة لمنطق العرض والطلب، مما يؤكد أن هذا الجانب في التعليم بالمغرب تم تسليعه ..ففي إطار المنافسة بين أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي حول الريادة المزعومة، يتم الرفع من واجبات ورسوم التمدرس من أجل جلب زبناء جدد، أي أولياء أمور تلاميذ ذنبهم أنهم يرغبون في تلقي أبنائهم تعليما متطورا حديثا يخول لأبنائهم متابعة تعليمهم العالي في أرقى المعاهد والجامعات.

إن التعليم الخصوصي في بلادنا لم يصبح بهذا الشكل الذي عليه اليوم إلا في فترة التسعينات رغم أن هذا التعليم بدأت بوادره الأولى بعد الاستقلال، وكان امتدادا لما كان يسمى التعليم الحر ، الذي جاء لتعليم أبناء المغاربة تعليما مغربيا خالصا مختلفا عن مدارس الحماية الفرنسية، وأخذ في التطور بشكل تدريجي بحكم أن الدولة كانت تؤطر المدارس بعد الاستقلال بتبعيتها لوزارة التربية الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى، لغياب إطار قانوني ينظم مدارس التعليم الخصوصي ولم يتم وضع حد لهذا الفراغ القانوني إلا في سنة 1992، عندما تم إصدار ظهير شريف أحدث بموجبه القانون رقم 86.15، المنظم للتعليم الخصوصي، ومنذ ذلك التاريخ أخذت مؤسسات التعليم الخصوصي في تطوير برامجها ومناهجها لتقديم تعليم مختلف عن مدارس التعليم العمومي التابع للدولة، وطبعا بمقابل مادي، الذي بدوره أصبح منهكا مع توالي السنين لمعظم الأسر المغربية، التي وجدت نفسها في السنين الأخيرة بين مطرقة الرغبة في تلقي أبنائها تعليما جيدا في ظل تراجع مستوى التعليم العمومي هو الآخر، وهذا موضوع آخر، وسندان واجبات التمدرس الغير خاضعة للتقنين ولا للمراقبة من قبل أجهزة الدولة الوصية على قطاع التعليم، ما جعل الأثمنة تخضع لمبدأ الربح المادي ليس إلا في الوقت الذي باتت فيه الخدمات المقدمة والتعلم لا يرقى إلى حجم الرسوم المفروضة دون رقيب.. فقد ((عرف مسار تطور التعليم بصفة عامة منذ الاستقلال مخاضا عسيرا تولد عنه هذا الخليط من المدارس، إذ بالرجوع إلى سيرورة التعليم منذ عهد الحماية إلى اليوم، نجده لا يخرج عن منطق التعليم الطبقي الذي أفرز لنا نخبا صنعت لها مدارس على المقاس، والأمثلة كثيرة، بغض النظر عن مدارس البعثات الأجنبية التي لا زالت ترسي قواعدها وتفرض تعليمها في المغرب.. فبعد الاستقلال وفي إطار سياسة الإصلاح التي أقرتها الدولة في كل القطاعات، كان لا بد من إرساء قواعد تعليم وطني يخرج عن جبة المستعمر، فكانت أول لجنة للإصلاح سنة 1957 سميت الحركة التعليمية ضمت في هيكلتها كل ممثلي أنماط التعليم الموجودة آنذاك: التعليم الفرنسي الإسلامي، التعليم اليهودي، التعليم الفرنسي، التعليم الإسباني، التعليم الأصيل، التعليم الحر، وليس إلغاء التعليم الذي فرضه المستعمر)) (تقرير في الموضوع / الأسبوع عدد 8 مارس 2024)، ومن هنا بدأ كل واحد يسعى إلى فرض نظام للتعليم الذي يراه مناسبا، لكن في إطار المنافسة وما تم الاصطلاح على تسميته بـ الريادة ، بدأت واجبات التمدرس في مؤسسات التعليم الخاصة تعرف تضاربا بينا في الأسعار مقابل تراجع مستويات التلاميذ، ما يطرح التساؤل العريض: من المسؤول عن تغول أصحاب المدارس الخاصة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة بغض النظر عن بعض النتائج التي تنشرها إدارات بعض المدارس لدر الرماد في العيون، هذا دون نسيان امتعاض وعدم رضى عدد كبير من المغاربة على مستويات أبنائهم، وهنا لا بد من التذكير بما قامت به مؤسسات التعليم الخصوصي في فترة كورونا ، عندما كان التعليم عن بعد، ومع ذلك فرضت على الآباء استخلاص الواجبات الشهرية ووصلت الأمور مع بعض الأسر إلى القضاء، إضافة إلى استخلاص واجبات تمدرس شهر يونيو من كل سنة رغم أن الحضور لا يكون إلا لمدة أسبوع على الأكثر في معظم المدارس.

وفي الوقت الذي يتم فيه تبادل الاتهامات بخصوص غلاء المقررات والمستلزمات المدرسية، خرج رئيس رابطة التعليم الخاص بالمغرب موضحا عبر موقع هسبريس ، بأن ((غلاء أثمنة الكتب والمناهج الدراسية يعود إلى دور النشر، وأن المؤسسات التعليمية الخصوصية تشتغل بمناهج مختلفة على غرار ما تقوم به المديريات الإقليمية العمومية، وأن كل مؤسسة لها منهاج دراسي وتختار مقرراتها لوحدها، وهو الأمر نفسه المعمول به في القطاع العمومي، حيث أن هناك اختلافا في المناهج حسب المديريات المنشرة عبر ربوع المملكة..))، غير أن الوسيلة لا تبرر الغاية.. فقد طفت على السطح مؤخرا مشاكل كثيرة بين أولياء أمور التلاميذ ومعظم مؤسسات التعليم الخصوصي بخصوص جودة التعلم وجودة الخدمات المقدمة للتلاميذ، ومدى كفاءة الأساتذة الذين يتم استقدامهم من طرف تلك المؤسسات في ظل تراجع مستوى تلاميذ القطاع الخاص إلا من بعض الاستثناءات رغم النفخ في النتائج حتى لا يقع اللوم على إدارة المؤسسة، مما يطرح بقوة السؤال حول رهان الجودة في مقابل تكاليف باهظة تثقل كاهل الأسر، وهو ما حاد بقطاع التعليم الخصوصي عن الهدف والدور الذي جاء من أجله باعتباره شريكا أساسيا للدولة في هذا القطاع من أجل النهوض بالمنظومة التعليمية ؟

google-playkhamsatmostaqltradent